حمل مدينته في قلبه ولبّه، ونثر الحكمة والفلسفة أينما وطأت قدمه، حيث حافظ على إرث "أفلاطون" من الضياع، ونال كرسيه بكل قدرة؛ إنه الفيلسوف "دامسكيوس" الذي استمدّ اسمه من "دمشق" أقدم عاصمة في التاريخ.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 تشرين الأول 2018، التقت الباحث "عبد محمد بركو" ليحدثنا عن هذا الفيلسوف الكبير، فقال: «ولد "دامسكيوس" في "دمشق" عام 458م، وتلّقى فيها أول علومه، إلا أنه برز في الخطابة على يد العالم "سيفرانوس"، وفي سنّ العشرين عام 478م، انتقل إلى "الإسكندرية" ليكمل علومه في أكاديمية "هورابو" على يد العالم السكندري "ثيون"، الذي احتك مع العلماء والفلاسفة الكبار، ناقلاً عنهم عصارة الحضارات التي تعاقبت على بلاد الشام من آرامية وأنباط وهلنستية. كان "دامسكيوس" يكلف بالخطابة في مدينة العلم لتميزه فيها على الرغم من حداثة سنه، وفي نهاية الدراسة وتلقي العلوم، شدّ الرحال إلى "لبنان"، ثم وصل إلى "أثينا" عاصمة "اليونان" وحاضرتها ومنبع ثقافتها».

يبقى كتابه الشهير "حياة إيزدور" أو التاريخ الفلسفي مرجعاً مهما لكل من كانت علوم الفلسفة ديدنه وهمه، لأنه كتاب يحكي عن التاريخ الفلسفي في العالم وأهم نظرياته

ويضيف "البركو": «في "أثينا" بدأ يدرس العلوم الفلسفية ويتعمق فيها، واختص بفلسفة "أفلاطون"، وكالعادة كان النجاح والتوفيق حليفه حتى بلغ به الشأن وصوله إلى كرسي "أفلاطون" في الأكاديمية الفلسفية الأفلاطونية، وفيها عمل على إعادة بناء الأكاديمية معرفياً وإدارياً، وجعلها منارة جديدة للعلوم الفلسفية».

كتاب عن الفيلسوف السوري

أما عن أثر النجاح واستثماره لدى الشاب الطامح، فيقول "البركو": «بسبب سطوع نجمه العلمي والمعرفي، ونيله مناصب عليا في "أثينا" ونجاحه الباهر في العلوم الفلسفية، ولأنه سوري أصلاً جعل له أعداء وحاسدين، ومن خلالهم تم إيغار صدر الإمبراطور "جوستنيان" الذي أمر بإغلاق الأكاديمية الفلسفية الأفلاطونية، وبات "دامسكيوس" بلا عمل؛ وهو ما جعله يشدّ الرحال إلى بلاد "فارس"، وبقي فيها مدة قصيرة اطلع فيها على علومهم الفلسفية، ومن هناك عاد إلى "الإسكندرية"، ودرس في أكاديمتها مدة قصيرة، لكنه الحنين أخذ يأكل منه ويشرب، فقرر العودة إلى أصله وعشقه مدينته التي خرج منها طالباً للعلم، وعاد إليها عالماً جليلاً له ما له من القيمة العلمية والمؤلفات، وبدأ يدرّس العلوم الفلسفية وشروحات "أفلاطون" لطلابه، ونقل علومه التي تلقاها، ليساهم في الحركة العلمية، وتكون "دمشق" حاضرة علمية متميزة».

وعن أهم مؤلفاته، يقول: «يبقى كتابه الشهير "حياة إيزدور" أو التاريخ الفلسفي مرجعاً مهما لكل من كانت علوم الفلسفة ديدنه وهمه، لأنه كتاب يحكي عن التاريخ الفلسفي في العالم وأهم نظرياته».

عبد محمد بركو

يقول عنه "محمد رشاد العبيد" مدرّس مادة الفلسفة: «كان "دامسكيوس" وفياً لمعلمه "أفلاطون" وعاشقاً لفلسفته. ألّف عدة كتب، إضافة إلى كتابه الشهير "حياة إيزيدور"، منها كتاب "مسائل وحلول"؛ وهي المبادئ الأولى للفلسفة، وكتاب "دراسات في كتاب بارمينيديز" لـ"أفلاطون"، وكتاب "دراسات في كتاب فيليبوس" لـ"أفلاطون"».

توفى "دامسكيوس" في "دمشق"، ودفن فيها، ولم يعرف التاريخ الحقيقي لوفاته.