دخل الحياة المهنية بقلب محارب شجاع؛ فلم يتوقف عن السعي والبحث حتى أصبح مرجعاً في كل علوم القانون والأخلاق، وبعد 55 عاماً من النجاح المهني وتحقيق إنجازات على الصعيد الاجتماعي والإنساني تمكّن "علي ملحم" ابن الثمانين عاماً من الحصول على شهادة الدكتوراه، قسم القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة "دمشق".

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الدكتور المحامي "علي ملحم" بتاريخ 10 كانون الثاني 2018، وعن بداياته حدثنا بالقول: «قرر والدي العودة من بلاد الاغتراب "الأرجنتين" بعد أن عانى مرارة الغربة، فافتتح محلاً كبيراً لبيع المواد الغذائية ببلدته "النبك"، وانخرطت بالعمل معه أثناء العطل الأسبوعية والطويلة، وحين حصلت على الشهادة الثانوية رغبت بالسفر لدراسة الطب البشري، لكن والدي عارض بشدة مع أنني حصلت على منحة، فانتسبت إلى كلية الحقوق من دون أدنى رغبة، وفي السنة الأولى عام 1959 تفحصت الكتب للتقدم للامتحان ودار نقاش بيني وبين زملائي حول المواد المقررة، فوجدت أنني أقدر منهم على الإجابة مع أنني كنت مطلعاً على المنهاج فقط، وانجذبت للدراسة، وخلال أربع سنوات استطعت الحصول على الشهادة الجامعية. تمرنت ببلدة "النبك" و"دمشق" عند الأستاذ "مختار الخياط"، وعام 1963 انتسبت لنقابة المحامين وباشرت المهنة بعقلية "جابر العثرات"، حيث عُرف عن "علي" أنه يحب الصلح، ومن لا يحب الصلح لا يطرق باب مكتبي».

قرر والدي العودة من بلاد الاغتراب "الأرجنتين" بعد أن عانى مرارة الغربة، فافتتح محلاً كبيراً لبيع المواد الغذائية ببلدته "النبك"، وانخرطت بالعمل معه أثناء العطل الأسبوعية والطويلة، وحين حصلت على الشهادة الثانوية رغبت بالسفر لدراسة الطب البشري، لكن والدي عارض بشدة مع أنني حصلت على منحة، فانتسبت إلى كلية الحقوق من دون أدنى رغبة، وفي السنة الأولى عام 1959 تفحصت الكتب للتقدم للامتحان ودار نقاش بيني وبين زملائي حول المواد المقررة، فوجدت أنني أقدر منهم على الإجابة مع أنني كنت مطلعاً على المنهاج فقط، وانجذبت للدراسة، وخلال أربع سنوات استطعت الحصول على الشهادة الجامعية. تمرنت ببلدة "النبك" و"دمشق" عند الأستاذ "مختار الخياط"، وعام 1963 انتسبت لنقابة المحامين وباشرت المهنة بعقلية "جابر العثرات"، حيث عُرف عن "علي" أنه يحب الصلح، ومن لا يحب الصلح لا يطرق باب مكتبي

رافق عمله المهني حراك سياسي، وعن هذه المرحلة قال: «كان عندي استعداد لخدمة الناس والإجابة عن تساؤلاتهم والاستماع إلى قضاياهم. بيتي يبعد 200 متر عن مكتبي، وكنت أستغرق ساعتين لأصل، فدائماً هناك مرافقون أتبادل وإياهم أطراف الحديث حول قضية ما أو لطلب مشورتي، وهذا ما جمع حولي مجموعة من الناس دفعوني إلى الترشح لعضوية مجلس الشعب، ونجحت في عام 1977 حتى 1981 بفضلهم؛ فأكثر من 200 سيارة من أهالي بلدتي تحركت باتجاه "دمشق" لانتخابي، ونجحت أيضاً للمرة الثانية عام 1994 لأربع سنوات، وهذا حملني مسؤولية كبيرة. ممارستي لعملي تحت قبة البرلمان أضاف إليّ، فهوايتي كانت تلبية مطالب الناس المحيطين بي، والآن أخذت طابعاً مختلفاً في تلبية مطالب الناس عامة، وأثناء ذلك تعرفت إلى الدكتور في كلية الحقوق "فؤاد ديب"، وشجعني على متابعة تحصيلي العلمي بعدما لمسه عندي من الطموح وبلوغ أقصى درجات العلم، فسجلت وحصلت على أول دبلوم دولي سنة 1984، ثم الدبلوم العام، وتابعت مسيرتي العلمية لأسجل على الدكتوراه سنة 2002، وبسبب انشغالي وانهماكي بالعمل ورغبة مني بالتفوق المهني تأخرت مناقشتي لرسالة الدكتوراه، وسنة 2017 تمكنت من المناقشة بعد أن استكملت الشروط المطلوبة، كالنشر في عدد من المجلات وغيرها، واستمرت المناقشة أربع ساعات، وكنت فخوراً بنفسي على الرغم من عمري الكبير (80 عاماً)، إلا أن شعوراً بأنني طالب علم كان يمدني بقوة الشباب، وأنا سعيد بحال جامعاتنا، فما تخلل جلسة المناقشة من مداخلات بناءة وانتقادات علمية وحسن تقدير ونزاهة؛ إذ لم يتركوا هفوة صغيرة أو خطأ إملائياً إلا وتم تعقبه، وحصلت على 72 درجة».

أثناء المناقشة

من أقواله: "ليكن النجاح المعنوي لا المادي هو هدفهم الأسمى، فالمحامون فرسان الدفاع عن الحق والعروبة، والذين نجحوا معنوياً منهم الذين نتحدث عنهم بمآثرهم، وقد نعتناهم بالعمالقة". وعن عمله بمهنة المحاماة حدثنا: «المحامي شخص رفيع القدر لديه من العلم ما يمكنه من طرح حجته بجرأة أدبية أمام القضاء لكسب موقفه، الفكر والقلم هما أدوات المحامي، وإن كان صادقاً وعامل المهنة بشرف، فإنها سترفعه وتبادله العطاء. الطموح ليس له حدود، وعندما أعلن عبر وسائل الإعلام أن "علياً بن مصطفى ملحم" حصل على شهادة الدكتوراه بعمر الثمانين، حزنت لأنهم اكتشفوا عمري، فما زلت في مرحلة التأسيس، ولم يمضِ من عملي بالمهنة سوى 55 عاماً من العمل الدؤوب، وفخور بما وصلت إليه، وأشارك بالحراك الوطني، على أرض الواقع من خلال اجتماعاتنا بالبلد مع الوجهاء والأهالي، فجميعنا معنيون بأمور بلدنا، وذلك بمنطلق الإخلاص في العمل أياً كانت ساحته، وابدأ بنفسك، والمشاركة بالعمل العام يوم ينادينا الواجب وتتطلب الظروف، ثم إعطاء ما لدينا من علم وخبرة وتجربة، وتعليم أبنائنا وتثقيفهم إلى أعلى الدرجات وتربيتهم على التمسك بالوطن والدفاع عنه. أيضاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى صفحتي الخاصة اعتدت الكتابة بأسلوب معين وضمن قوالب معينة، أولاً اجتهاد قضائي لتعميم الفائدة، ثم حديث نبوي حول وضع حياة الإنسان، ثم عن الوضع العام بالبلد لبث التفاؤل ودعوة الشباب للعودة والاستثمار ببلدهم، فـ"سورية" قبلة العالم، ورغبتي بالحصول على شهادة الدكتوراه ليس لأجل اللقب؛ فأنا أرغب بمناداتي "أبو مصطفى"، وإنما لأجيره للأجيال القادمة، ولأقول لهم إن العلم ليس له حدود، وطريق العلم والعمل مفتوح طالما يملكون الإصرار والإرادة».

الدكتور "عمار التركاوي" عضو الهيئة التدريسية في كلية الحقوق بجامعة "دمشق" ونائب العميد للشؤون العلمية سابقاً، ومطلع على رسالة الدكتوراه، قال: «تعدّ رسالة الباحث "ملحم" من الرسائل المهمة في نطاق القانون الدولي العام، وموضوع الأطروحة يطرح إشكالية مهمة تتمحور حول كيفية تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في "سورية"، وفيها جانب تجاري ومدني، وقد كان الباحث موفقاً في معالجة مشكلات البحث بأسلوب علمي قانوني، وتميز بالأمانة العلمية، فنسب الأفكار إلى مصدرها، وبرزت شخصيته في البحث، وكان يعلّق على ما يكتب، ويدلي برأيه في جزيئات البحث بموضوعية، وتوصل في نهاية الأطروحة إلى مجموعة من النتائج المهمة وطرح عدة توصيات تساهم في تقديم حلول واقعية لمشكلة البحث، إضافة إلى كتابة البحث بلغة قانونية سليمة منضبطة، وجاء الأسلوب سهلاً بسيطاً سلساً، وتمثل هذه الرسالة إضافة كبيرة إلى المكتبة القانونية العربية، وتأتي خصوصيتها من كون الباحث أستاذاً في المحاماة، ناهز الثمانين من العمر ومارس المحاماة مدة تزيد على أربعة عقود، ومع ذلك عمل بإصرار على البحث العلمي لنيل درجة الدكتوراه، وأظن أنه أول باحث يحصل على الدكتوراه في هذه السن ليس في "سورية" فقط، وإنما في الوطن العربي، وهذا دليل على عظمة الدولة السورية واجتهاد أبناء شعبها في مختلف المستويات العمرية».

مع لجنة التحكيم

كذلك التقينا المحامية "دلال هاشم" لتحدثنا عن الجانب الاجتماعي للدكتور "ملحم"، فقالت: «بداية سأذكر قولاً من أقواله: "كلما زادت الأفعال عن الأقوال في دائرة الإصلاح، اختصرنا الزمن في العودة إلى العافية، فلنقلل القول لحساب الفعل، ولنفعل ما نقول مادام لمصلحة الوطن وعزته وازدهاره". إنه مرجع في كل علوم القانون؛ فهو الرعيل الأول بمهنته؛ أي عميد الجدول، ودرّب أكثر من 200 متدرب، ونحن نبني فوق عملهم الطيب لأنهم الأساس. لي الفخر أنني تدربت بمكتبه؛ وهو ما أتاح لي معرفته عن قرب، فقلبه تملؤه الحماسة، وعيناه تشعان بالرضا وحب المساعدة، وبعد أن أنهينا تدريبنا واظب على الإجابة عن تساؤلاتنا، وكان يحيط بنا كأب، ويقدم لنا النصح والإرشاد ويعطينا من وقته وخبرته واجتهاداته. الأنا معدومة لديه؛ فجُلّ همه تقديم الخدمة الاجتماعية لأبناء بلده وأصدقائه، فهو رجل يحب إحقاق الحق والصدق والأمانة، ويحفز المحيطين به للقيام بواجباتهم الاجتماعية تجاه بلدهم وأبناء بلدهم، فهو أول من كان يقوم بواجب العزاء أو الفرح أو مدّ يد العون للآخرين، ونجح في انتخابات مجلس الشعب أكثر من مرة لثقة الناس به، وأذكر أنه تبرع بـ"نمرة" السيارة التي من حقه كعضو بمجلس الشعب للمستوصف الموجود في بلدته. هو رجل قانون يملك من الشهادات ما يؤهله ليسمى محكماً في المحاكم؛ وذلك لثقتهم المطلقة به وبتحكيمه ومهنيته العالية، وأقام مركز تحكيم مميزاً في منطقته لفض الخلافات والنزاعات التجارية، ويلقى قبولاً من منطقة "القلمون" والمحيطين بها للسمعة الطيبة التي صنعها، وأظن أنه لا يحقق لنفسه أي منفعة مادية؛ لأن هناك الكثير من قضاياه لفض خلافات عائلية ومن دون أدنى مقابل، وما يميزه كشخص أن من يدخل مكتبه يعطيه جُلّ اهتمامه ويتابعه، ويعطي المراجعين طاقة إيجابية».

يذكر أن الدكتور المحامي "علي ملحم" من مواليد "النبك"، عام 1938.

جانب من الحضور أثناء المناقشة