تعلّم الخياطة في مدينته الأم "درعا" ولبى رغبة والده بالسفر واكتساب خبرات أكثر وأعمق. "الجزائر" و"فرنسا" كانتا المدينتين اللتين حضنتا إبرته في البداية، ومن ثم أصبحت "السويد" ورشته الإبداعية فاخترق عالم تصميم الأزياء ووصل إلى هدفه الأسمى وبقيت "درعا" حبيبته الأولى التي يشتاق إليها كل يوم.

إنه مصمم الأزياء السوري الأستاذ "غسان شوقي" مواليد 1944 أحد السوريين الذين اغتربوا وأبدعوا في اغترابهم، خلال تواجده هنا في سورية في منزل شقيقه التقينا به وتحدثنا عن ذلك الحلم "السفر" الذي زرعه فيه والده. عن ذلك وفي بداية حديثه يقول: «السفر كان كلمة جميلة أحلم به خلال فترة تواجدي هنا في سورية. فكان شريط الأحلام يمر في خيالي مثل حلم من أحلام المراهقة. سافرت في عام 1963 وحققت هذا الحلم بذهابي إلى "الجزائر" هذه الدولة الشقيقة التي فيها الكثير من الأمور الجديدة المختلفة عن تلك التي تعلمتها سابقاً».

السفر كان كلمة جميلة أحلم به خلال فترة تواجدي هنا في سورية. فكان شريط الأحلام يمر في خيالي مثل حلم من أحلام المراهقة. سافرت في عام 1963 وحققت هذا الحلم بذهابي إلى "الجزائر" هذه الدولة الشقيقة التي فيها الكثير من الأمور الجديدة المختلفة عن تلك التي تعلمتها سابقاً

يضيف "شوقي": «لم أبق هناك غير /3/ سنوات عملت فيها في الكثير من الأمور التي أكسبتني الخبرة في الحياة ومعنى كلمة السفر لأول وهلة، من ثم انتقلت إلى "فرنسا" تلك الدولة الضبابية التي كان يحلم بها والدي بأن يسفرني إليها. هناك بدأت أعمل وأدرس واكتشف أن تلك الكلمات التي كان يقولها لي والدي تحتاج إلى الطموح، فالطموح هو الأمل الوحيد الذي سيطورني ويرتقي بي إلى مستويات أفضل وأعلى. بالفعل نفذت كل الرغبات التي كانت تراودني من زيارة الأماكن والتعرف على اللغات والجنسيات الأخرى، فكانت المرحلة الثالثة أو المحطة الثالثة "السويد" بكثير من الطموح».

برفقة أخيه سعد

يتحدث إلينا "غسان" وعيناه تشيران إلى الرغبة الشديدة في العودة لبلدته الأم التي زرعت فيه حب الحب من أجل الحياة. عن إقامته ومكوثه في "السويد" تلك الدولة التي تراود فكر كل شاب بالسفر إليها يقول: «"السويد" مرحلة هامة في حياتي، مرحلة نقشت عليها الكثير من العذاب النفسي المرتبط بسورية وببعدي عنها. تعلمت في الاغتراب كيف أشتاق للتراب ولتلك البيوت البسيطة والطبيعة التي لا نعتني بها ونهملها رغم أنها تعني لنا الكثير. نلت شهادات عديدة في مجال التصميم فكنت من بين المميزين في هذا الكار، كما اختلطت مع مهن أخرى عديدة ولكن مهنة تصميم الأزياء كانت الشاطئ الوحيد الذي رسيت عليه. إنها كانت مرحلة في غاية الأهمية وهذه الدولة أفادتني من الناحية العملية والعلمية والاجتماعية كثيراً».

أما عن عائلته في "السويد" فيقول "شوقي": «لدي ثلاثة أولادي، "هنا" لديها بنك خاص و"إيفا" مازالت تدرس في الجامعة و"يوكي" يدرس الإخراج السينمائي". أراهم في كل فترة وأتواصل معهم بطرق عديدة، فلدي حياتي الخاصة التي أحاول أن أفعل بساعاتها المتبقية أشياء تبقى بعد وفاتي وهم بنفس الوقت لديهم أعمالهم التي تشغلهم عن الكثير من الأمور الاجتماعية. ففي أوروبا الجو العائلي أو الاجتماعي لا يشبه الدول العربية، نحن هنا تعودنا أن نجتمع في كل يوم ونتحدث ونسهر بشكل اجتماعي متآلف، أما هناك فالحياة هي العمل والعلم والرحلات الاستكشافية، فلكل منا حياتنا الخاصة بنا».

مع مدونة وطن

يكمل "شوقي": «كل الأمور هناك تتم عبر بطاقة صغيرة تبيع وتشتري بها، أمور كثيرة نفتقدها في حياتنا هنا متوافرة في الدول الأوروبية، ولكن تبقى الحياة في "درعا" أجمل والفرق أننا لا نعتني بهذه الأمور المتواجدة عندنا إننا نمتلك مخزوناً ثقافياً وحضارياً كبيراً لكن نفتقد إلى نقاط النظام في حياتنا والاعتناء بالطبيعة والبيئة التي هي جزء من حياتنا وحياة المحيطين بنا».

"غسان شوقي" اغترب عن بلده لمدة لعشرات السنين، درس وتعلم وعَلَّمَ وها هو الآن يحلم بالعودة. عن زيارته إلى سورية يقول: «تقاعدت منذ فترة قريبة وأول رحلة بعد هذا التقاعد هي رحلتي إلى سورية. اشتقت إلى أخي "سعد" وإخوتي في "درعا". فخلال زيارتي أقضي أيامي عند "سعد" حيث نرسم مع بعض ونأكل ونربي الكلاب البوليسية الموجودة هنا ونمرّنها على القيام بحركات رياضية، بالإضافة إلأى أنني أقوم بعدة زيارات للمناطق الطبيعية المجاورة فأصطاد الأسماك وأمتع ناظري بتلك الروح الموجودة في طبيعتنا الجميلة».

من ألوانه

أما عن الرسم هايته المفضلة يقول: «الرسم يعني لي الكثير، أرافق ريشتي ولوحتي في ساحات المتاحف وأرسم كل شيء يشد نظري. الرسم هو شيء مرتبط بتفريغ الأشياء الداخلية الجميلة والسيئة في داخلنا. لدي مرسم صغير في قاعة المنزل الذي أسكن فيه في "السويد" أرسم فيها ويأتي إليها الجوار والمارة فنرسم ونبدع ونتبادل الأحاديث والكلمات الفنية».

انتهى لقاؤنا مع مصمم الأزياء السوري "غسان شوقي". نهاية الحديث معه كانت عن هدفه وحلمه الأخير بعد كل هذه الخبرات والأحلام التي تحققت: «درست وعملت وساعدت أخي في "ألمانيا"، هذا أفادني كثيراً في حياتي وتعلمت من هذه الأمور النظام والهدف الذي يجب أن أصل إليه، هدفي في "باريس" كان أن أعود إلى هنا ولكن الغربة والأولاد سرقوني من كل هذه الأحلام. أما حلمي الأخير الآن هذا الحلم الذي بات يسكن فكري وخيالي هو أن أعود إلى سورية وطني وأن أفتح مدرسة تدريبية تتضمن تصميم الأزياء بطرق أوروبية محترفة، إنني درست كل الأمور التي كنت أحتاجها هنا سابقاً وطوّرت هذه القدرات بأشياء أخرى أكاديمية ممتزجة بخبرات أجنبية عديدة وحلمي أن أعود وأعلمها للسوريين الراغبين بالعمل في هذه المهنة».