من "سورية" إلى "روسيا"، حزم أمتعته وموهبته، وتوجّه نحو الفن التشكيلي، فأثبت مكانته الفنية والعلمية، واكتسب خبرة عميقة، حتى نال أعلى الدرجات العلمية؛ ليصبح محترفاً في الفن، وراح يفرغ دلو معرفته بالتدريس في أكثر من جامعة.

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنان "عبد الله أسعد" المدرّس في العديد من الجامعات السورية، ورئيس قسم التصميم الداخلي في كلية "الفنون التطبيقية" في جامعة "القلمون" الخاصة، ليتحدث عن بداياته مع الفن، فقال: «في طفولتي كانت لديّ مشكلة دائمة مع المدرّسين، لكون دفاتري كانت ملأى بالرسوم العفوية في الهوامش، وخصوصاً في المرحلة الابتدائية، فشاركت بالأنشطة المدرسية والطلائعية، وتطورت هذه الموهبة لتصبح ميزة جميلة في المرحلتين الإعدادية والثانوية، حيث بدأت اهتماماتي تتزايد من خلال زيارة المعارض الفنية التي كانت تقام في صالة المتحف "الوطني" في "حلب"، وتعرّفت إلى الفن والوسط التشكيلي أكثر من خلال التحاقي بدورة الرسم في مركز "فتحي محمد" للفنون الجميلة في "حلب". بعد انتهاء الثانوية كانت لديّ رغبة عارمة في الانتساب إلى كلية الفنون الجميلة في "دمشق"، أو كلية العمارة في "حلب"، لكن شاءت الظروف أن أسافر إلى "روسيا" عام 1985 لمتابعة التحصيل العلمي باختصاص الهندسة المدنية بإلحاح وتحفيز من الأهل، وبدأت دراسة اللغة الروسية في الكلية التحضيرية في "موسكو"، التي تتميز بالمسارح وصالات العرض والنشاطات المختلفة؛ حيث كنت من المهتمين بهذا الزخم الثقافي، وحصلت على العديد من الجوائز التشجيعية لمساهمتي في الأنشطة والاحتفالات التي كان يقيمها اتحاد الطلبة السوريين في الجامعة. ولسماعي عن أكاديمية الفنون هناك زرتها، وعند دخولي إلى البهو أصابتني حالة غريبة من الشعور بالسعادة، وتأكدت أن هذا مكاني الصحيح، فانتقلت إلى أكاديمية "موسكو" الحكومية للفنون التطبيقية "ستروغانوف"، وتركت دراسة الهندسة المدنية، الأمر الذي كان من المستحيل أن يحصل لولا قناعة المسؤولين الروس واحترامهم لرغبتي، وأنهيت دراستي الجامعية بتفوق كبير، وحصلت على الماجستير في التصميم الداخلي بدرجة امتياز شرف، وكانت سعادتي كبيرة عندما تم اختياري مع ثلاثة من الخرّيجين الروس المتفوقين لمتابعة الدراسات العليا في الأكاديمية كمنحة دراسية من الحكومة الروسية، وأنهيت بنجاح مرحلة الدكتوراه عام 1997».

كنت أعرف "أسعد" على مواقع التواصل الاجتماعي فقط، لكنني تعرّفت إليه من خلال معرضه الأخير، واكتشفت كمية تواضعه ورقيه، وعلى المستوى الفني أبدع في الرسم بتقنية الألوان المائية، وأراه من القلة الذين تمكنوا من هذه التقنية التي لا تقبل الخطأ، فهي بحاجة إلى عقل منفتح وروح شفافة، وهذه الصفات اجتمعت فيه

وعن معارضه الفنية والجوائز التي نالها، أضاف: «عند عودتي إلى "سورية"، انتسبت إلى فرع نقابة الفنون الجميلة في "حلب"، ومنذ ذلك الوقت وأنا أشارك في معظم الفعاليات الثقافية والمعارض الفنية على مستوى المحافظة أو القطر، ومنها معرض "الربيع" في "حلب"، الذي كنت من المساهمين في إعادة إحيائه عندما كنت ضمن لجنة المعارض في نقابة "الفنون" في "حلب"، إضافة إلى مشاركتي المستمرة في المعرض السنوي "الخريف"، الذي تقيمه مديرية الثقافة كل عام. كما شاركت في العديد من المعارض الخارجية في "إيران"، و"لبنان"، وكان أول معرض فردي أقمته في صالة "النقابة" في "حلب" عام 2003، ومعرض "حلب المساء" عام 2010 المنفذ كلياً بتقنية الألوان المائية؛ فلاقى أصداء كبيرة في الوسط الثقافي، وتلاه المعرض الأخير في صالة "عشتار" بعنوان: "مائيات سورية" عام 2019، برعاية من وزارة الثقافة وجامعة "القلمون" الخاصة بعد انقطاع دام سنوات عديدة بسبب الظروف، وهو أول حضور لي في العاصمة "دمشق"، ونفذت فيه العديد من المشاهد بالألوان المائية، مع بعض الأعمال الخشبية، وأقوم حالياً بالتحضير لمعرض آخر في الربيع القادم، وقد اخترت تقنية الألوان المائية لجمال نتيجتها على الرغم من حساسية التعامل معها، فمن أهم مواصفات الفنان المائي سرعة تنفيذه للمساحات اللونية، بشكل غير قابل للتعديل، ولقلة حضور اللوحة المائية في المشهد التشكيلي المعاصر في "سورية"؛ أحاول حالياً وزملائي القلائل إعادة هذا الفن الجميل إلى الحياة التشكيلية من خلال تأسيس عصبة أو جمعية للرسامين المائيين بالتعاون مع اتحاد الفنانين، كما شاركت خلال السنوات الماضية بالعديد من المسابقات والمهرجانات، ونلت عدة جوائز، منها: جائزة مهرجان "القطن" في "حلب" لتصميم (البروشور) الخاص بالمناسبة عام 1999، وجائزة "أفضل ملصق" في مهرجان "المحبة" ومهرجان "الباسل" عام 2002، إضافة إلى مساهمتي شبه السنوية في مسابقة "تصميم بطاقات يا نصيب معرض دمشق الدولي"، وتجاوز عدد التصاميم التي قدمتها واعتمدت من قبل لجنة مختصة العشرين تصميماً، كما قمت بتصميم العديد من البطاقات البريدية، ومن الأشياء التي أفتخر بها كان اعتماد وزارة الثقافة لتصميمي شعار الوزارة الذي قدمته عام 2004 بمسابقة على مستوى القطر، وقد ألغي قبل عامين لأسباب مجهولة، وفي عام 2016 كنت والدكتور الصديق "عهد الناصر رجوب" من الفائزين بمسابقة دولية رعتها "الأمم المتحدة"، ومنظمة "الأسكوا" تحت عنوان: "اسكتش لسورية"، كما قدمت العديد من النشرات التعريفية (البروشورات) الدعائية ضمن فعاليات احتفالية "حلب" عاصمة الثقافة الإسلامية عام 2005، والمساهمة في العديد من المعارض التجارية في "سورية" أو خارجها على مدى سنوات عديدة كمختص في الديكور مع أخي الموهوب "باسل أسعد"، إضافة إلى تنفيذي للعديد من المشاريع داخل القطر وخارجه».

لقطة من آخر معارضه في غاليري عشتار

الفنان التشكيلي "إسماعيل نصرة" قال عنه: «كنت أعرف "أسعد" على مواقع التواصل الاجتماعي فقط، لكنني تعرّفت إليه من خلال معرضه الأخير، واكتشفت كمية تواضعه ورقيه، وعلى المستوى الفني أبدع في الرسم بتقنية الألوان المائية، وأراه من القلة الذين تمكنوا من هذه التقنية التي لا تقبل الخطأ، فهي بحاجة إلى عقل منفتح وروح شفافة، وهذه الصفات اجتمعت فيه».

أما الدكتور "عبد الكريم فرج"، فقال: «أعرف الفنان "أسعد" في جامعة "القلمون"، حيث كان في بداية معرفتي به نائب عميد الكلية، وهو شديد الاحترام للأساتذة والطلاب، معطاء جداً بعملية التدريس، ويفعل ذلك بكل إيجابية، فتميز بشخصيته الاجتماعية والعلمية المستقيمة. وعلى الصعيد العملي، تدفعه إلى الصورة الإبداعية خصائص الفنان المرهف، وقد حرر نفسه من القوانين الأكاديمية المترفة، كما أن أشكاله المرسومة حافظت على وضوحها ودلالتها، وقد تشبعت بوميض لحظتها الانطباعية، وبهذه الخصائص المتفردة استطاع أن يوظف مهاراته الذكية في مزج كل هذه التداخلات في إحساس إبداعي شامل».

الدكتور عبد الكريم فرج

الجدير بالذكر، أن الفنان "عبد الله أسعد" من مواليد "حلب"، عام 1967، ويقيم في "ريف دمشق".

من أعماله