"دمشق" الحاضرة بتاريخها وحضارتها زرعت حبها بقلب كل من يقصدها ويجول على شوارعها، إلا أن حضورها عند "مازن شيباني" كان له وقع آخر، فرسمها وجمع معالمها ببذور حبات الزيتون، فأنتج لوحات جميلة تحكي قصص تلك المعشوقة الخالدة.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 15 شباط 2019، التقت "مازن الشّيباني" واستمعت إلى قصته، حيث يقول: «ولدت "دمشق" معي، وتربيت على عشقها، ورسمتها في البداية بالألوان المائية بلوحة ثلاثية الأبعاد قياسها متر ونصف المتر، أما قصتي مع الرّسم الزّيتي، فكانت في "التّكية السليمانية"، ومع طالبة فنون جميلة ترسم لوحتها، فعرضت عليها لوحاتي المائية واستأذنتها لتسمح لي بمراقبتها ولو لخمس دقائق لعلني أتعلّم منها، وكان لي ذلك معها، وأرسلت لها صورة أول لوحة أنجزتها بالزيتي. بعد ذلك كانت لي فرصة جيدة بالعمل مع مجموعة من محبي "دمشق" وأصحاب الموهبة والفن المميز، ومن بينهم خطاط لبناني يكتب بالسيلكون مباشرة من دون مسودة عمل، وعراقي يعمل بالبولستر، وفلسطينيان تميزا بعمل اللوحات الدّمشقية، تعلمت منهم وطورت موهبتي، وتمكنت من عملي لتكون لي لوحاتي المنافسة، إلا أنني ابتعدت عن العمل لفترة طويلة، وكانت عودتي برسم لوحة دمشقية بقياس 130سم على حائط عيادة أحد الأطباء الذين كنت أقصدهم، ووجدت عنده ما عندي من العشق لمدينتي؛ فأعجب بلوحتي هذه».

مع بداية معرفتنا قرأت شغفه بـ"دمشق" وعشقه لها، ولمست اجتهاده بالتفاصيل التي تميزها، فاهتم بها ونقلها بكل دقة وحرفية، لتجدها لوحات محفورة على الخشب تزين حائط بيته، أو قطعاً مجسّمة مجمّعة بدقة تتألق بأزهى الألوان، وتحكي قصص الشّام وتنشر عطر ياسمينها وعبق النارنج فيها. كل خط بهذه اللوحات يقص شيئاً من قصص الحضارات التي تعاقبت على هذه الأرض، والتي عرفها بالبحث والدراسة ونقلها بأمانة إلى لوحاته وعلى طريقته، ولم تثنِه ظروف الحياة وأعباءها عن متابعة عمله، بل اجتهد وشارك في كل المحافل والمعارض مفاخراً بمدينته وسحرها في لوحاته

وعن لوحة "العيش المشترك"، يتابع: «مع عودتي إلى العمل كانت لوحاتي صغيرة ومتنوعة، وجاءتني فكرة عمل مجسمات مجمعة من بذر حبات الزيتون التي لم أكن راضياً عن النتيجة، وخاصة أنني لم أتمكن من معرفة الطريقة الصحيحة لتجهيز البذور كمادة أساسية في العمل، فلم يكن كافياً تسوية سطح البذرة، فأنا أحتاج إلى إزالة الزيت، وكررت العملية عدة مرات، وتابعت المحاولة حتى عرفت أن العملية تحتاج إلى نقع الحبات بالماء لمدة شهر مع التنظيف اليومي حتى تتخلص البذور من الزيوت فيها، ومن بعدها يمكن تسوية سطوحها لتكون جاهزة لتشكيل اللوحة. بدأت بلوحة "العيش المشترك"، وهي اللوحة التي احتوت خمس كتل كل منها تحكي حضارة مرّت على "دمشق"؛ الأيوبية، والفاطمية، والعثمانيّة، والمغربيّة، وفيها الجامع والكنيسة، وقد اجتهدت في معرفة الحارات الدمشقية بأدق تفاصيلها من الباب والقنطرة والبحرة، وغيرها، فكانت "العيش المشترك" مجسدة بتسعة وأربعين ألف حبة زيتون جمعتها وعالجتها ورتبتها، وأردت أن تدخل ضمن أرقام كتاب "غينيس"».

وعن طبيعة معرفته بـ"مازن شيباني" تحدث "محمد رائف" المهتم بأعماله، يقول: «مع بداية معرفتنا قرأت شغفه بـ"دمشق" وعشقه لها، ولمست اجتهاده بالتفاصيل التي تميزها، فاهتم بها ونقلها بكل دقة وحرفية، لتجدها لوحات محفورة على الخشب تزين حائط بيته، أو قطعاً مجسّمة مجمّعة بدقة تتألق بأزهى الألوان، وتحكي قصص الشّام وتنشر عطر ياسمينها وعبق النارنج فيها. كل خط بهذه اللوحات يقص شيئاً من قصص الحضارات التي تعاقبت على هذه الأرض، والتي عرفها بالبحث والدراسة ونقلها بأمانة إلى لوحاته وعلى طريقته، ولم تثنِه ظروف الحياة وأعباءها عن متابعة عمله، بل اجتهد وشارك في كل المحافل والمعارض مفاخراً بمدينته وسحرها في لوحاته».

يذكر، أن "مازن شيباني" من مواليد "الميدان" عام 1969، بدأ حياته العملية بالعمل في قوالب الطّباعة، ويتابع الآن بتصميم لوحاته من بذور حبات الزّيتون، ومصمّم على الاستمرار بمشروعه "أصدقاء دمشق"، الذي بدأه بلوحة "سور الصّين العظيم"، وأخرى تمثّل القصر الثقافي بـ"الكرملن" الروسي.