لم يبدأ الإعلامي الراحل "هشام بشير" حياته العملية في مهنة المتاعب، إلا أن تعلّق قلبه بالعمل الصحفي جعله يلازمه حتى بعد التقاعد، فقضى سنوات طويلة في صحيفة "تشرين" يُنجر ويُعلّم وينصح ويُساعد، وفي حياته الاجتماعية كان المحبوب الكريم والمزاجي أحياناً.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع "أمّ عمار" زوجة الراحل "هشام بشير" بتاريخ 19 كانون الأول 2018، لتحدثنا عن تفاصيل حياته، وتقول: «ولد "هشام بشير" عام 1944 في "دمشق"، ودرس في مدارسها الابتدائية والإعدادية والثانوية، ثم انتسب إلى المعهد العالي للخدمة الاجتماعية، حيث تعرفت إليه ودرسنا معاً، ثم تخرّج في المعهد عام 1967، وفي ذات السنة تزوجنا، وكان قد دخل مجال العمل قبل التخرج بسنوات، وتحديداً عام 1963 عندما عُيّن كإداري في صحيفة "الثورة"، ويبدو أنه من ذلك الحين تعلّق قلبه بالعمل الصحفي، ومع أنه ابتعد عن الجو الإعلامي وذهبنا معاً إلى محافظة "الرقة"، حيث تم تعيينا في مؤسسة "حوض الفرات" بعد التخرّج، وقضينا 11 سنة هناك، وبعد عودتنا إلى "دمشق" بدأ "هشام" عمله في صحيفة "تشرين"؛ المكان الأحب إلى قلبه، وبقي فيها حتى التقاعد سنة 2011، ليتفرغ للعمل في المكتب التنفيذي لاتحاد الصحفيين، ومع ذلك لم يبتعد عن العمل الصحفي، فظل مستمراً في كتابة زوايا الرأي لصحيفة "تشرين" ومجلة "سوريانا" أيضاً، إلا أنه في المدة الأخيرة كان يقضي معظم أوقاته في المقهى مع أصدقائه، وأكثر ما أثر فيه وأحزنه وأضعف جسده وفاة ابنتنا قبل شهرين بسبب ورم خبيث».

كان عصبياً إلى درجة كبيرة وحنوناً؛ وهذا يدل على مزاجية تعدّ من صفات الكثيرين ممن يعملون في المجالات الإبداعية

وعن صفاته تتابع: «كان "أبو عمار" عطوفاً على الأولاد مع أنه لم يكن يجد الكثير من الوقت لقضائه معهم، لكن في أيام العطل كانوا يلقون منه الكثير من الحب والاهتمام والعطف، وانتقل هذا الاهتمام بعدها إلى الأحفاد. أما علاقته مع أصدقائه وزملائه، فكانت جيدة جداً لأنه شخص محبوب جداً».

تصوير طارق الحسنية - صحيفة تشرين عام 2009

وتضيف: «كان عصبياً إلى درجة كبيرة وحنوناً؛ وهذا يدل على مزاجية تعدّ من صفات الكثيرين ممن يعملون في المجالات الإبداعية».

وفي لقاء الصحفي "جمال حمامة" (أمين تحرير سابق في صحيفة "تشرين")، عن الراحل "هشام بشير" يقول: «كان أخاً وصديقاً، تربطني به علاقة مهنية تعود إلى نحو ثلاثة عقود ونيف، تعمقت هذه العلاقة وتوطدت مع مرور الوقت إلى صداقة، سنوات طويلة جمعتنا معاً صفحات صحيفة "تشرين" التي أحببناها، فكانت إنجازاته راسخة تتحدّث عنها مهنة المتاعب التي منحها من دأبه وشبابه واجتهاده ومتابعته الشيء الكثير، فكانت من أجمل الأيام، شرفني خلالها بصداقته ونبل أخلاقه، فكان قريباً من الجميع في أفراحهم وأحزانهم.

"جمال حمامة" و"هشام بشير" في "لندن" قبل 20 عاماً

من يعرف الأستاذ الصحفي "هشام" لا بدّ أن يحبه كإنسان ويحترمه كمهني محترف وصحفي متمكن، كان لا يبخل على زميل في تقديم النصح والتوجيه، وأنا شخصياً أدين له بالكثير من النصائح والملاحظات التي كان لها الأثر الكبير في زيادة معارفي على الصعيد المهني، فقد كان بحق المعلّم والصديق».

وعن عمله في صحيفة "تشرين" يضيف "حمامة": «تدرج "بشير" في مهام صحفية متعددة أكسبته الخبرة والمعرفة التي وضعها بين أيدي زملائه ولم يضن بها على أحد، عمل محرراً في قسم التحقيقات بصحيفة "تشرين"، وبعد ذلك رئيساً لقسم التحقيقات، ثم أميناً للتحرير، ومديراً للتحرير حتى التقاعد.

لكل زميل منا قصة معه؛ فكان على سبيل المثال عندما يعلو صوته أو يغضب من أحد الزملاء -يكون الخلاف من أجل مادة صحفية- ويخرج الزميل من مكتبه منزعجاً، تراه بعد قليل قد لحق به إلى دائرته (يطيب) خاطره ويصطحبه من جديد إلى مكتبه لمتابعة النقاش الذي يربحه معظم الأحيان، فقد كان نعم الأخ والأب والصديق والأستاذ، والقدوة والمثال الأعلى، والزميل الودود الطيب والمعلم الصبور الخدوم والمهني المحترف، رافقته في عدة سفرات خارجية، فكان نعم الرفيق والموجه».

الصورة الرئيسة في المادة من تصوير المصور "طارق الحسنية" (رئيس قسم التصوير في صحيفة "تشرين")، الذي عاصر الراحل "هشام بشير" منذ عام 2004 عند بدء عمله في الصحيفة حينئذٍ كان "بشير" في منصب أمين تحرير، وعن معرفته بالراحل يقول لـ"مدونة وطن": «كان "هشام بشير" أستاذاً بكل معنى الكلمة، يعطي من يعمل معهم القوة والثقة والدفع والتشجيع الدائم، فكان سنداً في صحيفة "تشرين" للكثيرين من الصحفيين وخاصة الجدد منهم، وفي عمله كان مهنياً ودقيقاً ومنظماً إلى حدٍّ كبير، ولم يكن لديه أعداء في الوسط الصحفي؛ لأنه شخص يحكم على عمل الآخرين بمهنية، ولا أذكر منه أي موقف تأنيب، بل كنت دائماً أتلقى منه النصح والتشجيع».

وعن الجانب الإنساني، يتابع "الحسنية": «تواصله مع زملائه كان يعكس جماله الإنساني وإصراره على إنشاء علاقات اجتماعية جميلة في جو العمل، ففي داخله يوجد طفل قريب إلى القلب، وكان كريماً ومحبوباً جداً، وصديق الصغير والكبير، وهذه ميزة لا يمتلكها الكثيرون. ومع أن الأزمة التي حلت بـ"سورية" خذلته إلى حدٍّ ما مثل الكثيرين منا، حيث ترك منزله في "داريا" وضاعت كل أملاكه، إلا أنه لم يفقد الأمل بأن القادم أفضل وأجمل».

وختم حديثه: «وجوده كان مكسباً لكل العاملين في صحيفة "تشرين" على الصعيدين المهني والإنساني، وفي عزائه جمع الكثيرين من كادر الصحيفة القدامى والحاليين في يوم واحد».

يذكر، أن الإعلامي "هشام بشير" رحل عنا بتاريخ 11 كانون الأول 2018، في "دمشق" "المزة".