حين كان بعض الرجال يذهب إلى المشافي أو الدوائر الحكومية للتأكد من أن هنالك نساء ورجال يعملون معاً، كانت هي تواصل عملها دون اكتراث بوسط اجتماعي لم يستوعب بعد فكرة خروجها من المنزل.

إنها أول قابلة قانونية من ريف "دير الزور" السيدة الفاضلة "صافية الحشاش"، التي التقاها eSyria لتحدثنا عن تجربة عملها في تلك الأيام في الحوار التالي:

"صافية الحشاش" إنسانة مشهود لها بالالتزام والنجاح المهني، وهي من أولى النساء العاملات في المحافظة

  • في أي عام كان دخولك إلى الوظيفة ولمصلحة أي جهة كنت تعملين؟
  • السيدة جيهان مشعان

    ** كان تعييني لمصلحة الشؤون الاجتماعية والعمل وذلك في دمشق 1960، انتقلت بعد ذلك إلى "دير الزور" بصفة قابلة قانونية تابعة لملاك الصحة وذلك في عام 1961.

  • كيف كان تقبل المجتمع لهذا الأمر؟ وهل كانت معاناتك مع الرجال أم مع بنات جنسك؟
  • السيدة صافية مع زوجها في سويسرا

    ** مع الجميع، ولكن الرجال بحكم كونهم أكثر نضجا ووعيا في تلك الأيام كان هناك نوع من التفهم، لكن العداء الحقيقي كان من قبل النساء، ولم يكن الرفض من قبل المحيط الاجتماعي فقط إنما كان في المحيط الأسري وذلك من خلال معارضة الأعمام والأخوال وكل من يمت بصلة إلينا، لكن والدي كان ولله الحمد شخصاً منفتحاً وكان يتمنى أن أدرس الطب البشري لكن الله تعالى أراد لي طريقاً آخر.

  • سيدة "صافية" من يعرفك يدرك أن الدافع المادي لم يكن السبب في عملك خارج المنزل، فما الذي دفعك للعمل إذاً؟
  • الزوجان عام 1961

    ** الواجب الإنساني، كنت أشعر أن لدي رسالة إنسانية أستطيع تأديتها وما من شيء كان يمكن أن يحول بيني وبين هذه المهمة، وكان لدي استعداد دائم لبذل الغالي والنفيس في سبيل تحقيقها. كنت أخاطر بنفسي كثيراً إذ إن معظم الولادات يستدعونني إليها ليلاً ولم يكن لدي استعداد للتفكير ولو للحظة بما يمكن أن أتعرض له من صعاب خاصة أن كثيراً من المناطق التي كنت أذهب إليها كانت بعيدة والمواصلات قليلة جداً وفي بعض الأحيان كنت أضطر لصعود قارب من القوارب حين تكون هذه هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى "الحوايج" (جزر في الفرات) وقد يكون ذلك في منتصف الليل، ولكني لا أفكر بالخوف طالما كنت أشعر أن هنالك من يحتاجني.

  • لابد من صعوبات خاصة أو مفارقات خاصة مرت بك خلال تجربتك الطويلة مع العمل، هل تذكرين بعضا منها؟
  • ** الصعوبات التي واجهتني في العمل كثيرة لعلّ أهمها المواصلات، مرةً وفي الثانية بعد منتصف الليل انتهى عملي بوصول مولود جديد إلى الحياة، وأردت العودة إلى منزلي ورفضت المبيت في إحدى القرى المجاورة وهي قرية "المريعية"، لكني لم أجد مواصلات فقطعت الطريق كله لعدة ساعات على الأقدام برفقة رجلين حتى وصلت منزلي.

    أما عن الطرائف التي لا تنسى فأذكر منها وجودي في منزل أحد وجهاء المدينة حين أنجبت امرأته آنذاك بنتا وكان لديه أربع بنات قبلها فوقف على الباب ومنعني من الخروج صارخا بي أن آخذ الطفلة معي قبل المغادرة.

  • بعد أن مهدت الطريق أنت وزميلاتك أمام المرأة بشكل عام والمرأة الريفية بشكل خاص، بماذا تنصحين النساء اليوم؟
  • ** أنصحهن بالعلم وبالدراسة وبالإخلاص في العمل لأنه أساس كل فعل ناجح.

    آراء في السيدة "صافية الحشاش"

    السيدة "جيهان مشعان" ابنة السيدة "صافية الحشاش"، محامية، وأديبة، قالت في أمها: «أذكر جيدا ونحن صغار كيف كانت أمي تعود أحيانا في منتصف الليل لتأخذ حاجيات وملابس لامرأة فقيرة كانت قد ساعدتها على الولادة، وأذكر جيدا كيف كانت تبيت أحيانا خارج المنزل ونحاول أن ندير الأمور وكأنها مازالت موجودة وكل هذا بفضل ما علمتنا إياه من حب العطاء وتحمل المسؤولية».

    السيدة "اتحاد محمد تقي"، إحدى معارف "السيدة صافية"، وصفتها بالقول: «هي أم للجميع، معها أشعر بتجاوز الحدود والفوارق العمرية، ورغم أن الفاصل العمري بيني وبينها كبير، إلا أنني أعتبرها صديقة، فهي إنسانة مثقفة وصاحبة شخصية قوية».

    السيدة "عائشة آغي"، قابلة قانونية تابعت: «"صافية الحشاش" إنسانة مشهود لها بالالتزام والنجاح المهني، وهي من أولى النساء العاملات في المحافظة».