قبل أن يبلغ سن السابعة كان يتجه فجراً إلى معمل الفخار الذي يبعد عن منزله مسافة 1 كم وكان- على حد تعبيره- يسير شبه نائم في الطريق الذي يحفظه غيباً فيمده الخيال بكثير من الصور والأماني فلم يتجاوز سن السادسة عشرة حتى أصبح يدير المعمل الوحيد في مدينة "البصيرة" وبعد تراجع استعمال الفخار والخزف أصرَ على الاستمرار في صناعته لأنه اعتبره مكوناً أساسياً في ثقافة المنطقة واليوم وهو على مشارف الستين يتسلم منصب مدير الثقافة في "دير الزور".

إنه السيد "عبد القادر السلامة" الذي التقاه eSyria في مكتبه حيث يتواجد أكثر النهار وجزءاً من الليل، وهو من مواليد 1951، حاصل على إجازة في اللغة العربية من جامعة "حلب" 1981، كان عضواً في مجلس نقابة المعلمين من 1986–1991 وعضو مجلس محافظة من 2003-2006 وعضو قيادة فرع حزب البعث العربي الاشتراكي من 2002–2005، معاون مدير الثقافة ثم مديراً لها في عام 2006.

يتميز السيد "عبد القادر سلامة" بكثير من المرونة والقدرة على تجاوز السلبيات، بالاضافة إلى التفاني في العمل والرغبة بإنجاز كل ما من شأنه تطوير الحركة الثقافية في المحافظة

عن مهنته الأولى في صناعة الفخار حدثنا قائلاً: «إن الحديث عن الفخار له شجون وهو يذكرني بالماضي الجميل والمؤلم في ذات الوقت بسبب قسوته على طفل في سنّي يوم بدأت أعمل بهذه المهنة، وجميل لأنني عشقت الفخار منذ تعاملت معه أول مرة وشعرت به دائماً قريباً من روحي، لقد تعلمت منه الكثير الكثير ولعل أهم ما تعلمته كان المرونة في التعامل، هذه المرونة التي يتميز بها الطين، فتمكِن من إعطائه شكله النهائي الجميل ويكتسب صلابته في الوقت المناسب، كما أن الفخار والتعامل الدائم معه يرقق القلب فهو مصنوع بالنهاية من الطين أي إنه من العجينة التي خُلقنا عليها نحن بني البشر».

الأستاذ أحمد العلي

وعن أكثر الأشياء التي ارتبطت بطفولته أضاف قائلاً: «بالطبع آثار "قرقيسيا" هي أكثر ما أحببته في طفولتي "قرقيسيا" تلك البلدة التي يبلغ عمرها أكثر من 4000 سنة قبل الميلاد وكان لها شأن عظيم في التاريخ تحولت مع الوقت إلى أطلال أحببتها كثيراً وأكثر ما أحببت منها سورها المصنوع من الآجر والذي يحتوي برج مراقبة كل 50 متراً، وكان يؤلمني في الستينيات قلة العناية التي لحقت بآثارها».

وعن رؤيته الخاصة للمشهد الثقافي وسعيه إلى تغييره نحو الأفضل حدثنا قائلاً: «كان طموحي أن يكون للثقافة في "الدير" وأن يصبح للمراكز الثقافية قاعدة شعبية تليق بها وتليق بأهالي "دير الزور" انطلاقاً من أن المحافظة خزان ثقافي وأدبي، وكنت قد ركزت خلال السنوات الماضية على أمرين أولهما المواهب الشابة والعناية بها وتقديمها بأفضل صورة ممكنة إضافة إلى التركيز على المهرجانات كمهرجان "العشاري" ومهرجان "قرقيسيا" ومهرجان "صبيخان" و"هجين" و"المرأة الفراتية" و"الأغنية التراثية" و"الأغنية الفراتية الحديثة" كما حاولت التركيز على التواصل مع الفعاليات الاجتماعية والوطنية وفعاليات المجتمع الأهلي لدعم هذه الأنشطة ومشاركتنا في أي نجاح نحققه».

عن علاقاته الأسرية حدثتنا ابنته الآنسة "شادن": «أن يطلب مني الحديث عن والدي هذا أمر لم يكن يوماً في حسباني ولا أعتقد أنني سأجد ما يعبر عن علاقتنا به وما بها من ثقة ومحبة، لقد منحنا والدي الكثير من الحرية مع الكثير من التوجيه، وتشكلت بيننا وبينه علاقة صداقة جميلة خالية من طابع السيطرة الأبوية التي تعاني منها فتيات كثيرات، وهو يميل كثيراً إلى لغة الحوار، أذكر مثلاً آخر نقاش دار بيني وبينه وكان يتعلق برفضه لذهابي بشكل يومي إلى دار الحنان للمسنين كنوع من الدعم المعنوي لنزلاء الدار، ولكن بعد أن زار الدار بنفسه صار يشجعني على ذلك».

السيد "أحمد العلي" مدير المركز الثقافي العربي "بدير الزور" حدثنا عنه وعن تعامله مع موظفيه قائلاً: «يتميز السيد "عبد القادر سلامة" بكثير من المرونة والقدرة على تجاوز السلبيات، بالاضافة إلى التفاني في العمل والرغبة بإنجاز كل ما من شأنه تطوير الحركة الثقافية في المحافظة».