لم يكن "هشام سلوم" ليبتعد عن حرفة والده التي ورثها من الأباء والأجداد، بل على العكس عشقها وتمرس فيها منذ الصّغر، وعمل بها مبتدئاً بخياطة ثيابه وثياب أصدقائه، لينتقل بعد ذلك إلى امتهان هذه الحرفة بمهارة.

التقت مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 10 تشرين الأول 2018، "هشام سلوم" في مشغله تقلّب معه قماشه وتطوي حكايات كل قطعة فيها بما حملته من قصص ونهفات لأصحابها معه، ويقول: «ربما لأنني عشت وتربيت على يدي والدي الذي امتهن حرفة الخياطة التي ورثها من الأباء والأجداد، أجد في مجتمعنا مجتمع الأناقة و"الشّياكة" في اللباس وأزيائه، وقد اعتاد والدي الخياطة لأغلب رجال المنطقة في "جرمانا" بمختلف الأزياء، فكان منها الزيّ العربي من "شروال، وجبية، وحطة"، وكذلك المدني من بناطيل وقمصان وبدلات رسمية، واعتدت ارتياد المشغل منذ الطّفولة، وفي الصّف الثالث عملت على ماكينة الحبكة التي أحضرها والدي لنستبدل بها الخياطة اليدوية (القطبة الاستنبولية) بالحبكة الآلية، وتسلّمت العمل عليها لوالدي وكل الخياطين في منطقتنا. أحببت الخياطة وعشقتها، وكانت فرصتي كبيرة في تعلّمها عن والدي بسرعة، حتى إنني قمت بتفصيل وخياطة بدلة الفتوة المدرسية المميزة لي ولأصدقائي السّبعة في الصّف السّابع، حيث كنت أعمل في الخياطة صيفاً، لأستمر فيها وأجعل من خياطة الثّياب الرّجالية عملي، إلا أن الخياطة النسائيّة استهوتني كثيراً؛ وذلك لأنني وجدت فيها الهامش الواسع الرّحب الذي يرضي الأفق الذي أسعى إليه في عملي؛ فكلنا نعرف تنوع واختلاف أذواق السّيدات في لباسهن وتجده عنواناً لجمالهن، فكان أن التحقت بدورات تعليم الخياطة النسّائيّة لأطلع على خطوط العمل العريضة فيها، وبدأت تطوير نفسي وتوسيع معارفي، وبدأت الخياطة لأقاربي ومعارفي، واجتهدت لأكون عند حسن ظن زبائني، وهم الذين اعتادوا خياطة ثيابهم ليكون لهم فيها التميز دون الثياب الجاهزة».

عرفته بعد قدومي إلى "دمشق" من خلال موقف حدث معي، كنت أعمل بفيلم "الهوية" للأستاذ "غسان شميط"، وفي يوم جمعة وأنا أجهز للتصوير، تفاجأت بأن أحد فساتيني بحاجة إلى الإصلاح، فبحثت عن خياط يسعفني، ولحظي الجميل، عثرت على مشغل "هشام" مفتوحاً، فسارعت إليه لأجد فيه الشخص المتعاون الطيب صاحب الوجه البشوش، وسعى إلى تلبية طلبي، فبدأت التعامل معه في خياطة ثيابي وتصميمها، وتعزّزت ثقتي بمهارته وإبداعه في التصميم والخياطة، فقد عرف التعامل مع نمط الثياب والشكل الذي أحب أن أكون عليه، وقد وجدته كذلك مع كل زبائنه؛ فهو يفهم جيداً رغباتهم، ويعرف المظهر الذي يرغبون الظهور به، فهو المتمكن من التصميم والخياطة، وذوقه العالي يسعفه في اختيار الأزياء والتّصميم بما يتلائم مع كل شخص ويراعي خصوصيته، وأظن مثل هذه المهن ومع تطور المجتمعات وتعدد الرؤى والتّطلعات ستحافظ على حضورها الخجول بحضور أصحابها من أمثال الخياط "هشام"

ويتابع: «تعثرت الظّروف على الجميع وتغيرت أنماطاً كثيرة من حياتنا عن التي اعتدناها، وبدأ الناس ترتيب أمورهم ومتطلباتهم وفق هذه المستجدات وكذلك أنا، فإضافة إلى التصميم والخياطة التي انخفضت أسهم العمل فيها، بدأت العمل في تدوير الثياب القديمة للزبائن؛ من تقصير الطويل منها، أو تغيير "موديل"، إلى الاستفادة من قطعتين لتصميم قطعة واحدة مختلفة، وتعمدت عند خياطة أي قطعة جديدة تصميمها بالشكل الذي يسهل علي التصرف فيها بسهولة عند الرّغبة في تعديلها وتدويرها إلى قطعة أخرى، وقد تطلب مني العمل بهذا الأسلوب الجهد والعناء الكبيرين، فلا يخفى على أحد منا صعوبة إرضاء أذواق كل السّيدات، وخاصة فيما يتعلق باللباس والأناقة، وإن كنت في بعض الأحيان أرضخ لطلبات بعضهن من دون اقتناع، وقد كان لي في أغلب الأحيان -إن لم يكن دائماً- الاعتراف بصواب رأيي بعد إنجاز الطلب للزبونة، وهذا لم يكن ليأتي إلا بسبب درايتي تماماً بدقائق هذه المهنة من حيث التّصميم والتّفصيل والخياطة، وكذلك الأقمشة وملاءمتها للأزياء والتّصاميم التي تناسبها».

جمال التصميم

الممثلة "مروى الأطرش" التي أحبت عمل الخياط "هشام"، تقول: «عرفته بعد قدومي إلى "دمشق" من خلال موقف حدث معي، كنت أعمل بفيلم "الهوية" للأستاذ "غسان شميط"، وفي يوم جمعة وأنا أجهز للتصوير، تفاجأت بأن أحد فساتيني بحاجة إلى الإصلاح، فبحثت عن خياط يسعفني، ولحظي الجميل، عثرت على مشغل "هشام" مفتوحاً، فسارعت إليه لأجد فيه الشخص المتعاون الطيب صاحب الوجه البشوش، وسعى إلى تلبية طلبي، فبدأت التعامل معه في خياطة ثيابي وتصميمها، وتعزّزت ثقتي بمهارته وإبداعه في التصميم والخياطة، فقد عرف التعامل مع نمط الثياب والشكل الذي أحب أن أكون عليه، وقد وجدته كذلك مع كل زبائنه؛ فهو يفهم جيداً رغباتهم، ويعرف المظهر الذي يرغبون الظهور به، فهو المتمكن من التصميم والخياطة، وذوقه العالي يسعفه في اختيار الأزياء والتّصميم بما يتلائم مع كل شخص ويراعي خصوصيته، وأظن مثل هذه المهن ومع تطور المجتمعات وتعدد الرؤى والتّطلعات ستحافظ على حضورها الخجول بحضور أصحابها من أمثال الخياط "هشام"».

يتابع "هشام" وهو من مواليد "جرمانا" عام 1974، عمله في مشغله بين الأقمشة وبترونات الخياطة ومكنته ومقصّه مستمتعاً، ويلوذ بأوقات راحته إلى عوده وصوته المشهود له بالجمال والعذوبة، يدندن مع أغاني أيام زمان وطربه الأصيل، وكان قد التحق بالمعهد العالي للموسيقا بعد أن حصل على الثّانوية العامة، إلا أنه لم ينهِ دراسته في هذا المجال، واكتفى بالموهبة.

متعة الخياط هشام
الفنانة مروة الأطرش