تأبّط "كمال سحيم" قضيته الكبرى شعراً مذ كان طفلاً يتكئ على أشعة الشمس في مخيم النزوح، لكنه أفرد جناحيه نحو "دمشق" ملوّحاً لحاراتها وياسمينها، فأنتج حباً وارفاً من أنواع الأدب المختلفة، لكنه ظلّ وفياً للشعر بكل مكنوناته الثرّة، لكي يتابع صراعه مع الأعداء والحياة.

مدونة وطن "eSyria" التقت الشاعر "كمال سحيم" بتاريخ 8 حزيران 2019، ليحدثنا عن طفولته قائلاً: «في مخيم "خان الشيح" عشت طفولتي الأولى، كانت بيوته الطينية مسقوفة بالقصب وأعمدة الخشب، وما يحيط بغرفه المطلة على الشمس، كانت ساحة البيت مشتركة مع كائنات متعددة كالدجاج والأرانب والغنم، وعلى سدرة سقفه علب ينام فيها الحمام مطمئناً. كذلك نهره "الأعوج"؛ وما له من حكايات جريانه، وكيف كان سرّ حياتنا بمائه، وما يفيض به من سكينة عجنني بترابه ومائه وهوائه، فشكلني على هيئة لاجئ يسيل من جبينه التعب الإنساني. لقد كبرت بسرعة البرق منذ غادرنا المخيم نهايات عام 1962، واستقرت بنا الحياة في أحد أقبية شارع "بغداد" لمدة عام على أكثر تقدير، ثم توزعتنا "دمشق" بكل ما فيها من جمال وياسمين في أحياء كثيرة المحبة والحياة».

كتبتها في كل شيء، فهي التي زرعت القمح، ورتبت مواعيد الحياة، وهي الكلمة المتجددة دائماً والدائمة العطاء، هي الصبر والخير والقوة، ومانحة الأسماء، وهي كل ما يشبه أمي: "آه لو تدرون نغني للثوار.. بأرض النار حجر ملء الكف.. وأمي.. تحمل فوق الرأس جدار"

وعن بداية كتاباته يحدثنا قائلاً: «كانت البداية عام 1973على شكل ما يغنيه العاشق لحبيبته، فأتت محدودة المزاج، حيث قلت: "جولاننا.. أنت يا أرض الكفاح.. أنت يا جرح النضال..

المجموعة الأولى

قد أزحت الليل عن وجه الدروب.. قد كتبت النصر نوراً في القلوب..

والله نقسم إنك لا بد يوماً أن تعود"

المجموعة الثانية للشاعر كمال سحيم

وكتبت الشعر الخليلي منذ اللحظة الأولى مع الشعر، وقلت في "القدس":

"يا قدس يا حلمي الجميل.. قصيدتي دنيا تهل علي من دنياك

هل لي بفضل من مباهج موعد.. أن ألتقيك وأن أكون ثراك"

ولم أغب عن أي مدينة في "سورية"، فكلها نادتني، وسافرت إلى "طهران" للمشاركة في مؤتمر "القدس"، ثم إلى "أنطاليا" بدعوة من اتحاد كتاب "أور وآسيا"، وغبت عن كثير من الدعوات خارج الوطن؛ لأنني لا أطيق الطائرات وأمواج البحر. وأنا عضو في الاتحاد العام للأدباء والكتاب الفلسطينيين، وجميع اتحادات الكتاب العرب على مستوى الوطن العربي، لكنها عاجزة عن أن تكون رافعة حقيقية واجتماعية للمبدع العربي».

ويضيف قائلاً: «لا يمكن أن أكون مخلصاً لـ"فلسطين" ما لم أكن مخلصاً لقوميتي العربية، فأنا آرامي العهد، فينيقي الجد، كنعاني الأب، وما "فلسطين" سوى بيدر واسع وشجر كثيف، مدن وأسوار تنتمي في كل مراحل عمرها إلى أصالة أرض "الشام"، و"فلسطين" جزء لا يتجزأ من "لواء اسكندرون"، وقمة من جبال "طوروس"، صدرها البحر وماؤها السلسبيل».

وعن المرأة في شعره قال: «كتبتها في كل شيء، فهي التي زرعت القمح، ورتبت مواعيد الحياة، وهي الكلمة المتجددة دائماً والدائمة العطاء، هي الصبر والخير والقوة، ومانحة الأسماء، وهي كل ما يشبه أمي:

"آه لو تدرون نغني للثوار.. بأرض النار

حجر ملء الكف.. وأمي.. تحمل فوق الرأس جدار"».

ويتابع القول: «كقبائل العرب القديمة عند الصباح؛ أهد خيمتي، وأنوي السفر والترحال، ويمر النهار مملوءاً بالحكايات، يداهمني المساء فأعيد أوتاد خيمتي إلى مكانها، وأقول: بعد الرحيل يعيدني الشعر بما يمتلك من عظمة، إن كنت أستحق أن أكون شاعراً.

وأما عن إنتاجي، فهما مجموعتان؛ واحدة بعنوان: "لو أنها"، والثانية بعنوان: "مزامير طاغور"».

الشاعر "حسين الحموي" تحدث عن تجربة الشاعر "كمال سحيم" قائلاً: «من يقرأ هذا الشاعر المتميز، يحتاج إلى ثقافة معمقة عامة، ومعرفة خاصة بالشعر، لأنه يمتلك قاموساً لغوياً يضاهي أكبر القواميس التي نعرفها، أو المراجع التي نعود إليها عندما نريد تفسير أو تأويل مفردة من المفردات، لذلك فالقصيدة بين يديه مطواعة. هو شاعر مطبوع، وليس مصنوعاً، حتى عندما يتحدث نرى الومضات الشعرية تظهر في لغته وحديثه، وما يميزه عن غيره الصور المركبة، وهي ليست تقليدية أو عادية، حيث تتشكل سياقاً داخل النص وخارج دلالة المفردة بذاتها، إنه يقدم صورة شعرية جديدة تتآلف فيها المفردة دلالة ومعنى في السياق، وليست في الوصف، ويصوغ عباراته ويختارها فتأتي على السليقة، لكنها دقيقة وبإمعان من حيث شكل القصيدة، أما من حيث المضمون، فهو شاعر عروبي أصيل، صحيح أنه فلسطيني الانتماء الجغرافي، لكنه يحمل فكراً قومياً واعياً، ويقف إلى جانب الفقراء والمستضعفين في الأرض، ويعيش بوهيمية الشاعر الحقيقي».

يذكر، أن الشاعر "كمال سحيم" من مواليد "دمشق" عام 1957، تخرّج في معهد إعداد المعلمين عام 1976.