شاعر من طينة الفلاحين "موغلاً في طريقي/ أدقّ باب الستين/ بقوة الذاهب صلفاً/ إلى الهاوية/". هكذا رأى "حسين هاشم" مصيره.

ثلاث سنوات مضت على رحيله إلى العالم الآخر، وهو الذي رفض التوهج الكاذب، فأصرّ على قول الكلمة الصادقة.

أهمل نفسه من الناحية الإعلامية، هو من المتميزين في قصيدة "النثر"، وتراه في مرة قدم شكره لي رغم قسوتي عليه بمادة نقدية

موقع eSyria وبتاريخ 22 كانون الأول 2011 يقف عند تجربة الشاعر "حسين هاشم" الذي تخلى عن الحياة قبل أن تغدره بسكين شيخوختها.

ديوان للشاعر "حسين هاشم"

الشاعر "بشار عيسى" قال في هوية "حسين هاشم" الشعرية: «إنه بما كتب لم يلبس ثوب أحد، ولم يتقمّص وجع أو عشق أوأمل أيٍّ ممن سبقوه، وإذا تجولت في نصوصه لن تجد أحداً غيره، وإن صادفت الصدى فهو يشترك مع صاحبه بالوجع والحلم والعشق، لا ينتظر ثناء الآخرين على تجربته، هو يمنح القول ويمضي في غياهب حلمٍ جديد».

ويتابع: «"حسين هاشم" الذي نما تلقائياً في طين "فريتان" كأي شجرة، يعي مسؤولية شخوصه، شاعراً يساهم في فوضى المرحلة، وعلى خلاف شجرته، يرجو النقّاد بوضع المرحلة تحت المبضع».

"حسن القطريب" صديق الشاعر

فهل أنصف النقاد هذا الشاعر، يجيب "بشار عيسى": «الاكتظاظ الشعري الذي يشهده الراهن السوري، وغياب النقد، حال دون تبلور التجارب الشعرية التي تلت فترة السبعينيات من القرن العشرين، ما أدى إلى ضمور أصوات شعرية على الرغم من نبرتها المختلفة وشخوصها، صوتاً جديداً لا تسمع فيه نشيج أصوات شعرية أخرى، ومن الأصوات المضمرة "حسين هاشم" الذي قدّم فنّاً ملك الغالب من مقومات القصيدة الحديثة التي تتشبث بالأصالة، فلا يكفي أن تكون موجوعاً ومهموماً وعاشقاً وتبحث عن الجمال في اللغة والحياة كي تقدم نصّاً، بل زِد على ذلك عناصر الدهشة الفنية التي يمنحها النص الشعري مشروطاً بصدق الكاتب».

الأستاذ "حسن القطريب" تحدث عن مفاهيم "حسين هاشم" الشعرية، فقال: «لا توجد قصيدة من قصائده إلا وفي مضمونها ما يفيد المغادرة أو الرحيل والهزيمة أو ما شابه، والتي يترافق معها اليباب والخراب والخواء، أي إن هناك حالة من الوداعية يجب الوقوف عندها، ففي مجموعته "حقيبة الغياب" خمس قصائد يذكر فيها تلك الحالة، وفي المجموعة الأخرى يقولها إحدى عشرة مرة لأن شعوره بأن المرض سيتغلّب عليه، أعطاه هذه المسحة الحزينة التي تصل حد الإيجاع والتي يجب ألا ينساق لها، ومثالنا على ذلك قوله: "لجسدي أن ينتظر الموت/ ولروحي أن تنطلق/ في حدائقك الوارفة/ خبئيني إذاً/ قبل أن أغرس/ هذا القلم في قلبي/ لأكتب قصيدتي الأخيرة"».

الشاعر الراحل "حسين هاشم"

أما الأرض التي عشقها ومات على ذراها فكانت ملهمته الدائمة، يتابع الأستاذ "حسن القطريب" قائلاً: «إن انتماء "حسين" للأرض جعله يعبر عن ذلك مما يؤكد أنه مازال وفياً لها، ويمثل الإنسان في الريف حيث النقاء والطيبة، ولنر ما يقول: «"أيتها القرى النائمة/ آتيك مغمساً بالنعاس/ ووحل أرصفة المدن الغارقة بالخوف"، وفي قصيدة أخرى يقول: "مطر يغسل القرى/ تومئ شجرة في القفر/ تنحني السحابة/ كاشفة صدرها/ يرتوي جذر الشجرة/ فتنام"».

القاص "محمد عزوز" صديق للشاعر، تحدث عن وجدانيته وعلاقته مع الآخرين، قال: «تصيبني حالة من الرعشة والذهول كلما سمعته يلقي قصائده، في نبرة صوته موسيقا شاعر مختلف، ودائماً كنت أتساءل لماذا يعتكف في قريته، وهو الذي خطّ لنفسه هذا اللون من الشعر».

ويضيف: «اعتدنا على اللقاء، حتى في أواخر أيامه، تقاعد مبكراً من سلك التعليم، وتفرغ للعمل، ليتحول المعلم إلى فلاح، وخلافاً لكل المثقفين تجد الشقوق تغزو يديه، ولا يسعني إلا أن أصفه بالشاعر النقي».

الأديب والشاعر والمسرحي "مهتدي غالب" ينقل الجانب الإنساني عند "حسين هاشم" هذا الرجل المتواضع، قال: «أهمل نفسه من الناحية الإعلامية، هو من المتميزين في قصيدة "النثر"، وتراه في مرة قدم شكره لي رغم قسوتي عليه بمادة نقدية».

أما الأستاذ "حيدر حيدر" فقال فيه في ذكرى رحيله الثالثة: «نم أيّها الراحل... نوماً هنيئاً.. فقصائدك الأخيرة.... لم تعد ديواناً تحت الطبع...؟ إنّما أصبحت قطوفاً نثريّة يانعة.. في بدايات لم تتأخر.. أنجزها الأصدقاء... بصمت... بوفاء فيه عبر... وشعرك غدا صلاة... يقيمها الأصدقاء.. في كلّ محفل.. وعلى كلّ منبر».

ختاماً.. وفي قصيدة "سلمية ربة الخصب" كتبها محتفلاً بمدينته التي أحبها يقول الشاعر "حسين هاشم": «واقف في الصقيع/ مع قلبها الدافئ/ شبيهان/ تتكئ على الصحراء/ وهي عكازي/ لها أن تئن في الصباح البارد كما تشتهي/ وحين يأكل الرمل أبناءها/ تندبهم قليلاً/ وتزرع شجرة أخرى/ ما إن تلوح لها غيمة بحرية/ واقفٌ على التخوم المقابلة/ أسند صدري المتعب يتدافع الهواء بقايا رئتي/ من قلوب أحبائي الواقفين/ سلمية/ وردتي النائمة/ وأوردتي في الظمأ/ سلمية/ صدري القوي/ حليب أمي/ وبكائي/ سلمية/ ربة الخصب والجمال/ سيأتي وتسري ينابيعك الأولى إلى الضفاف».

ــ بطاقة الشاعر "حسين هاشم" المولود في قرية "فريتان" التابعة لمدينة "سلمية" ولادته كانت عام 1946- عضو اتحاد الكتاب العرب.

ــ صدر له: ــ "أناشيد الفقراء" 1976/ ــ "وصارت تضيق بي الأرض" 1978/- "وحيداً وعارياً كان يقف" 1982/- "مطر لبلدي وقلبي" 1992/- "عصفوران وقصص أخرى" 1992/- "غبش" 2004/- "حقيبة الغياب" 2007/- "مواجهات خاسرة" 2007/.

ــ قيد الطباعة: "حكايات بتول وقصص أخرى"/- "بدايات متأخرة جداً".