عام 1890 بدأ "سليم طباع" صناعة النحاس، على الرغم من كل الصعوبات التي تواجه الصناعات الحرفية الوليدة، لكنه صمد، وعلّم ابنه "سليمان" وعدداً كبيراً من الحرفيين الدمشقيين، الذين حولوا المكان إلى سوق للنحاسين، يقارب الثلاثين محلاً.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 6 أيار 2019، التقت الحرفي "سليم سليمان طباع" ليحدثنا عن جده "سليم طباع" شيخ كار النحاسين في نهاية القرن التاسع عشر، حيث قال: «بدأ جدي هذه الحرفة، على الرغم من المعاناة في تأمين المواد الأولية الخام، ولا سيما أن العالم كان يشهد حروباً متتالية، وكانوا حينئذٍ يستعملون النحاس في تصنيع القذائف؛ وهو ما سبب مشكلة في تأمين المواد الأولية الخام. ولأن الحرفة بدائية؛ كانت مواد التصنيع بسيطة ومتعبة، وهي عبارة عن كور هوائي يدوي، وفحم حجري، وكانت مواد اللحام خليطاً من بودرة التناكر، ومسحوق البرونز والتوتياء والقصدير، وكانت أدوات جدي عدة مطارق لها أسماء متعددة، مثل: المطرقة المربعة، والخراطة، و(الدركول) برأسين، ورجل طويلة، ورجل قصيرة، ومخل، ورجل كعاب، والسندان، والمبرد، وأضيف إليها حديثاً الجلخ والغاز والأوكسجين».

كان مشهوراً بأخلاقه العالية، وحلمه، وتعامله الطيب مع الآخرين، وصدقه وإتقانه لعمله, لقد درّب معظم معلمي هذه الحرفة، وتابع ابنه "سليمان" من بعده، ليكمل الحفيد "سليم" شجرة العائلة العريقة في هذه الحرفة، لكنه توقف عن العمل مؤقتاً بسبب الأوضاع الراهنة، وحالياً يعمل حرفيون في ورشته لتبقى مفتوحة، ويحافظ على اسم جده في السوق

وعن طريقة التصنيع قديماً يتابع قائلاً: «كان جدي يحضر قطعة النحاس ويصنع لها أسناناً من الجانبين، ويشبك بعضها مع بعض ويبللها بالماء، ثم يذر عليها خليط البودرة، ويعرضها للحرارة حتى تنصهر وتتماسك، بعد عناء ومشقة من ثقل المادة، والحرارة التي يتعرض لها، وخاصة في فصل الصيف، كانت منتجاته عبارة عن قدور صغيرة وكبيرة، وصحون وصوانٍ، ولم يكن استهلاك المنتجات كبيراً، لذلك لم يخرج الإنتاج عن السوق المحلي، والمنتجات أفضل الموجود في بلادنا، وبعض الأصناف كان لها رواج كبير، حيث لا يمكن الاستغناء عن القدور الكبيرة (الحلة) التي كانت تستخدم في المطاعم للطبخ، والصواني لصناعة الحلويات، لما لها من خاصية في الطبخ».

الحفيد الحرفي سليم سليمان طباع

ويتابع الحرفي "سليم سليمان طباع" عن تعلمه الحرفة وتطويره لها قائلاً: «أنجب جدي "سليم" خمسة أبناء، لكن والدي "سليمان" الوحيد الذي تعلم المهنة. كنت أتردد إلى محل والدي وأنا طفل صغير بعمر الثماني سنوات، كان يعجبني تعامله مع النحاس، وكيفية تطويعه المعدن وتحويله إلى أشكال جميلة، فأحببت المصلحة، وتعلقت بها، وكنت أمضي أوقات العطلة والفراغ في مساعدته، حتى أتقنتها في السادسة عشرة من عمري. وبعد أن أنهيت دراستي تفرغت للحرفة، وأضفت إليها، وما ساعدني على تطويرها، إنشاء معامل النحاس في أوروبا، وسهولة استيراد المواد الأولية، وإنشاء معامل لسحب النحاس في كل من "حمص" و"حلب"، وهي عبارة عن إعادة صهر النحاس الخردة، كما تم استيراد (الشيلمو) للحام، وهو يعمل على الغاز والأوكسجين، حيث صنعت المغاسل النحاسية، وصنابير المياه، والأعمدة النحاسية المجدولة بدلاً من الرخام. وأخرجت الصناعة النحاسية من المستوى المحلي إلى دول "الخليج"، و"لبنان"، واقتنى منتجاتي الكثيرون من السياح الأجانب ومن كل بلدان العالم. وأعدّ كل ما وصلت إليه بفضل جدي وصبر والدي».

الحرفي "موفق أمون" الذي يعمل لدى ورشة "سليم طباع"، قال: «تعلمت الحرفة من أبي مذ كان عمري خمسة عشرة عاماً، الذي تعلمها من الجد "سليم طباع"، وبقي يعمل فيها خمسة وخمسين عاماً. تعلمت صناعة أدوات كثيرة مثل الطناجر وبعض التوصيات، وزينة مآذن الجوامع، وأحب عملي إلى درجة أنني أشعر بالمرض إذا لم أمارسه على الرغم من ضجيج الطرق على النحاس ومتاعب الحياة، وسأتابع بها حتى آخر يوم في عمري؛ لأنها بالنسبة لي وللكثيرين فن خالص».

الحرفي موفق أمون

الحرفي "مصطفى عاطف ياغي" يحدثنا عن الجد "سليم طباع" قائلاً: «كان مشهوراً بأخلاقه العالية، وحلمه، وتعامله الطيب مع الآخرين، وصدقه وإتقانه لعمله, لقد درّب معظم معلمي هذه الحرفة، وتابع ابنه "سليمان" من بعده، ليكمل الحفيد "سليم" شجرة العائلة العريقة في هذه الحرفة، لكنه توقف عن العمل مؤقتاً بسبب الأوضاع الراهنة، وحالياً يعمل حرفيون في ورشته لتبقى مفتوحة، ويحافظ على اسم جده في السوق».

يذكر، أن شيخ كار النحاسين "سليم طباع" من مواليد "دمشق" عام 1870، وتوفى منذ سبعين عاماً.

قطعة من صناعة الحفيد سليم طباع