قصصه ومسرحياته المستلهمة من الروايات العالمية باقية في الذاكرة، له قرابة الـ35 مؤلفاً في القصة، النقد، والمسرح، شغل منصب وزير الثقافة بين عامي 2010 و2012، هو الراحل الدكتور رياض عصمت" المثقف الإنسان.

مدوّنةُ وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 20 أيار 2020 مع الإعلامي "سامر الشغري" رئيس القسم الثقافي في وكالة "سانا" للأنباء الذي يقول: «معرفتي بالراحل الدكتور "رياض عصمت" نشأت بسبب حضوري المستمر لعروض المسرح القومي في مسرحي "القباني"، و"دمشق" منتصف التسعينيات، كانت فترة ذهبية شكلها جيل ذهبي كـ"سعد الله ونوس"، "ممدوح عدوان"، "فوازالساجر"، ومن تتلمذ على أيديهم فضلاً عن مخرجين متمكنين من أدواتهم كـ"جهاد سعد"، "عجاج سليم" و"نضال سيجري"، لفت انتباهه وقتها أنني أحضر العرض مرات متتالية، ولأنه يعرف جميع طلابه في معهد الفنون المسرحية والذين لم أكن منهم بادرني للسؤال في ردهة مسرح "القباني" (ماذا تدرس يا شاب؟)، فاجأني السؤال!، فقلت بصوت خفيض: (أنا طالب في قسم الصحافة)، فرد علي بهدوء: (ارفع صوتك أنتم أصحاب أعلى سلطة في المجتمع ويجب أن يظل صوتك مرفوعاً).

أود أن أقول في النهاية إن الراحل كان أحد أهم المثقفين السوريين خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ولا يوازيه معرفة إلا "أدونيس"، فهو كان موسوعة متنقلة في المسرح الأوروبي وكان ناقداً لا يجارى في أبي الفنون لجهة معرفته بالنص أولاً وعمليات الإعداد التي تخضع لها المسرحية، وتجربة المخرج في تحويله لعمل درامي، وبوسعي القول إن رحيله خسارة لا تعوض، وهذا بحد ذاته يزيد من حزني الشخصي عليه

ويتابع: «كان ذلك الدرس الأول وبعدها صار يسألني لماذا آتي من مدينة بعيدة لأتابع عروض المسرح الليلية وسط برد الشتاء، وصار يوجهني إلى ماذا أقرأ وكيف ارتقي بمشاهدتي من متفرج إلى عين الناقد، زرته مرتين أو ثلاث في المعهد وكان الحديث معه صعب بسبب تزاحم الطلاب حوله، وكان يعتذر مني بلباقة وما يؤلمني الآن أنّ هؤلاء الطلبة الذين غدا بعضهم ممثلين مشهورين لم يقولوا فيه كلمة واحدة بعد الرحيل، خلال عملي في القسم الثقافي بجريدة "تشرين" عامي 2001 و2003 كان هو من يزورنا فكان صديقاً لأكثر من صحفي في القسم وبعضهم من كبار الكتاب، وهناك كان يسعد في الحديث أكثر ويبحر في عوالم "بريخت"، "شكسبير" و"أنوي" كاتبه المفضل».

من مؤلفاته

وعن د. "عصمت" المثقف يتابع بقوله: «عندما ذهبت لأداء خدمة العلم انقطعت صلتي به، ولكني ظللت أقرأ ما يكتب في الصحف والمجلات، حتى الفترة التي شغل فيها منصب وزير الثقافة عامي 2010 و2012 حيث تزامن ذلك مع تعييني كمراسل لوكالة "سانا" في "ريف دمشق" حيث رافقته في جولاته على المراكز الثقافية، وكانت الحرب بدأت تشتعل في بلادي، وكان آخر وزير للثقافة يزور قصر الثقافة في مدينة "دوما" الذي كان ثالث بناء مركز ثقافي في "سورية" من حيث الضخامة».

ويختتم حديثه عنه بقوله: «أود أن أقول في النهاية إن الراحل كان أحد أهم المثقفين السوريين خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ولا يوازيه معرفة إلا "أدونيس"، فهو كان موسوعة متنقلة في المسرح الأوروبي وكان ناقداً لا يجارى في أبي الفنون لجهة معرفته بالنص أولاً وعمليات الإعداد التي تخضع لها المسرحية، وتجربة المخرج في تحويله لعمل درامي، وبوسعي القول إن رحيله خسارة لا تعوض، وهذا بحد ذاته يزيد من حزني الشخصي عليه».

صورة قديمة له مع "سعد القاسم" وزوجته وفنانون

من جهته الإعلامي "سعد القاسم" صديق الراحل، يروي لنا قصة تعارفهما بقوله: «يبعد منزل عائلة د. "رياض عصمت" أقل من خمسين متراً عن منزل عائلتي، وكثيراً ما كنت أراه في الطريق الواصل بينهما، ومع ذلك فإن المرة الأولى التي قرأت نصاً له مطلع السبعينيات، في مقالة مشتركة مع "ممدوح عدوان" ضمن مجلة "جيش الشعب"، كانت غير اعتيادية في هذه المجلة العسكرية الرصينة، سجلت تلك المقالة المازحة بداية تعرفي على هذين الاسمين الكبيرين في الحياة الثقافية السورية، تأخرت معرفتي بالدكتور "عصمت" بشكل شخصي حتى أواخر الثمانينيات، في تلك المرحلة شهدت الساحة التشكيلية السورية حيوية لافتة، يومذاك كتب في زاويته بصحيفة "البعث" متحسراً على زمن مضى كان فيه الفنانون التشكيليون يبيعون لوحاتهم بأرخص الأسعار، أو يقدمونها مجاناً إلى أصدقائهم مقابل المتعة الثقافية وحدها، كنت في ذلك الوقت مسكوناً بحماسة الشباب وردود الفعل المتطرفة، فاستفزني ما كتبه وكان أن نشرت في صحيفة "الثورة" رداً على ما كتبه مقالة طويلة مليئة بالانتقادات القاسية متسائلاَ بإشارة اتهامية واضحة إليه».

ويتابع: «بعد وقت قصير التقينا مصادفة في عرض مسرحي، وقام صديق مشترك بمهمة التعارف، شعرت بالإحراج حين كان اسمي يذكر، غير أن د. "عصمت" عقب على ذلك بكلمات ودودة تترجم اللطف، والتهذيب الذي عرف به، فاعتقدت لوهلة أنه لم يقرأ ما كتبت، لكني فوجئت حين علق بأسلوب حضاري راقٍ على ما كتبته، بعيداً عن أي شكل من أشكال التشنج أو التعصب، متقبلاً انتقاداتي، متبنياً معظمها، ومبرراً خطأه بأنه نظر إلى الموضوع من زاوية وحيدة، هي الزاوية العاطفية فحسب، كنت خجلاً من لطفه، تهذيبه وموضوعيته، وسرعان ما تحول هذا الخجل إلى إعجاب عميق، وجمعتنا صداقة عميقة عززها عملنا معاً في المجال ذاته».

صورته في أحد المعارض

ويتحدث عن عملهما معاً بقوله: «تميز الراحل بالروح الديمقراطية الحقيقية التي تسكن كيانه، والتي جعلته قادراً على تقبل المختلفين معه وحتى من أساء إليه، وهو الأمر الذي بدا واضحاً حين تسلّم عمادة المعهد العالي للفنون المسرحية، فقد فتح أبوابه أمام كفاءات كانت مبعدة عنه، ولم يقابل إساءات تعرض لها بمثلها، ووفر الحماية لطلاب حُرّضوا ضده، وفي الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون عملنا معاً لبعض الوقت، كنت مديراً للقناة "الفضائية السورية"، وكان المهندس "معن حيدر" مديراً للتلفزيون، و د. "رياض عصمت" مديراً عاماً للهيئة، وكانت هذه الفترة رغم قصرها تملك الذكرى الأجمل في عملي التلفزيوني ففيها بلغ الانسجام بين إدارة الهيئة حداً عالياً، وكان للدكتور "عصمت" دور أساسي في هذا بسبب طبيعته الأخلاقية من جهة، وعقليته الإدارية المنظمة من جهة ثانية».

يذكر أنّ الراحل مؤلف ومخرج مسرحي وناقد من مواليد "دمشق" عام 1947، حاصل على إجازة في الأدب الإنكليزي جامعة "دمشق" عام 1968، وعلى دبلوم في الإخراج المسرحي، من "بريطانيا" عام 1983، وعلى دكتوراه في الفنون المسرحية من "الولايات المتحدة" عام 1989، عمل مديراً عاماً في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وعميداً في المعهد العالي للفنون المسرحية، ومخرجاً زميلاً مع المسرح القومي، لديه العديد من المؤلفات منها مسرحيات، قصص، سيناريوهات، وأخرى في النقد المسرحي، من مسلسلاته "المجهول"، "تاج من شوك"، قصة "واحة لا تحب العصافير"، مسرحيات "عبلة وعنتر"، "جمهورية الموز" وغيرها الكثير. توفي في "الولايات المتحدة" بتاريخ 13 أيار 2020 إثر إصابته بفيروس "كورونا".