بأسلوبه الفني الخاص، وأداءاته الخاطفة المملوءة بالعاطفة، استطاع الفنان التشكيلي "سرور علواني" أن يسافر بنا إلى عوالم أخرى، مسكونة بالألوان، ليكوِن شخصيته الفنية من خلال لوحات تبوح بما تعجز عنه الكلمات، ويكون خير سفير لفنه داخل وخارج "سورية".

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 17 شباط 2019 مع الفنان "سرور علواني" خلال تواجده في "ألمانيا"، وعن موهبته الفنية التي تعززت بالدراسة الأكاديمية يقول: «جئت إلى "دمشق" من مدينتي "القامشلي" عام 1977، لأكمل الدراسة في كلية الفنون الجميلة، قسم الاتصالات البصرية، وأتابع دراسة دبلوم علم النفس في كلية التربية بجامعة "دمشق"، وتم تعييني محاضراً في كلية الفنون في ذات القسم منذ عام 1984 وحتى عام 2012. ما أذكره عن علاقتي بنشاطي الفني أنني كنت أرسم قبل دخولي المدرسة الابتدائية، ربما كنت في الرابعة أو الخامسة من العمر، وأقمت أول معرض فني عندما كنت في الصف الرابع الابتدائي، كانت والدتي أول من شجعني، ربما رأتني مختلفاً عن إخوتي في الذهنية والسلوك، لذلك وفرت لي قدر استطاعتها ما مكنني من التعبير عن نفسي بالألوان، كانت تلاحظ السعادة التي تغمر ابنها العصبي والانفعالي والحساس من خلال الرسم، وفي المرحلة الإعدادية من حسن حظي درّسني الفنان المعروف "بشار العيسى"، الذي تابع اهتمامي وحثني على متابعة دراسة الفنون، لألتحق بالجامعة، وأكمل مهمته الفنانون "نذير نبعة"، "ممتاز البحرة"، "إحسان عنتابي"، و"عبد القادر أرناؤوط"، وغيرهم من الفنانين الذين تعاملوا معي كزميل، وليس تلميذ سنة أولى في الجامعة؛ وهو ما حمّلني المسؤولية الكبرى لأكون عند حسن ظنّهم، فكنت أحاول بكل طاقتي القراءة والعمل في مهنة الفن كي أنال رضاهم، ثم تحولت الأمور إلى احترافية، أعشقها وأمارسها يومياً، أكثر من نصف ساعات اليوم».

أعرف الفنان "سرور" منذ زمن، يمتاز بصراحة اللون والبنية اللونية الواضحة، واللمسة المشبعة بالإحساس ودسامة اللون، والقوة أيضاً في التشريح والتناسق الجميل في بنية الجسد الأنثوي، إضافةً إلى التعبيرية المرهفة والواضحة بجلاء، كما امتاز بالطبيعة الحالمة بألوانها القوية المعبرة عن مهارة، وكعبٍ عال في الصياغة والتكوين المبهر

وعن مواضيع رسوماته يتابع قائلاً: «أرسم ما يحلو لي من دون تخطيط، مع هامش قليل لينال إعجاب أحبتي، وأغلب الأحيان أرسم ما يناسب ثقافة المكان؛ ففي كل بلد أقمت فيه تغيرت المواضيع المعروضة. أعشق الطبيعة وأترجمها على مساحة اللوحة بعد اختيار الومضات والمشهد الذي يشغل اهتمامي، وأحياناً وفق رغبتي في أن تكون الطبيعة كما أرسمها، كما أهتم برسم التشكيلات البشرية والبورتريه، لأنني عملت مدرّساً للتشريح في أكثر من جامعة لسنوات طويلة. أول رسوماتي تم نشرها عامي 1970-1971 في مجلة "أسامة"، كنت في الصف السابع، واستمر الاحتراف بعد دخولي الجامعة عام 1977، وباشرت الرسم في عشرات مجلات الأطفال، ومنها: "أسامة"، "الطليعي"، "أروى"، "أحمد"، "أمجد"، "العربي الصغير"، "باسم"، "الكرتون العربي"، وغيرها الكثير، وضعت رسوماً توضيحية لأكثر من 1500 كتاب للأطفال والكبار، إلى جانب عملي الفني لدى الهيئات المهتمة بشؤون الأطفال، عملت مديراً فنياً في عشرات دور النشر».

من أحد معارضه

وعن مشاركاته الفنية والتدريسية الواسعة، يقول: «شاركت في عدة معارض فنية في مدينتي "القامشلي" و"دمشق"؛ من خلال المشاركة في معظم معارض وزارة الثقافة، ونقابة الفنون الجميلة، ولأتابع نشاطي في البلاد التي أقمت فيها، شاركت بستة معارض في "القاهرة" ما بين عامي 2012-2014، وفي مدينتي "الرياض" و"جدة" أقمت عشرة معارض خاصة ما بين عامي 2014-2019، نلت عدة جوائز محلية وعالمية، أهمها جائزة تقدير من منظمة "اليونيسف" لخدماتي في مجال الطفولة.

بدأت التدريس عام 1984 في كلية الفنون الجميلة بجامعة "دمشق"، وتابعت التدريس في كلية "العمارة" وعدد من الجامعات الخاصة، وأخرى داخل "سورية" وغيرها، قمت بتدريس مواد مختلفة في اختصاصات متعددة، تجاوزت عشرين مادة تخصص، في كليتي الفنون والعمارة، تسلمت رئيس تحرير مجلة "الأولى" للديكور، ومجلة "الفنون الجميلة" التابعة لـ"اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين"، حيث كنت رئيس مكتب الثقافة والإعلام منذ عام 2010 وحتى عام 2014».

المرأة في لوحاته

وفيما يتعلق بصفات العمل الإبداعي، يقول: «العمل الفني لا يشبه أي شيء آخر في الحياة، حيث يولد بدوافع شتى، ليتمكن الفنان الماهر واسع الثقافة من تنفيذه بخيال إبداعي يلامس شيئاً ما في فكر وقلب المشاهد، أياً كان اهتمامه ومستواه الثقافي، يبقى في ذاكرته، وكما أقول دائماً أي إبداع لا يترسخ في ذهن المشاهد، لا يتجاوز المهارة والحرفية التي يقوم بها أي إنسان، ومن أهم صفات العمل الإبداعي أن يقدم من خلاله الفنان ما لم يأتِ به الآخرون في تحقيق جذب نظر المشاهد، وأن تحب روحه هذا العمل في عشق قلب وراحة فكر. للعمل الفني مساران للإنتاج؛ عمل مباشر يتم في جلسة أو اثنتين، وهو الأصدق في القيمة الفنية، والتعبير عن القيمة الفنية الحقيقية، وعمل يخضع بعد هذه المرحلة لعمليات تجميل بما يحقق إعجاب المتلقي، قد نحترمها من دون أن نعشقها».

ويتابع: «لا أجد لوحة بذاتها أقرب إلى قلبي من غيرها، لكل عمل دوافع إنتاجه والقيمة التي حققناها منه، لذا التفاوت كبير جداً وقليل جداً، يصعب تحديده حسب الحالة النفسية التي نعيشها، قد نعشق عملاً أكثر من آخر حسب الظرف والواقع، ويتغير التقييم بتغيرهما، واللوحة التشكيلية تستهدف تنمية الذائقة الجمالية عند المشاهد من خلال حاسة البصر، عبر تحفيز مشاعره للارتقاء والاقتراب أكثر من إنسانية الإنسان والتخلص من البلادة الكامنة بداخله، ويستمر الفن في عمله هذا بكل طروحاته وأنواعه بصرف النظر عن قراءة بعضهم ومواقفهم الشخصية المؤقتة التي تتغير في رفعتهم مع متابعة العمل التشكيلي وتفهمه، وتملك الشعور الناتج عن أحاسيسه».

رسوم صحفية

وعن سبب اهتمامه برسوم الأطفال، يقول: «في هذا الفن أهداف تتقاطع مع فن الكبار، والاختلاف يكمن في أن المسؤولية أكبر، من حيث تكوين جيل، والمساهمة في انتقاله إلى مرحلة التأثير والفعل في المجتمع، إذاً يجب الحذر في ترسيخ الثوابت الإنسانية والمعايير العالمية في تنشئتهم، وأضعفها المحافظة على فطرتهم من التشوه المقتحم من كل الاتجاهات لأهداف خبيثة أو جاهلة، فالأطفال مستهدفون دائماً بوجه مباشر أو غير مباشر، نعيش الآن عصر انتشار مشكلات الآباء في تربية الأبناء، فالمسؤولون عن وضع النصوص ورسومها يلعبون الدور الأكبر في توجيههم، وفي كل الوسائل المطبوعة والإلكترونية صراع للتوجهات المتعددة، وواجب كل رسام تعزيز الجوانب الإنسانية العامة في الحدث الدرامي للنص بأسلوب مباشر في رسم الحدث والأبطال، أو غير مباشر من خلال رسائل تصل إلى شعور الطفل، تتجاوز وضع الرسوم التوضيحية التي تترجم النص الكتابي، من خلال تنمية شبكية العين في إدراك قيم الألوان، والتكوينات المناسبة في إخراج اللوحة، وغيرها من التفاصيل الفنية التي تتعلق بالتوجيه التربوي غير المباشر للمحافظة على الميزات الإنسانية لهذا الكائن البشري».

بدوره "أسامة دياب" الفنان التشكيلي، والأستاذ المحاضر في جامعة "دمشق"، يقول: «أعرف الفنان "سرور" منذ زمن، يمتاز بصراحة اللون والبنية اللونية الواضحة، واللمسة المشبعة بالإحساس ودسامة اللون، والقوة أيضاً في التشريح والتناسق الجميل في بنية الجسد الأنثوي، إضافةً إلى التعبيرية المرهفة والواضحة بجلاء، كما امتاز بالطبيعة الحالمة بألوانها القوية المعبرة عن مهارة، وكعبٍ عال في الصياغة والتكوين المبهر».

"عدنان حميدة" الفنان التشكيلي، والأستاذ المحاضر في جامعة "دمشق"، يقول: «تعرّفت إلى الفنان "سرور" عام 1981، ورأيت فيه رساماً متمكناً من أدواته، يخوض في مجالات الفن بطاقة هائلة غير محدودة، إنسان عاشق للفن، صارم في المعايير، أعماله متنوعة بين التصوير الزيتي والرسوم الإيضاحية، ومن خلال متابعتي الدائمة لأعماله، كوّنت انطباعاً عنه بأنه شغوف في العمل، والفن قضيته الأولى، من المدرّسين القلائل الذين يرسمون بكل ثقة وتمكن أمام الطلبة، ما يميزه أنك تعرف عمله سواء رسم الطبيعة أو الإنسان أو التجريد، فله أسلوبه الخاص الذي يميزه عن غيره، وكذلك تعرف عمله من أداءاته الخاطفة المملوءة بالعاطفة، التي تعتمد تضاد الألوان وانسجامها، وتنوع الملامس التي تعطي كل مادة حقها، وفي تجربة غربته عن الوطن الأم، أعدّه سفيراً في كل موطن نزل فيه؛ لأنه لم يتوقف البتة عن العطاء وإنتاج الفن، وأرجو أن أكون قد أعطيته جزءاً من حقه».

يذكر، أن الفنان التشكيلي "سرور علواني" من مواليد "القامشلي" عام 1959، درس ودرّس في "دمشق"، خريج كلية الفنون الجميلة عام 1981 بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، صمّم اللوحات الخلفية لدورة ألعاب "البحر الأبيض المتوسط" الرياضية في "اللاذقية" عام 1987، ووضع الزخارف والتصاميم الفنية لجامع "الشيخ زايد الكبير" في "أبو ظبي"، وله العديد من الدراسات كالتصميم والتشكيل والرسم الحر، والتصوير الضوئي، وتقنيات الطباعة، والمونتاج، إلى جانب العديد من المقررات، وأعماله مقتناة محلياً وعالمياً.