العشقُ للمسرح رافقها منذ نعومة أظفارها فتمكنت منه واحتلته بكل الحبّ والجهد، واستطاعت حفر اسمها المنفرد فلقبت بـ"الطفلة المعجزة"، وهبت الفن حياتها فنقلها الفن للتلفزيون والإذاعة تباعاً، وتابعت في الإخراج حتى بلغ شغفها منتهاه.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بالفنانة "ثراء دبسي" بتاريخ 2 تشرين الأول 2019 لتحدثنا عن مسيرتها الفنية فجاء في حديثها: «مارست النشاط الفني في المدرسة منذ صغري والذي كان السبب في انتسابي للمدرسة قبل السن القانوني، وذلك من خلال ذهابي برفقة أختي "سناء" وحضوري كمستمعة، وتابعت العمل المسرحي إلى حين وصولي إلى الشهادة الإعدادية حيث درسني مادة التشريح الكاتب التلفزيوني القدير "زهير أمير براق"، ومادة الرسم الأستاذ "صبحي المصري" رائد مهنة (المكياج) في "سورية" فقدمت برفقتهما حفلات على خشبة مسرح "الشعب" في "حلب"، كما أنني مثلت مسرحية "غداً تشرق الشمس" على خشبة مسرح "المكتبة الوطنية" والتي كانت من تأليف الدكتور "زهير براق" وإخراج "سليم قطايا" وكانت بطولتي وأخذت لقب "الطفلة المعجزة" على إثرها، وذهبنا إلى "القاهرة" فقدمنا الكثير من العروض الشاملة من تمثيل وغناء ورقص شعبي ورقص سماح وموشحات، ونالت الحفلات صدىً كبيراً، وفي بداية تشكل المسرح القومي رسمياً، جاءت اللجنة المكونة من الأساتذة "نهاد قلعي، عبد اللطيف فتحي، ورفيق الصبان" إلى "حلب" وطلبوا من أبي السماح لي ولأختي بالانتساب كأعضاء للمسرح القومي، ولكنه رفض بسبب صغر سني الذي كان أربعة عشر عاماً، وبسبب إصراري وافق بشرط إكمال تعليمي إلى جانب التمثيل، وهنا صدر قرار تعييني استثناءً حيث يمنع التوظيف قبل سن الثامنة عشر، وبدأت مسيرتي الفنية من التلفزيون إلى المسرح والإذاعة فكنت من أوائل من عمل في التلفزيون السوري».

دائماً كنت أقول لطلاب التمثيل إنّ المعهد العالي يحمل اسم المسرح، فثابروا لتكونوا ممثلين مسرحيين عظماء وفكروا بالمسرح قبل النجومية والأضواء، فأنا بدايتي كانت بمحبتي لخشبة المسرح وأعطيتها قلبي وكل ما أملك من شغف ومن ثم انطلقت، لأن المسرح يعلم الإنسان الجرأة والثقة بالنفس وقوة الشخصية ولكن للأسف بعض الطلاب يدخلون على أساس النجومية والشهرة والأضواء فقط، وبسبب ظروف المسرح القاسية لا أستطيع أن أطلب منهم التفرغ للمسرح وإنما العدل بينه وبين التلفزيون فالمسرح هو الوجه الحضاري للمجتمع

أضافت "دبسي": «وفي مسرحية "البرجوازي النبيل" اعتذرت ممثلة عن دورها فتمّ اختياري بديلة عنها وسافرت برفقة كادر العمل من أجل العرض وأثبتت وجودي من خلالها، وتتالت الأعمال بعدها ومنها "البخيل، أبطال بلدنا" حيث كان دوري البطولي الأول في مرحلة الشباب والتي تحدثت عن الحروب الصليبية على "مصر"، "دونكيشوت، الأشجار تموت واقفة، رجل برجل" التي قدمناها في "المغرب العربي" وتم ترشيحي للقب أفضل ممثلة من بعدها، "السيل، دخان الأقبية، اضبطوا الساعات"، ولكن لا يسعني ذكر جميع الأعمال المسرحية التي قدمتها فهي تتجاوز السبعين عملاً، جميعها عُرضت في المحافظات السورية والوطن العربي ومنها ما كان يتم عرضه لموسم كامل في فترات تتراوح بين 3 و6 أشهر.

ثراء دبسي برفقة الممثلين الإذاعيين

أما عن التلفزيون فقد بدأ عملي من خلال أول تمثيلية برفقة الفنان "بسام لطفي" والتي حملت اسم "الغريب" وفي ذاك الوقت كان البث مباشرة على الهواء ولا يوجد تسجيل، ثم قدمت "رابعة العدوية" بدور "عبدة" وكان العمل عبارة عن دوبلاج على الهواء المباشر، وتتالت الأعمال منها مسرحية "ثمن الحرية"، بعدها بدأنا بتسجيل المسلسلات والأفلام ولكن بدقة مونتاج ضعيفة لا تشبه وقتنا الحالي فأي غلطة في المشهد الطويل تكلفنا عناء الإعادة منذ البداية، ومن بعض أعمالي في التلفزيون "خان الحرير، ثريا، حي المزار، أيامنا الحلوة، البيوت أسرار، الرجل سين" وأيضاً لا أستطيع ذكرها جميعها فهي كثيرة».

وتابعت "ثراء": «لا أستطيع تهميش دور الإذاعة التي عشقتها كثيراً وعملت بها إلى جانب التلفزيون والمسرح، ولا أنكر أني أعطي براحة أكبر خلف ميكروفونات الإذاعة وأجد الأرضية المناسبة لأدائي وهنا صببت كل محبتي وعشقي للمسرح في الإذاعة، وقدمت برنامج "المسرح إذا روى" حيث جمعت كل ما كتب للمسرح وقدمته على الهواء مباشرة والذي من خلاله يشعر المستمع وكأنه يشاهد المسرحية بأدق تفاصيلها، وبعيداً عن التمثيل قدمت تدريباً لمهارات الإلقاء في المعهد العالي، وكنت من ضمن لجنة التحكيم لقبول طلاب المعهد، وأيضاً عضو لجنة تحكيم في منظمة "شبيبة الثورة" واتحاد "طلبة سورية" لعدة سنوات، كما قدمت دورة للمخرجين الإذاعيين والتي استمرت ثلاثة أشهر، وخرجت من خلالها ستة مخرجين أصبحت لهم مكانتهم وأفخر بهم جميعاً، أما عن الجوائز التي حصلت عليها فكانت من النقابة والمسرح القومي ومن الإذاعة والتلفزيون، وكرمت في مهرجان "دمشق" المسرحي الخامس عشر، ونلت جائزة أفضل ممثلة في مهرجان "القاهرة" للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، كما حصلت على ذهبيتين كأفضل ممثلة وثلاث ذهبيات كأفضل مخرجة، وتكريم أيضاً من المعهد العالي للفنون المسرحية، وآخر تكريم لي كان من مؤسسة "سوريون"، وصدقاً تخونني ذاكرتي ولا يمكنني ذكر جميع الأعمال والجوائز».

خلال تكريمها في مهرجان الفنون المسرحية الخامس عشر

وأخيراً قالت الفنانة "ثراء": «دائماً كنت أقول لطلاب التمثيل إنّ المعهد العالي يحمل اسم المسرح، فثابروا لتكونوا ممثلين مسرحيين عظماء وفكروا بالمسرح قبل النجومية والأضواء، فأنا بدايتي كانت بمحبتي لخشبة المسرح وأعطيتها قلبي وكل ما أملك من شغف ومن ثم انطلقت، لأن المسرح يعلم الإنسان الجرأة والثقة بالنفس وقوة الشخصية ولكن للأسف بعض الطلاب يدخلون على أساس النجومية والشهرة والأضواء فقط، وبسبب ظروف المسرح القاسية لا أستطيع أن أطلب منهم التفرغ للمسرح وإنما العدل بينه وبين التلفزيون فالمسرح هو الوجه الحضاري للمجتمع».

"إياد اسمندر" مخرج إذاعي في إذاعة "دمشق" قال: «الفنانة "ثراء" ليست مجرد اسم فني وإنما يمكنني وصفها بخزان مملوء بالعطاء والثقافة، من خلال عملي معها في برنامج "المسرح إذا روى" اكتشفت أنها استطاعت نقل خبرات كبيرة للآخرين، خاصة من خلال المسرحيات التي مثلتها على خشبة المسرح وأعادت إحياءها على هواء الإذاعة، خبرتها في المسرح ساعدت في توزيع الأصوات والشخصيات واختيار الممثلين المناسبين للإذاعة، فلم تكن مجرد ممثلة وإنما مخرجة مميزة أيضاً، في كل يوم إضافي تمنحنا دروساً جديدة يشرفني تلقيها، فهي كما نطلق عليها في الإذاعة لقب (الملكة)، بهذا البرنامج وفي مواسمه المختلفة تم توثيق المسرح السوري للكتاب السوريين المعروفين مثل "سعد الله ونوس" و"ممدوح عدوان" وأيضاً نقل بعض المسرحيات العربية والعالمية».

ثراء دبسي وأحمد السح

"أحمد السح" كاتب مسرحي وإذاعي قال: «تجربتي مع الفنانة "ثراء دبسي" كانت في برنامجها الإذاعي "المسرح إذا روى" والذي كتبت عنه مادة صحفية في بدايته، حيث حمل في ثناياه الدمج بين المسرح والإذاعة وهي فكرة خطيرة نوعاً ما وجديدة وغير مقتبسة، كان شعوراً عظيماً وفرصة كبيرة لا تعوض أن أشارك في كتابة عمل تخرجه "ثراء دبسي"، وأتذكر جيداً الحلقة الأولى عندما قالت: دائرة التمثيليات إذاعة دمشق، إذ أصابتني رعشة لا توصف لأنني أستمع بشكل مباشر لهذا الصوت العظيم الذي كنت أسمعه في طفولتي ويعرفنا على الإذاعة، وهي بالفعل أستاذة بكل معنى الكلمة ومحبوبة من الجميع بكل الأطياف والأعمار، لديها تاريخ حافل من العطاء وكل من يعرفها يعي تماماً أنها كنز للجميع وللفن السوري».

يذكر أنّ "ثراء دبسي" من مواليد "حلب" عام 1951، مقيم وتعمل في "دمشق".