خطوط ونقوش مزركشة تستحضر التراث السوري يحيكها الحرفي "أحمد الشكاكي" منذ خمسون عاماً؛ جال بها أكثر من أربعين دولة حول العالم سعياً منه إلى نشر التراث السوري. حبه للمهنة دفعه إلى تطويرها؛ ليكون من أوائل الحرفيين الذين يدخلون سوق المهن اليدوية ويستحق بذلك لقب شيخ الكار.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 20 تشرين الأول 2018، الحرفي "أحمد الشكاكي" ليحدثنا حول بدايته بالمهنة قائلاً: «بين خيوط الحرير وصوت النول قضيت أجمل أيام طفولتي في ورشة والدي في حيّ "جوبر" الدمشقي. وحين لم أكن قد أكملت السابعة من العمر رسمت أحلاماً كثيرة كنت أظنّ أنها مجرد أحلام بعيدة المنال، لكن الحلم تحقق؛ فقد تتلمذت على يدي والدي وأعمامي الذين كانوا يعملون بحرفة "البتة" و"البندار"؛ وهي عبارة عن شال مصنوع من الحرير يلفّ على الخصر، وهو أقدم من "البروكار".

يُعرَّف البروكار عالمياً بأنه القماش المصنوع من الخيوط الحريرية الطبيعية؛ تدخل فيه المادة الذهبية أو الفضية لتزيد من جماله، كما أنه علم وفن، فهو علم قائم على الرياضيات في حسابات الخيوط، والميكانيك في صيانة وضبط عيارات النول اليدوي، وليس بمقدور أي شخص العمل بمهنة البروكار؛ فلا بدّ للحرفي أن يحب مهنته ويتحلّى بالصبر؛ لأن صنع قطعة لا تتعدى المتر الواحد قد يتطلب عدة أيام، إضافة إلى الإلمام بعلم الرياضيات والميكانيك، وقبل كل ذلك، لا بدّ أن يتمتع بالأخلاق العالية والسمعة الطيبة

وفي عام 1970، صدر قرار جمهوري بفتح مراكز مهنية تحتضن التراث السوري في سوق المهن اليدوية في "التكية السليمانية"، وكان والدي أول حرفي يدخل السوق، فبدأت العمل معه إلى جانب تحصيلي الدراسي، وبعد حصولي على شهادة التعليم الأساسي دخلت الثانوية المهنية حرفة النسيج؛ فطورت المهنة بالتعليم، وبعد حصولي على الشهادة الثانوية قُبلت للدراسة في جامعات "ألمانيا" اختصاص نسيج، لكن حرب تشرين حالت دون ذلك؛ لألتحق بالخدمة العسكرية، وفي الثمانينات عدت إلى المهنة بنفس وأفكار جديدة؛ فبعد أن كانت تقتصر فقط على القماش، أدخلت إليها بعض (الموديلات)، مثل: "الكرافيت"، و"الببيونة"، وبطلب من زوجة السفير الفرنسي في "سورية" آنذاك صمّمت لها حزاماً يوضع على الخصر ترتديه في المناسبات، بعدها بدأت أُدخل تصاميم جديدة، مثل حقائب نسائية، ومساند لغرف الجلوس، وغيرها. وفي عام 1986 كانت أولى مشاركاتي في المعارض؛ كان ذلك ضمن دورة "البحر المتوسط" بمدينة "اللاذقية"، لتتوالى بعدها مشاركاتي في معارض محلية وعالمية؛ في "أميركا" ومعظم الدول الأوروبية والعربية؛ نلت خلالها عدة أوسمة وشهادات تقدير».

من أعماله

وعن أهم ما يميّز العمل بالبروكار وطريقة إنتاج القطعة والرسومات المستخدمة، يقول: «يُعرَّف البروكار عالمياً بأنه القماش المصنوع من الخيوط الحريرية الطبيعية؛ تدخل فيه المادة الذهبية أو الفضية لتزيد من جماله، كما أنه علم وفن، فهو علم قائم على الرياضيات في حسابات الخيوط، والميكانيك في صيانة وضبط عيارات النول اليدوي، وليس بمقدور أي شخص العمل بمهنة البروكار؛ فلا بدّ للحرفي أن يحب مهنته ويتحلّى بالصبر؛ لأن صنع قطعة لا تتعدى المتر الواحد قد يتطلب عدة أيام، إضافة إلى الإلمام بعلم الرياضيات والميكانيك، وقبل كل ذلك، لا بدّ أن يتمتع بالأخلاق العالية والسمعة الطيبة».

ويتابع: «لا وجود للآلة ضمن عملي؛ فالعمل يدوي بكافة مراحله؛ فبعد الحصول على خيوط الحرير، نقوم بصباغتها وفرزها إلى خيوط رفيعة لعملية "السداء"، وأخرى أثخن لعملية "اللحمة"؛ تلف في مواسير ضمن قطعة خشبية تدعى "المكوك"، بعدها نختار الرسمة التي نريد تنفيذها؛ منها النباتية كرسمة "عمر الخيام"، و"الوردة الدمشقية"، أو "صلاح الدين"، وأخرى هندسية، مثل: "الاثنا عشرية، والمثمنة، والموزاييك، والأرابيسك"، وفي إطار التبادل الثقافي أخذنا رسمة "المروحة" من التراث الصيني، ومن الإيطالي "روميو وجولييت"، ومن "الهند" "الكشمير"، وهناك أنواع من البروكار تختلف من حيث الدقة والجودة؛ فالخفيف منها يستخدم للألبسة والثياب الخاصة بالمناسبات، أما الوسط، فيستخدم لصنع الستائر وأغطية الطاولات وبعض أعمال الديكور، في حين يستخدم الثقيل منها للمفروشات والأحذية، وللبروكار الدمشقي ألوان متعددة، أهمها: الأزرق، والأصفر، والأخضر لكونه يدل على التراث».

الحرفي محمد رنكوس

الحرفي "محمد رنكوس" يعمل بمهنة البروكار، يقول: «دخلت المهنة حباً بها وبالتراث الدمشقي على الرغم من عزوف معظم الشبان عنها، وتتلمذت على أيدي كبار شيوخ كار المهنة، ومنهم الحرفي "أحمد الشكاكي" الذي يعدّ من المؤسسين الأوائل لحرفة البروكار الدمشقي، وشيخ الكار الوحيد الذي ما يزال يعمل بالمهنة إلى جانب شيخ الكار "إبراهيم الأيوبي"، صحيح أنني تعلمت الحرفة أكاديمياً في المعاهد، لكن كان له الفضل من خلال خبرته الطويلة بتعلمي المهنة يدوياً، حيث لا وجود للآلة ضمن عمله، حتى الرسومات التي ينفذها من الخيال، ولا يستعين بأي وسيلة أخرى؛ وهو ما يميز القطعة التي ينتجها. تعلمت منه أن المهنة أخلاق وذوق، كما علمني أن صناعة البروكار علم بحدّ ذاته، والنول حاسوب حقيقي؛ حيث تحتاج كل رسمة إلى ضبط معين ودقيق، وبفضله أحببت المهنة وأرغب بالاستمرارية».

بدورها الحرفية "اعتدال غلبان" تقول: «عرفت الحرفي "أحمد الشكاكي" منذ ما يقارب 30 عاماً؛ عملنا معاً لسنوات عدة ورافقته في مناسبات ومعارض كثيرة، وجعلني أحب مهنة البروكار، وتعلمت منه بداية الأخلاق الحسنة، وخفف عليَّ متاعب المهنة لكونها تتطلب الكثير من الصبر.

الحرفية اعتدال غلبان

أستطيع أن أميّز عمله من بين مئات الأعمال؛ فهو نافر وليس (مطلوساً) لكونه يعتمد العمل اليدوي، كل قطعة ينتجها لا تشبه سابقتها، أستطيع القول إنه آخر الحرفيين القديرين الذين ما زالوا يعملون بالمهنة. حبه لعمله جعله يسعى جاهداً إلى نشرها وتعليمها للأجيال القادمة لحمايتها من الاندثار، وله يعود الفضل بالتعريف بها من خلال معارضه التي جال بها حول العالم، حيث تعدّ "دمشق" من ضمن أربع مدن حول العالم تشتهر بحرفة البروكار».

يذكر أن الحرفي "أحمد الشكاكي" من مواليد "دمشق" عام 1954، قام بتصنيع وشاح "أمية" الذي تقلده الرئيس الراحل "حافظ الأسد" عام 1996، وكان مصنوعاً من البروكار الدمشقي الموشى بالذهب والفضة، كما قام بتصنيع أقمشة وأرائك مجلس الشعب وغرفة الاستقبال الرئاسية في الجامع "الأموي"، وتجهيز القاعات الرئاسية في مطار" دمشق" الدولي، وستائر وأرائك فندق "شيراتون دمشق"، إضافة إلى مشاركته ضمن سبعين معرضاً في عدد من الدول العربية والعالمية، حاصل على شهادة الامتياز من "واشنطن" وشهادة تقدير من كل من "ألمانيا" ومدينة "ميلانو" "الإيطالية"، و"فرنسا" التي ما يزال يملك فيها محلاً ونولاً خاصاً به.