قاضي القضاة وإمام الثقات، دمشقي الهوى، أحبّ العلم ونهل من معين لا ينضب. طاف في البلدان، وجمع منها أخبار الزمان، فكان صاحب "وفيات الأعيان".

مدونة وطن "eSyria" التقت الباحث وخريج كلية المكتبات والمعلومات "سياب عبد الحميد عبد الحميد" ليحدثنا عن "ابن خلكان"، فقال: «قاضي القضاة "شمس الدين بن خلكان" هو "أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان"، ويكنى بـ"أبي العباس"، مؤرخ وقاضٍ وأديب، ويعدّ من أعلام مدينة "دمشق"، وهو صاحب كتاب "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان"، وهو من أشهر كتب التراجم العربية، وأحسنها ضبطاً وإحكاماً. ولد في "إربيل" بالقرب من "الموصل" على شاطئ نهر "دجلة" الشرقي عام 608 هجري، وانتقل إلى "مصر" فأقام فيها مدة، وتولى نيابة قضائها.

هو عالم مجدد في التراجم والتاريخ، امتاز بالأمانة والدقة وحسن الخلق، حتى قيل عنه إن أشد ما يكره النميمة، وقد قال عنه "الإمام الذهبي" أنه كان إماماً فاضلاً متقناً عارفاً بالمذهب، حسن الفتوى، طيب القريحة بصيراً بالعربية، عالماً بالأدب والشعر وأيام الناس، كثير الاطلاع حلو المذاكرة، وافر الحرمة من سراوات الناس، كريماً جواداً جمع كتاباً نفيساً في وفيات الأعيان

سافر إلى "دمشق"، فولاه الملك "الظاهر" قضاء "الشام"، وعزل بعد عشر سنوات، فعاد إلى "مصر" فأقام سبع سنوات، ورد إلى قضاء "الشام"، ثم عزل عنه بعد مدة. وهو أحد الأئمة والسادة العلماء والصدور الرؤساء، وأول من جدد في أيامه قضاء القضاة من سائر المذاهب، فاشتغلوا بالأحكام بعد أن كانوا نواباً له، وقد كان المنصب بينه وبين "ابن الصائغ" يعزل هذا تارة ويولى هذا. وقد درس في عدة مدارس في "مصر" و"الشام"، وكان شديد الولع بالتاريخ، فصار يقتني الكتب ويستعير بعضها، ويلتهم كل ما تقع عليه يده. يتتبع سير الرجال والعظماء من الشعراء والأدباء والملوك والقادة، وكان يسهر الليالي الطويلة في قراءة حياة كل منهم، والتأمل العميق فيها».

ابن خلكان في المحكمة.. صورة تعبيرية

ويتابع "عبد الحميد": «ذاع صيته ووفد إليه طلبة العلم من كل مكان. ولورعه وزهده وخلقه وعلمه ولاه "الظاهر بيبرس" مهمة قاضي القضاة في "الشام" عام 659هـ - 1258م، وعين ناظراً على الأوقاف والجامع "الأموي"، و"البيمارستان"، وأظهر كفاية وحسن إدارة، وتردد اسمه بين الرعية، وأقام مجلس علمه بالمدرسة العادلية، ودرس في مدارس الناصرية، والعذراوية، والفلكية، والركنية، والإقبالة، والبهنستي، كما تمكن من توثيق علاقاته بوجهاء وكبار المسؤولين وأعيان المجتمع».

أما كتبه ومؤلفاته، فيقول "العبد الحميد": «برع "ابن خلكان" في الأحكام والحديث والفقه وأصول الدين وعلومه، والنحو والأدب والشعر والسير والأخبار والتاريخ، وترك مصنفات كثيرة أشهرها "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان"؛ وهو ما ثبت بالنقل أو السماع أو أثبته العيان، ويتألف من ثمانية مجلدات ضخمة، وقد انتهى من تأليفه سنة 672هـ في "القاهرة"، وهو معجم تاريخي يشمل 846 ترجمة للمشاهير والشخصيات الأدبية والأعيان منذ فجر الإسلام حتى أواخر القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي، كما ضمنه مقدمة موجزة تناول فيها الدوافع التي دفعته إلى إنجاز هذا الكتاب، والمنهج الذي اتبعه في جمع المعلومات والمصادر التي اعتمدها. وذكرت المصادر أنه أكب على نحو خمسمئة كتاب، وراح يلخصها وينقل منها ملخصات مركزة مفيدة، ويجمع بعضها إلى بعض، ثم انطلق يرتبها ترتيباً سهلاً، حسب اسم من يكتب عنه ويؤرخ له، كما يرد في المعجم، وقد أفضى به الترتيب إلى تقديم المتأخر، وتأخير المتقدم، في الوفاة والولادة».

الباحث سياب عبد الحميد

أما "إسراء مطر" مدرّسة مادة التاريخ في ثانويات "الحسكة"، فتقول عن "ابن خلكان": «هو عالم مجدد في التراجم والتاريخ، امتاز بالأمانة والدقة وحسن الخلق، حتى قيل عنه إن أشد ما يكره النميمة، وقد قال عنه "الإمام الذهبي" أنه كان إماماً فاضلاً متقناً عارفاً بالمذهب، حسن الفتوى، طيب القريحة بصيراً بالعربية، عالماً بالأدب والشعر وأيام الناس، كثير الاطلاع حلو المذاكرة، وافر الحرمة من سراوات الناس، كريماً جواداً جمع كتاباً نفيساً في وفيات الأعيان».

توفى "ابن خلكان" في "دمشق" سنة 681هـ، ودفن في سفح جبل "قاسيون".

كتابه الشامل