تلخص تجربة الفنان التشكيلي "مازن بقاعي"؛ مسيرة متميزة لفنان أكاديمي دمج بين الدراسة والموهبة بأعمال مهمة ذات مهارة إبداعية، ليسكبها في عمل اللوحة وفضائها. كما حقق حضوراً لافتاً على الصعيد العالمي مقتنصاً تلك الذاكرة الحية التي حملها من "دمشق".

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الفنان التشكيلي "مازن بقاعي" بتاريخ 5 نيسان 2019، ليتحدث عن بدايات اهتمامه بالفن التشكيلي قائلاً: «كان الرسم بالنسبة لي التسلية الأكثر متعة في مرحلة الصغر؛ كنت أرسم في المرحلة المدرسية على الألواح لمواضيع الدروس النموذجية بطلب من المدرسين لثقتهم بموهبتي التي كانت أكبر من سني، استمريت في الرسم حتى المرحلة الثانوية التي قضيتها في مدرسة "المحسنية" في حيّ "باب شرقي" بـ"دمشق"، حيث كانت جولاتي الدائمة في أزقة "دمشق القديمة" المتعانقة، حيث رحت أتصورها بمخيلتي وأرسمها بكل تفاصيلها وأجوائها الرائعة. بعدها التحقت بكلية الفنون الجميلة أوائل الثمانينات، فكانت الحياة الجامعية شائقة بالنسبة لي، وغنية بالتجارب الفنية والإنسانية، وبعد إنهاء مرحلة الجامعة كانت الدراسات العليا آنذاك تجربة جديدة العهد في تلك المدة، ازداد تعلقي وشغفي بسحرها وتأثرت بأجوائها أكثر».

كان الرسم بالنسبة لي التسلية الأكثر متعة في مرحلة الصغر؛ كنت أرسم في المرحلة المدرسية على الألواح لمواضيع الدروس النموذجية بطلب من المدرسين لثقتهم بموهبتي التي كانت أكبر من سني، استمريت في الرسم حتى المرحلة الثانوية التي قضيتها في مدرسة "المحسنية" في حيّ "باب شرقي" بـ"دمشق"، حيث كانت جولاتي الدائمة في أزقة "دمشق القديمة" المتعانقة، حيث رحت أتصورها بمخيلتي وأرسمها بكل تفاصيلها وأجوائها الرائعة. بعدها التحقت بكلية الفنون الجميلة أوائل الثمانينات، فكانت الحياة الجامعية شائقة بالنسبة لي، وغنية بالتجارب الفنية والإنسانية، وبعد إنهاء مرحلة الجامعة كانت الدراسات العليا آنذاك تجربة جديدة العهد في تلك المدة، ازداد تعلقي وشغفي بسحرها وتأثرت بأجوائها أكثر

وعن الأعمال التي تطرق إليها الفنان "بقاعي"، قال: «قبل سفري إلى "إسبانيا"، كنت أذهب للعمل في أحياء "دمشق"، حيث تعمقت تفاصيل المدينة القديمة وسحرها الخاص في ذاتي، وبدت لي كأنها عالم من الظلال والأضواء الراقصة على نغم وإيقاع غجري أشبه ما يكون بإيقاع الفلامنكو الأندلسي، خاصة بعد سفري إلى "غرناطة" عام 1989، وإقامتي فيها حتى الآن، وبسبب اهتمامي بالفلامنكو تحديداً حاولت تعلمه بمفردي، واستمتعت كثيراً بإيجاد صلة بين الرسم والموسيقا الأندلسية، وكانت الفكرة الأساسية لهذا البحث إيصال الإيقاع الإسباني الحيّ والموسيقا في تلك الأثناء، وترجمتها بصيغة الألوان والظلال والأضواء، وهي حقيقة فرصة سانحة للاطلاع على الواقع الفني هناك، والتعرف إلى الموسيقا من منابعها الأكثر أصالة. كانت تجربة "غرناطة" غنية جداً؛ لأن الثقافة الإسبانية بكل ما تحويه من تنوع فني وتقاليد غذت منابع وروافد كثيرة وجديدة لرؤيتي للعمل الفني.

نبض الحياة المعاصرة في أعماله

أول معارضي في "غرناطة" عام 1990، حيث لاقى نجاحاً جيداً دفعني إلى إقامة معارض أخرى في مدن كثيرة من مدن "إسبانيا"، وبعض المدن الأوروبية، وصل عددها إلى 25 معرضاً فنياً، بعدها بمدة قصيرة انتقلت إلى "مدريد"، وبدأت تدريس الفنون التشكيلية في أحد المعاهد الخاصة، واستمريت على هذا النحو حتى اليوم وبمفردي».

الفنان التشكيلي "جلال شيخو" أعطى رأيه عن الموهبة الاستثنائية التي قدمها الفنان "مازن بقاعي" خلال مسيرة حياته، حيث قال: «هو فنان منذ نعومة أظافره، والفن عجن مع خلايا جسده، لأنه يعيشه بكل حالاته، وفي كل الأماكن يرسم باستمرار وشغف دائم، فالرسم هو الهواء الذي يتنفسه. له عدد كبير من الرسوم السريعة، وآلاف اللوحات ما بين الرسم بأقلام الرصاص والمائي أو الإكرليك والزيتي، ويمتلك تقنية الحوار في رسوماته باستخدام الألوان الترابية، إضافة إلى قدرته على السيطرة بكل التقنيات بسلاسة وتمكن وإبهار منسجم مع روحه وفكره، لا يرسم إلا ما يحب إن كان على صعيد البورتريه أو الطبيعة الصامتة أو العمران القديم أو الحديث. وهو عاشق لمدينته "دمشق"، فرسم كل زاوية في بيته في حيّ "المهاجرين"، وإطلالة منزله على الحي، كما رسم العديد من مدن العالم، ورسم والدته كثيراً في حياتها وبعد وفاتها، ويهدي الكثير من أعماله إلى من هم حوله. أسلوبه يعتمد الجرأة والقوة معاً، ريشته وألوانه صادقة، كل أعماله تنتمي إلى المدرسة الواقعية لأنه واقعي بشدة، أحاط العالم برسوماته، وأثنى على أعماله أفضل رسام ألوان مائية في "إسبانيا". وما يلفتني في الفنان "مازن" سرعته الكبيرة في الرسم؛ وكأن أصابعه مثل جناحي عصفور يرفرف بهما في فضاء اللوحة، يرسم بسرعة عجيبة بتقنية إبداعية لم أرَ مثيلاً لها قبل ذلك، معتمداً على الحسّ الأولي في كل لوحة يرسمها».

زاوية داخل منزل دمشقي عتيق

زميل الدراسة "باسم دحدوح" الدكتور في كلية الفنون الجميلة، تحدث عن الفنان "مازن" بالقول: «شخصيته الفنية اتضحت وتبلورت في "دمشق" قبل سفره على الرغم من اجتهاداته وعمله الكثيف في المدة الأخيرة من إقامته فيها، التي تزامنت مع تعرفه إلى الفنان السوري "رضا حسحس" ومرافقته له لمدة، واشتغاله على رسم الطبيعة والواقع. أنجز العديد من الأعمال المهمة، وللعلم هو عازف غيتار ومتذوق للموسيقا الإسبانية قبل سفره، يتميز بامتلاكه مهارة المحاكاة الواقعية والدقة العالية في التعامل مع التفاصيل، لكن هذا لم يوقعه في نمطية المحاكاة المجانية؛ بل استطاع تخديم مهاراته لصياغة لوحاته عموماً، فمجمل أعماله تنتمي إلى الواقع المعاصر، ولأعماله خصوصية لكونها تحمل الكثير من الأداء السريع في التعامل مع فرشاته وأدواته؛ وهو ما يدل على اقتناصه لأهمية اللحظة التي يسجل فيها نصه البصري، حتى يكاد يكون واحداً من قلة بمهاراته، هو ببساطة شديدة فنان حقيقي، مخلص ومجتهد، له مشروعه وشرعيته الخاصة».

يذكر، أن الفنان "مازن البقاعي" من مواليد "دمشق" عام 1961، يقيم حالياً في "إسبانيا".

الفنان جلال شيخو