حقّق "مصعب أبو العيش" لنفسه حضوراً في فترةٍ زمنيةٍ قصيرة، وبرغم أنه يعدُّ من أصغر مديري المراكز الإذاعية والتلفزيونية سناً، إلا أنه أثبت فاعليةً في أداء دوره المنوط به، حيث اكتسب الخبرة الواسعة في هذا المجال، ليكون له حضوره الدائم على الشاشة.

مدوّنةُ وطن "eSyria" بتاريخ 18 أيار 2020 التقت الإعلامي "مصعب أبو العيش" وبدأ حديثه: «في العام 2010، توفي والدي "الزبير أبو العيش" الذي قضى نصف عمره بين أروقة الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في إذاعة "دمشق"، وتقلد منصب مدير مركز الإذاعة والتلفزيون في "الحسكة"، ومن ثم في "دير الزور" قبل أن توافيه المنية، وعلى إثر ذلك تم تعييني في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بصفة "مونتير" في مركز "دير الزور" كوني كنت أمتلك مهارات في المونتاج، وأنا في سن الثامنة عشرة عملت في هذا المجال، وكان عملي يبهر الأشخاص الذين يرتادون المركز وأنا في ذاك السن، ومع بداية الأحداث في عام 2011 تابعت عملي في المركز رغم تزايد الخطر علينا كعاملين في هذا القطاع من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة، وشاركت في تصوير جرائمهم من خلال جوالي الشخصي لإرسالها للقناة، وفي العام 2012 سيطر الإرهابيون على معظم مناطق "دير الزور" ومن بينها، مقر المركز الإذاعي والتلفزيوني وتوقف العمل حتى العام 2013 حيث استكملنا النشاط بعد أن حصلنا على غرفة في مبنى محافظة "دير الزور"، وكنت "المونتير" الوحيد في ذلك الوقت، إضافة لمشاركتي في التصوير والتحرير في حال غياب أحد العاملين في هذين الاختصاصين».

هنا بدأت مرحلة جديدة من العمل، وتغطية عمليات التحرير المتوالية للمناطق والمدن والأرياف في "دير الزور"، وكنت موجوداً في النقاط جميعها التي وصلها رجال الجيش حتى عادت الأمور كما كانت، وحتى هذه اللحظة ما زلت أعمل في مركز "دير الزور"

ويتابع "أبو العيش" حديثه: «فرضت المجموعات الإرهابية المسلحة الحصار على مساحة صغيرة من مدينة "دير الزور" لا تتجاوز الأربعة كيلومترات مربعة، حيث غادر جميع العاملين إلى بقية المحافظات، وبقيت وحيداً في المركز، وتم تعييني مديراً للمركز الإذاعي والتلفزيوني في "دير الزور" وأنا أبلغ الـ23 عاماً، وازدادت أعباء العمل على كاهلي إذ كنت محرراً ومصوراً ومونتيراً في الوقت ذاته، وهنا بدأت مسيرة وجودي، وما أستطيع أن أقدمه لمدينتي.

استراحة خلال تغطيات الحرب

وفي العام الأول للحصار 2015، شهد مطار "دير الزور" العسكري هجمات عنيفة من قبل المجموعات الإرهابية، وكنت موجوداً على جبهاته لتغطية المعارك، ومع دخول العام 2016 بدأت الهجمات الأعنف للإرهابيين الذين سيطروا على بلدة "البغيلية" البوابة الغربية لـ"ديرالزور"، ما زاد الحصار على المدينة، وكنت أذهب إلى خطوط النار سيراً على الأقدام بسبب انعدام وجود المحروقات والآليات لتغطية تصدي وحدات الجيش لهجمات المجموعات الإرهابية، في الوقت ذاته أنتقل إلى الأهالي وأنقل لسان حالهم والمعاناة التي يمرون بها، التي لا تقل عنها معاناتي وأسرتي في الحصول على الطعام والشراب» .

ويضيف "أبو العيش": «في منتصف عام 2016 تسللت مجموعة إرهابية الى منتصف المنطقة المحاصرة ودخلوا مشفى "الأسد" واحتجزوا الكوادر الطبية والمرضى كرهائن، فقدمت تقارير إعلامية وإذاعية لقنوات التلفزيون السوري حتى تم القضاء على جميع من تسلل، وعادت المنطقة إلى طبيعتها، وشاركني في تلك الفترة المصور "عبدالفتاح العبدالرزاق" متطوعاً ليساعدني في التصوير من دون مقابل مادي.

على شاشة السورية

وتوالت الأيام وأنا وصديقي نغطي العمليات العسكرية التي يقوم بها رجال الجيش العربي السوري لحماية المنطقة، إضافة لنقل الواقع المعيشي والحياتي للأهالي، وعمليات الإسقاط المظلي للمساعدات الإغاثية المقدمة للمحافظة.

وفي العام الأخير للحصار 2017، فصلت المجموعات الإرهابية المنطقة المحاصرة إلى قسمين: شرقي وغربي، وكنت موجوداً في الغربي منها، ولم أتمكن من تغطية حالة الصمود في القسم الشرقي، وبقيت في العمل حتى فكّ الطوق عن "دير الزور" في الخامس من شهر أيلول من عام 2017».

"ناظم علوش"

ويتابع "أبو العيش" حديثه: «هنا بدأت مرحلة جديدة من العمل، وتغطية عمليات التحرير المتوالية للمناطق والمدن والأرياف في "دير الزور"، وكنت موجوداً في النقاط جميعها التي وصلها رجال الجيش حتى عادت الأمور كما كانت، وحتى هذه اللحظة ما زلت أعمل في مركز "دير الزور"».

ويضيف "أبو العيش": «في الحقيقة لم أختر الإعلام إنما اختارني القدر لأكون إعلامياً بعد وفاة والدي، وكنت عاشقاً لهذه المهنة بعد أول يوم من دخولي فيها، وتعرضت لمواقف صعبة، وتحديداً خلال فترة الحصار التي جعنا فيها كثيراً وعطشنا وتمنينا قطرة الماء.

عندما أتذكر تلك الأيام العصيبة أشعر بالفخر لأنني تحملت وتخطيت الكثير، وتأثرت بوالدي الذي يتحدث أصدقاؤه عنه وعن حبه للعمل وصدقه فيه، وبالنسبة للتكريم فقد تم تكريمي لمرات عدة خلال هذه المسيرة العملية».

ويتابع "أبو العيش" حديثه: «كوني الأصغر سناً بين مديري المراكز، وفي هذه الفترة التي قضيتها في المجال الإعلامي ما زلت أتحدث لأصدقائي عما فعلته بهذا السن، وأنا أشعر بالقوة، وكان الكثير من زملائي الإعلاميين يشيدون بما فعلته.

وأقول لمن يريد أن يعمل في الإعلام في بادئ الأمر، ومن خلال تجربتي، الصبر هو المفتاح ليخطو الإعلامي نحو فرصته التي يستحق، فبهذا المجال قد تمر بعقبات كثيرة عليك التحمل والصبر لتتخطاها، وأقول لكل إعلامي صاعد بأن حب هذه المهنة ومشاركة أصحاب الخبرة وتلقي العلم الصحيح لها سيساعد كثيراً في إيجاد فرص جيدة تخوله ليكون إعلامياً ناجحاً».

عنه يقول المهندس "ناظم علوش" مدير مركز إذاعي وتلفزيوني سابق ومدير الإرسال في محافظة "دير الزور" حالياً: «"مصعب أبو العيش" كادر تلفزيوني متكامل، فهو ابتدأ أول عمله في المركز التلفزيوني عام 2010 بقسم المونتاج، ثم بنشاط وجهد ذاتي تفوق على نفسه بعد عدة سنوات ودخل عالم الإعداد والتصوير، وبجهوده الذاتية وطموحه المستمر استطاع "مصعب أبو العيش" أن يثبت للكثيرين أنه من القلائل الذين روضوا الصعوبات والعراقيل التي تواجه كل من دخل مجال العمل الإذاعي والتلفزيوني، ومن أراد دليلاً على ما قلت، فليرجع إلى أرشيف التلفزيون خلال فترة حصار "دير الزور"».

يذكر أنّ "مصعب ابو العيش" من مواليد "دير الزور" عام 1992، حاصل على إجازة في الاقتصاد من جامعة "الفرات" عام 2014.