مع أصوات مطرقة "أحمد راتب الضّعضي" على ألواح النّحاس الحمراء، تشكلت قطع فنية صغيرة زُينت بها الزوايا والجدران، وأخرى كبيرة جمّعها بعد أن صمّمها لتكون ثريات تتدلى من السقوف، فكانت تحفاً منيرة وآية في الجمال والإتقان.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 آذار 2019، قصدت ورشة الحرفي "الضعضي"، وأنصتت إلى صوت المطرقة، وحديثه عن حرفته، حيث قال: «في عطلة الدّراسة الصّيفيّة، كنت بصحبة خالي في زيارته لأحد معارفه ممن ينقشون على النّحاس، وجاء على ذكر حاجته لعامل لديه في الورشة، فرغبت بذلك لكي أرضي فضولي في الاستطلاع والمعرفة، فكان لي ذلك، وبدأت تعلم أصول هذه الحرفة القديمة، وأدقق في تفاصيلها من الصّبر والبحث والدّقة، من دون أن أهتم إلى ما أخذته من وقت، فالنقش على النّحاس موجود منذ القديم في "الهند"، وكذلك في "مصر" من أيام الفراعنة، فقد جرّوا مياه نهر "النيل" إليهم بأنابيب نحاسية، وحرثوا أراضيهم وسوّوها بأدوات نحاسية، وكذلك كانت أدوات الأطباء نحاسية. أما عن وجود هذه الحرفة في "بلاد الشام"، فقد كانت حاضرة بكثرة، وتزينت سقوف المعابد والجوامع بثريات فاتنة، وأنارت جدرانها فوانيس براقة، ولا يوجد بيت يخلو من القطع النّحاسية الجميلة المنقوشة بإتقان، وخاصة معدات الطبخ، حيث عُرف ما لدى النّحاس من خاصية التوزيع المنتظم للحرارة».

من خلال سعي المنظمة لنقل الحرف والمهن التّراثيّة إلى أطفالنا، جاءت مبادرة الحرفي البارع في مجال الضغط على النحاس "أحمد راتب الضّعضي" بما لديه من خبرة ومهارة ودقة، وتجربة ناجحة، حيث عمل معنا في الدورات المركزية بتأهيل المشرفين منشّطي التّربيّة الفنية بهدف نقل الخبرة إلى أطفالنا من أهلها بأسلوب دقيق، وجرى هذا العمل على مدار ثلاث سنوات، وقد لاحظنا النجاح الفارق مع مشاركة الحرفيين لهذه التّجربة، حيث ظهرت واضحة اللمسة الحرفية المتميزة، فمن خلال ستة أيام تدريب جاءت لوحات نحاسية جميلة ترقى إلى مستوى العرض في المعارض والمحافل الفنية

ويتابع "الضعضي": «عملت بهذه الحرفة منذ عام 1970، فأخذت أصولها عن أهلها من "اليهود" وغيرهم، وتابعت فيها وأحببتها حد العشق، فكان لي أن نقشت العديد من القطع والتحف، وكذلك الثريات والفوانيس، وفي عام 1992 أردت لهذا العمل أن ينتشر على نطاق أوسع وأكثر تميزاً، فضاعفت الجهد لتكون هذه البصمة، فالنقش عندنا يبدأ بتصميم النقشة على ورق الزبدة ولصقها على قطعة النحاس بعد إتمامها بالتناظر، ثم نقوم بصب القطعة النّحاسيّة بالرصاص ليكون النقش على الوجه الآخر؛ وهو ما يعطيها الروح التي تميزها عن باقي القطع المنقوشة بما لها من حواف مدموجة، ثم نحرق القطعة لجعلها طرية. وقد شهد لعملنا بهذا الأسلوب نقاشو "المغرب" و"الهند". ولنا في الضغط على النحاس حضور آخر، ويكون ذلك على طريقة تنفير القطعة بأدوات صينية تستعمل لمرة واحدة، إلا إنني قمت بصناعة أدوات الضغط يدوياً لتكون دائمة، وصنعت منها عدة مجموعات مع محفظتها الجلدية. وقد اجتهدت بنقل أصول هذه الحرفة من خلال فريق تعليم المهن اليدوية، حيث اشتغلنا مع منظمة الطلائع».

من لوحات المشرفين المتدربين

"هيثم أبو مغضب" عضو قيادة منظمة الطلائع، ورئيس مكتب الفنون الجميلة المركزي، تحدث عن مبادرة النقاش "أحمد راتب" بالقول: «من خلال سعي المنظمة لنقل الحرف والمهن التّراثيّة إلى أطفالنا، جاءت مبادرة الحرفي البارع في مجال الضغط على النحاس "أحمد راتب الضّعضي" بما لديه من خبرة ومهارة ودقة، وتجربة ناجحة، حيث عمل معنا في الدورات المركزية بتأهيل المشرفين منشّطي التّربيّة الفنية بهدف نقل الخبرة إلى أطفالنا من أهلها بأسلوب دقيق، وجرى هذا العمل على مدار ثلاث سنوات، وقد لاحظنا النجاح الفارق مع مشاركة الحرفيين لهذه التّجربة، حيث ظهرت واضحة اللمسة الحرفية المتميزة، فمن خلال ستة أيام تدريب جاءت لوحات نحاسية جميلة ترقى إلى مستوى العرض في المعارض والمحافل الفنية».

يذكر، أن "أحمد راتب الضّعضي" من مواليد حيّ "الشاغور" في "دمشق" عام 1958، شارك بمعارض محلية ودولية، وحاز شهادات تقدير عدة في "الهند" و"مصر"، ويستمر في عمله بحضور مميز، ففي رئاسة مجلس الوزراء تتدلى ثرياتها بوزن 1 طنّ و600 كيلو غرام، وأخرى بوزن 2 طنّ، وقطر مترين في قصر الشّيح "راشد" في "دبي"، وأخرى تجدها في "كينيا"، وغيرها الكثير.

تحف الفنان أحمد راتب الضعضي
هيثم أبو مغضب