استطاعت بروح الشباب التي تتمتع بها أن تستمر بالعطاء لنفسها وللأطفال، فكتبت مجموعات ضخمة من قصص الأطفال، وأرسلت لهم رسائل حبٍّ وسلام، لكن الطموح لم يتوقف هنا فدخلت كلية الإعلام لتصبح خريجة بعمر الـ 70 عاماً.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 1 تشرين الأول 2019 الكاتبة "كنينة دياب" لتحدثنا عن مسيرتها المهنية فقالت: «حصلت على شهادة الثانوية العامة الأولى، ودخلت فرع الفلسفة، لكنها لم تكن رغبتي، فتقدمت لامتحان الثانوية العامة مرة أخرى لأقوم بدراسة الأدب الإنكليزي، وتخرجت عام 1972، ثمّ بدأت العمل مباشرة بمجال الدليل السياحي في عام 1975 فجبت المحافظات والمناطق السياحية، وما زلت إلى الآن أقوم بعملي مع الرفاق والأهل، كما درّست اللغة الإنكليزية عام 1974، ولأنّني أحبُّ مادتي أبدعت بالتدريس حيث تمّ تعييني بعد عام كمعاونة مدير مدرسة بسبب تعلق الطالبات بي، حيث تقدموا باستثناء مفاجئ ما ساهم فيما بعد بتعيني كمديرة للمدرسة.

"كنينة" كانت مجتهدة ومتابعة وملتزمة بحضور كلّ المحاضرات والنقاشات رغم عمرها، واتسمت بمحبة زملائها، حيث كوّنت معهم صداقات جميلة وكأنها لا تكبرهم سناً باستيعابها لهم، ومحبتهم الكبيرة لها، تشعرنا أن عمرها لا يتجاوز العشرين، فكانت رسالتها للأجيال بأنّ العلم لا حدود له، ولا سن له، وفقط بالعلم نرتقي، وفي جانب آخر كانت على تواصل مباشر معي حول مشاكل وقضايا الطلبة ودائماً تناقش بمنتهى الاحترام والموضوعية

تزوجت وأنجبت طفلين، ما شجعني على كتابة قصص للأطفال، وبدأت تدوينه، وفي هذه الأثناء كنت مقيمة في "الإمارات العربية المتحدة" عام 1983، هذا الإلهام الذي أتاني من خلال ما يمر به أطفالي دفعني إلى نشر قصصي في جريدة "الخليج"، ثمّ تمّ التواصل بين مدير تلفزيون "دبي" ومدير الجريدة، وتقدموا إلي بطلب محتواه أن أكتب لهم ما يقارب الـ90 قصةً للأطفال لتتمّ قراءتها ضمن برنامج مخصص للأطفال اسمه "قصة المساء"، ما أثار دهشة مدير الإذاعة "أحمد سعيد" الذي طلب مني أيضاً أن أكتب له برنامج منوعات للأطفال، وبالفعل قدمت له في بداية الأمر ثلاث حلقات، فأعجب بهم، وعرض عليّ أن أقدم البرنامج بنفسي، وكانت تجربتي الأولى، وأخذ البرنامج صدىً كبيراً واستمر مواسم عديدة».

المجموعة القصصية الأحدث لكنينة دياب

تابعت "دياب": «على الرغم من تعلقي بالكتابة، إلا أنّني تابعت في مجال الترجمة، فترجمت ثلاث روايات، وثلاث مجموعات قصصية من الإنكليزية إلى العربية، وبعد عودتي إلى "سورية" تواصلت معي دار نشر في "دبي"، وطلبوا مني كتابة قصص جديدة لتتمّ طباعتها في كتيبات صغيرة، فأرسلت لهم ما يقارب الأربعين قصة، ولكن عودتي إلى "سورية" جعلتني أبحث عن الاستمرارية في بلدي، ما دفعني إلى التعرف على دور نشر جديدة، ومنها دار "الربيع"، التي نشرت من خلالها عدة مجموعات قصصية؛ 4 منها تقرأ للأطفال الذين تصل أعمارهم إلى الـ12 عاماً، ومجموعة أخرى تحوي 90 قصة للطفولة المبكرة، وتابعت النشر عن طريق "اتحاد الكتاب العرب" الذي أصبحت عضواً فيه، وآخر ما قمت بنشره مجموعة تضم 10 قصص برسومات جميلة وفائدة لغوية قمت بتوقيعها خلال معرض الكتاب بدورته الـ31، وفي الآونة الأخيرة تطوعت بتقديم جلسة للأطفال في السبت الأول من كل شهر في ثقافي "أبو رمانة"، حيث أقرأ لهم القصص، ونمارس النشاطات الرياضية، ونتبادل الأحاديث، فأستمع لأفكارهم الجميلة، وأقدم لهم العبر والفائدة لبناء حياتهم المستقبلية، فأنا أؤمن أنّ القيم التي تزرع بالأطفال تساهم في تكوين شخصيتهم، والجميل بالأمر أنّ هؤلاء الأطفال يخبرونني عن أمنياتهم وأحلامهم المستقبلية، ويؤمنون أنّي سأشجعهم حتى بلوغ الهدف مهما كان غريباً، فأحدهم يرغب بأن يصبح "شيف"، والآخر "رائد فضاء" ما يشجعني على الاستمرار باللقاء بهم وكتابة المزيد من القصص التي تدعم طموحاتهم»

وأضافت "كنينة": «بعد الأشياء التي قدمتها، شعرت أنني بحاجة أن أقدم شيئاً مهماً لنفسي، فشجعت ابنتي على إكمال تعليمها، ووقع اختيارها على كلية الإعلام بنظام التعليم المفتوح بحكم عملها، وهنا اقترحت عليها أن أتقدم للدراسة معها، ففوجئت بالفكرة وأحبتها، وبالفعل تقدمنا للكلية معاً وتمّ قبولنا، وكان هدفي الأساسي التعرف على حياة طلاب الجامعة في العصر الحديث، لأنني أرغب بكتابة مذكرات طالب جامعي في وقتنا الحالي، ما سيساعدني على اكتشاف معاناة جيل الشباب في وقتنا الراهن، أتممت دراسة أربع سنوات، وتخرجت بمعدل جيد جداً في عام 2018، وأعدّ من أكبر الخريجات في الوطن العربي، الأمر الذي جعلني سعيدة بنفسي حيث اختبرت ذاكرتي بعمر السبعين، وأما عن خبراتي الأخرى فقد قمت بعدة دورات منها السيناريو، والتصوير الضوئي، وفي النهاية غايتي من عملي هي نشر المحبة والسلام بين الأطفال الذين يقدمون لي سعادة كبيرة».

جلسات الأطفال في ثقافي أبو رمانة

الدكتور "محمد العمر" عميد كلية الإعلام قال: « "كنينة" كانت مجتهدة ومتابعة وملتزمة بحضور كلّ المحاضرات والنقاشات رغم عمرها، واتسمت بمحبة زملائها، حيث كوّنت معهم صداقات جميلة وكأنها لا تكبرهم سناً باستيعابها لهم، ومحبتهم الكبيرة لها، تشعرنا أن عمرها لا يتجاوز العشرين، فكانت رسالتها للأجيال بأنّ العلم لا حدود له، ولا سن له، وفقط بالعلم نرتقي، وفي جانب آخر كانت على تواصل مباشر معي حول مشاكل وقضايا الطلبة ودائماً تناقش بمنتهى الاحترام والموضوعية»

"حسام الدين خضور" مدير الترجمة في هيئة الكتاب بوزارة الثقافة ومدير تحرير مجلة جسور الثقافية قال عنها: «هي كاتبة متعددة المواهب، فهي تترجم وتكتب القصة للأطفال، وهي المترجمة السورية الوحيدة التي تمارس فنّها على أرض الواقع من خلال أنشطتها في المراكز الثقافية الموجهة للأطفال، فتستمع لهم، وتقدم كل ما هو مفيد لمستقبلهم، واستطاعت ترك علامة فارقة لن تتكرر في عالم قصص الأطفال الذين يفرحهم وجودها معهم واقتنائهم لمجموعاتها القصصية الجميلة التي تعنى بهم، وتستحق كل التقدير والاحترام على نشرها للمحبة بين أطفال هذا الجيل».

خلال الاحتفال باليوبيل الذهبي لتأسيس اتحاد الكتاب العرب

يذكر أنّ "كنينة دياب" من مواليد "اللاذقية" عام 1948، ومقيمة في "دمشق".