بموهبة أدبية، وقدرة على تناول القضايا الإنسانية استطاع القاصّ الشاب "أحمد رزق حسن" أن يسرد بأسلوبه الجذاب قصصاً، تأخذ القارىء إلى عوالم مدهشة، ليكون واحداً من المواهب الشابة الواعدة، ويحصد جائزة "الكلمة" لعام 2018 عن مجموعته القصصية "بارقة شجن".

مدونة وطن "eSyria" تواصلت معه بتاريخ 19 حزيران 2019، وعن موهبته الأدبية يقول: «أول قصة قصيرة كتبتها في حياتي حين كنت في الرابعة عشرة من العمر، وعندما قرأتها بصوت جهوري تأثرت وبكيت. بدأت أكتب الخواطر منذ طفولتي التي تشبه مواضيع التعبير، والتي كانت بروح القصة، والفضل يعود إلى تشجيع أساتذتي في مادة اللغة العربية الذين كنت أحظى من قبلهم بكثير من الحب والتقدير، كما كنت أكتب ما يشبه الشعر، وكان والدي -رحمه الله- المشجع الأول لإيمانه العميق بالثقافة والعلم كي لا يهزم الإنسان في معركة الحياة، وأمي دائماً كانت ملهمتي الأولى من خلال قراءتها للقصص الخرافية التي كانت ترويها لي بأسلوب جميل قبل أن أنام؛ الأمر الذي كوّن فيما بعد خيالاً خصباً وساعدني على صنع حبكة قصصية مدهشة، وكان للأديب الكبير والروائي والقاصّ "أحمد جميل الحسن" الفضل الكبير في صقل تجربتي، وهو مقرر جمعية القصة في "الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين"، كما تأثرت بالمدرسة القصصية المصرية كثيراً، وتعلّمت من عمالقتها كيف تكتب القصة على أصولها الصحيحة، ولا تزال قصص القاص "محمود بدوي" حاضرة في مخيلتي حضوراً خاصاً جداً، والسبب أنه استطاع من خلالها أن ينقل بصفحات قليلة ما عجزت عن نقلها بعض الروايات التي كتبت بمئات الصفحات، ومن خلال التعمق بقصصه أحببت القصة كفن أدبي قابل ليكون مرآة صادقة يشاهد من خلالها الواقع المملوء بالقضايا الشائكة».

عدم إقبال العامة من الناس على الأمسيات الثقافية، فلا نجد إلا الفئة النخبوية التي أغلبها تكون تنتج بحقل الأدب؛ وهذا يشير إلى انحدار خطر بمستوى الاهتمام بالأدب، فمن العجيب أن يستطيع المرء أن يقضي عدة ساعات على أي شيء لا يزيد بثقافته شيء ولا يفكر بالاستماع إلى قصة مفيدة أو التلذذ برشفة من نهر الشعر العذب، وأطمح لأكون صورة أدبية مشرقة عن المجتمع السوري الراقي، بلد الحضارات والحب والياسمين، البلد الذي أخرج للعالم "حنا مينة"، و"سعيد حورانية"، و"زكريا تامر"، و"نزار قباني"، و"سليمان العيسى"، وأطمح لأرى مجتمعي بأعلى مراتب الفكر والإبداع، لأن الثقافة هي المادة الأساسية التي يجب أن يهضمها المرء لينتفض لبناء وطنه كما ينتفض طائر الفينيق

وعن دوافعه للكتابة واختياره للقصة أسلوباً، يقول: «أسعى إلى إيصال معاناة الطبقة الفقيرة الذين لا يسمع صدى أنينهم أحد، وأتطرق إلى الحديث عن أي مشكلة تؤذي الإنسان بغية السعي لمعالجتها بطرائق صحيحة ناجعة، وأتناول مواضيع عدة، منها قضايا المرأة اليومية في الحب والعمل والزواج، والتأكيد على الهوية العربية للأراضي المغتصبة، إضافة إلى قضايا الكادحين والطبقة المسحوقة، وأحاول من خلالها التعبير عن هموم ومتاعب الإنسان في هذا العالم، بهدف صناعة مستقبل أجمل للأجيال القادمة، اخترت القصة لأنها تشغل جزءاً كبيراً من حياتي، وحيّزاً واسعاً من اهتمامي، فهي متنفس روحي وملعبي الفكري المفضل، علاوة على ذلك، بما أن السرعة في كل زمان تُنمّي سرعة الإدراك والتلقي والاستيعاب لدى العقل البشري، فيتخذ الفن تبعاً لذلك من القوالب ما يتفق مع روح العصر والحياة، فركن المدفأة الذي ترعرعت في كنفه القصص الطويلة لأمثال "بلزاك" و"فولبير" و"تلستواي" و"دكينز"، هذا الركن لم يعد يحتله فقط الكتاب، بل التلفاز والإنترنت وغيرهما من الوسائل التي تشغل فكر الإنسان في يومنا هذا، لذلك بدأت القصة تقتحم المشهد الثقافي بقوة، لخصائصها التي باتت تلبي متطلبات العصر متمثلة بقصر حجمها وفكرتها المشعة ولغتها المكثفة، حيث صدرت لي مجموعة قصصية بعنوان: "بارقة شجن" عام 2018 عن دار "دلمون الجديدة" للطباعة والنشر، وقصص للأطفال، منها: "الحذاء السحري"، "الطفلة الشجاعة"، "النملة التي كُسرت قدمها"، "دندونة وسنسونة"».

مجموعته "بارقة شجن"

وعن المكانة التي يحتلها الوطن، المرأة ، الحب، الشهيد في كتاباته، يتابع حديثه قائلاً: «الوطن هو القطعة الجغرافية الروحية التي تتغذى منه مشاعر الإنسان المقدسة وغاياته النبيلة، والتي تدفعه ليكون عضواً فاعلاً لدفع عجلة التقدم والازدهار فيه، المرأة ليست نصف المجتمع، بل هي ثلاثة أرباعه؛ فهي الأم، المربية، الحبيبة، والأمينة على مشروع الرجل الطموح، والقلب النابض بالحب الذي يعدّ المعنى الحقيقي لغاية وجودنا، احترامها وإعطاؤها حقوقها المشروعة أمر أكّده بكل فكرة تكون بطلتها، لأنه لا يمكن أن تتقدم المجتمعات وتحقق الريادة ما لم تكن المرأة حاضرة بفكرها وثقافتها وتميّزها، وعن الشهيد يذكر جزءاً من كتاباته قائلاً: (الشهيد هو الورقة الرابحة دوماً، فما دام هناك من يحملون فكرة التضحية، فالمجتمع حصين منيع من أي حرب شرسة هدفها ضرب وجود الإنسان وتمزيق أواصر المحبة والأخوة، حيث لا يصب ذلك إلا في خدمة العدو الأزلي للمجتمع والوطن الواحد)».

فيما يتعلق بالصعوبات التي تواجهه وطموحاته يقول: «عدم إقبال العامة من الناس على الأمسيات الثقافية، فلا نجد إلا الفئة النخبوية التي أغلبها تكون تنتج بحقل الأدب؛ وهذا يشير إلى انحدار خطر بمستوى الاهتمام بالأدب، فمن العجيب أن يستطيع المرء أن يقضي عدة ساعات على أي شيء لا يزيد بثقافته شيء ولا يفكر بالاستماع إلى قصة مفيدة أو التلذذ برشفة من نهر الشعر العذب، وأطمح لأكون صورة أدبية مشرقة عن المجتمع السوري الراقي، بلد الحضارات والحب والياسمين، البلد الذي أخرج للعالم "حنا مينة"، و"سعيد حورانية"، و"زكريا تامر"، و"نزار قباني"، و"سليمان العيسى"، وأطمح لأرى مجتمعي بأعلى مراتب الفكر والإبداع، لأن الثقافة هي المادة الأساسية التي يجب أن يهضمها المرء لينتفض لبناء وطنه كما ينتفض طائر الفينيق».

يقرأ قصصه للأطفال في المركز الثقافي

وعن مشاركاته والجوائز الحاصل عليها يقول: «شاركت في مهرجان "دمّر" للقصة الثاني والثالث، ومهرجان "حنا مينة" الذي أقيم في المركز الثقافي بـ"العدوي" بتاريخ 28/10/2018، ومهرجان "في الجرة بحر" للقصة القصيرة، والقصيرة جداً الذي أقيم في المركز الثقافي العربي بـ"أبو رمانة"، إضافة إلى ما يزيد على خمس وعشرين أمسية قصصية للكبار، وفعاليتين قصصيتين خصصتهما للأطفال، وحصلت على الجائزة الأولى بمسابقة "الكلمة" لعام 2018 التي أطلقتها دار "دلمون للقصة القصيرة"، وتكريم من وزارة الثقافية لمشاركتي بفعالية مهرجان "حنا مينة"، وشهادة تقدير من فريق "مئة كاتب وكاتب في دمشق"، ومصنف من قبل "الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين" في قائمته السنوية من أفضل ستة قاصّين شباب في "سورية" لعام 2018».

من جهتها الشاعرة والناقدة "هيلانة عطا الله" تقول: «الأديب "أحمد رزق حسن" من الأصوات الشبابية المبدعة، وإذا قيض له الاستمرار في حراكه المتميز كمّاً ونوعاً -وهذا مؤكد- فسيكون أحد الأركان المؤثرة في المشهد الثقافي الوطني والعربي أيضاً، عرفته عندما التقيته في لقاء "الثلاثاء الأسبوعي" الذي يقيمه فرع "سورية لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين"، وقيل إنه سيقف على المنبر للمرة الأولى، ألقى حينئذٍ قصة قصيرة شدت انتباهي كمتلقية وشاعرة وناقدة، فوجدتني أمام قاصّ متمكّن من أدواته الفنية ببراعته في السرد القصصي، وتوالت لقاءاتنا في الأنشطة المتنوعة، فسمعت منه الكثير من القصة القصيرة والقصة القصيرة جداً، وهذه الأخيرة أذهلتني شكلاً ومضموناً، كان الكاتب الشاب الوسيم الرزين يتناول فيها مواضيع نابعة من بيئتنا الزمانية تتناول مواضيع العصر الحالي، وهموم الشباب وتطلعاتهم، وقد يعتمد فيها استحضار الموروث بقدرة فائقة في التناص الذي يسهم في التأثير وإيصال الرسالة إلى المتلقي، وخاصةً أنه لا يكتب بمجانية الكتابة أو عبثية الفن، بل دوماً يبثّ في نصوصه رسائل يريد أن يفتح ذهن القارئ من خلالها على قضايا حياتية متنوعة، وأحياناً قضايا روحية أو فكرية، ويجيد التكثيف، لكنه لا يوغل في الغموض، بل يترك للمتلقي نافذة يرى من خلالها عوالم القصة ويستنبط مدلولاتها، وهو بمعجمه اللفظي الثر ولغته القويمة يصوغ سرديته بأسلوب جذاب ومكثف حدّ الإدهاش، خاصةً في خاتمة القصة، وربما سعة ثقافته واطلاعه على الأدب القديم والمعاصر ولكونه مهندساً، إضافة إلى موهبته الفذة، فقد ساعده هذا على هندسة البناء الفني من أساسه حتى أعلى طوابقه إلى درجة تمكنه من تحميل القصة القصيرة جداً أكثر من شخصية من دون أن ينزع عنها هويتها كقصة (ق.ج)، ولا عجب في ذلك، فهو نفسه يقول: "عندما يقول لنا الكاتب إنه سيغير العالم، فعلينا أن نصدقه مثلما نصدق الطفل حين يخبرنا أنه امتطى نملة أو اصطاد تنيناً أو تكلم مع سمكة"».

توقيع مجموعته خلال التكريم بالمركز الأول في مسابقة "الكلمة"

يذكر، أن "أحمد رزق حسن" من مواليد محافظة "درعا" عام 1991، حاصل على درجة الماجستير في الهندسة المدنية، مقيم في "دمشق".