إن أردت أن تكتب عن موضوع ٍ ما واحتجت إلى التقاط الصور فإنك لن تجد إحراجا أكبر من التقاط صورة لشخص أفنى حياته كلها بين الصور، هذا تماماً ما حدث معي في استديو "يرونت"، هذا المكان الذي أخذت طفلتي إليه لألتقط لها صورة وذلك بعد أكثر من نصف قرن من وقوف جدتها- أي والدتي- في نفس المكان ليلتقط لها الشخص نفسه "يرونت" صورة أيضاً.

eSyria زار هذا المحل الذي يعود تأسيسه إلى عام 1949 في محاولة لاستكشاف الأسباب الكامنة وراء هذا النجاح الذي قاد للاستمرار كل هذه العقود فالتقينا المصور "يرونت صوغومون" الذي أعطانا لمحة عنه وعن بداياته قائلاً: «أنا من مواليد 1928 ابن لأسرة أرمينية مقيمة في "دير الزور"، استطعت أن أتعلم صنعة التصوير عند مصور أرمني كان يقيم فيها اسمه "رئيسيان" وبقيت أتعلم عنده أربع سنوات، وكان لديه ماكينة تصوير بثلاثة أرجل، تتألف من عدسة لها غطاء وبمجرد فتح الغطاء وإغلاقه يتم التصوير بشرط عدم الحركة، ثم تتم عمليات تحميض ومعالجة الصورة يدوياً، إلى أن استأجرت محلاً للتصوير من أحد رجال "الدير" المعروفين وهو "توفيق الفنَوش"، واشتريت آلة تصوير مشابهة للتي في محل "رئيسيان" وبدأت عملي بشكل مستقل وذلك في سنة 1949، وكان هذا الاستديو مع استديو المرحوم "جلال" هما الوحيدين في "دير الزور" لفترة طويلة.

لي صورة أخذها لي "يرونت" سنة 1961، كان هذا المصور محبوباً، وتعامله حسن مع الناس

وكنت أصور ليس فقط أبناء المدينة، بل أبناء الريف الذين يأتون للمدينة أحياناً بغرض التصوير، كانت الحياة بسيطة والناس بسطاء وكان البعض يقف أمام العدسة بجدية شاداً جسمه ومثبتاً عينيه بطريقة تثير الضحك أحياناً، فالصورة كانت رمزاً للتفاخر بحكم ندرتها وبحكم اللمسات الفنية التي كنا نجمل بها الصورة أيضا من خلال ما يسمى "بالترتيش" وهو تقنية تتم باستخدام قلم الرصاص في بعض الإضافات على "نيغاتف" الصورة ما يساهم في إخفاء بعض العيوب "حبوب، ندبات، تجاعيد"».

وعن أرشيف المحل من الصور أضاف قائلاً: «تعرض المحل لحريق بسبب ماس كهربائي سنة 1972، فأتلف أرشيف الصور من عام 1949 وحتى عام 1972 واحترق كل شيء ما عدا آلة التصوير والغرفة المعتمة "التي يتم ضمنها تحميض الصور"، وقد تقبلت الأمر- رغم فداحة ما حدث- لأنه من الله، فكونت أرشيفاً جديداً منذ عام 1972».

وللحديث عن تميز السيد "يرونت" في التصوير حدثنا ابنه "أفريج" وهو مصور وعازف أورغ أيضاً فقال: «في عام 1985 كنا نضع عبارة في واجهة المحل من شدة مهارة وثقة والدي في التصوير هي: "في أول لقطة تحصل على أحسن صورة في حياتك"، ولا أعتقد أن هناك مصوراً بالأجهزة الحديثة يستطيع أن يكتب هذا الكلام».

السيد ياسين الفرج

وتابع حديثه عن جدية واهتمام والده بالعمل فقال: «كان والدي في المحل جاداً، ويحرص على جودة العمل، وكان يحرص على أن يكون أبناؤه مثله في المهنة، والحمد لله أنا وأخي سيمون استطعنا إتقان هذه المهنة وبكل أبعادها الفنية».

ومن أبناء "دير الزور" الذين عايشوا تجربة هذا المصور التقينا بالأستاذ "زياد فتيّح"، مدرس عمره 65 عاماً والذي حدثنا عن حسن تعامله مع الزبائن فقال: «لي صورة أخذها لي "يرونت" سنة 1961، كان هذا المصور محبوباً، وتعامله حسن مع الناس».

أثناء الحديث معه

وبالنسبة للدور الذي لعبه هذا المحل في فترة من الفترات التقينا السيد "ياسين الفرج" صاحب مكتبة مجاورة لاستديو "يرونت" فقال لنا: «كان لهذا المصور البارع دور كبير في بعث السعادة في قلوب الكثيرين من خلال لقطات عدسته المميزة حين لم يكن في المدينة سوى محلين للتصوير».