يذكرها "جورج تات" عالم الآثار الفرنسي من بين المدن المحصنة في البادية خلال القرنين الثاني والثالث الميلاديين فيقول: «أهم المدن المحصنة "بارباليسوس" (مسكنة)، و"كالسيس" (قنسرين)، و"سريان" (إسرية)، و"الأندرين"...».

ويعود أقدم ذكر لها باسم "سريان"، أو "سريانا"، وذلك كمحطة تجارية مهمة إلى عامي (194- 197 ميلادي)، وربما تكون أقدم من ذلك.

وفي طرف "حلب" بناحية "الأحص" مدينة عظيمة دائرية وفيها آثارٌ قديمة يقال لها "سورية"، هي موضع بالشام بين "خناصر" و"سلمية"، والعامة تسميها "سور"

يقول المؤرخ "ابن العديم": «وفي طرف "حلب" بناحية "الأحص" مدينة عظيمة دائرية وفيها آثارٌ قديمة يقال لها "سورية"، هي موضع بالشام بين "خناصر" و"سلمية"، والعامة تسميها "سور"».

الأستاذ "‘علي كلول"

مدونة وطن "eSyria" تلقي الضوء على هذه الحاضرة الأثرية التابعة إدارياً إلى مدينة "سلمية"، التي تقع إلى الشمال الشرقي منها وعلى بعد 80 كيلو متراً، وعن أهمية "إسرية" الجغرافية حدثنا أستاذ التاريخ "علي كلول" بتاريخ 19 نيسان 2014 بالقول: «جاءت أهمية "إسرية" إلى حد ما من ينابيعها وآبارها الوافرة، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي المهم الذي سهل مرور القوافل التجارية من وإلى مختلف الجهات، فجعل منها نقطة عبور مهمة، خاصة بين الطريق الواصلة بين "الرصافة" و"حمص" مروراً بـ"سريان" (إسرية)، والطريق الواصل بين "كالسيس" (قنسرين) إلى تدمر مروراً بـ"إسرية"».

وتابع: «يُرجح أن "إسرية" تبعت في بداية تاريخها ولفترة طويلة من الزمن إلى مملكة "تدمر"، حيث شكلت أهمية كبيرة لها، التي بلغت ذروة قوتها في عهد ملكتها العربية "زينب - زنوبيا" التي استطاعت أن تضع تحت سلطتها كل منافذ وطرق المواصلات البرية والبحرية مع المشرق الأقصى والمصادر الرئيسية لتموين "روما" في الوقت نفسه».

معبد "إسرية"

يضيف "كلول": «في "إسرية" معبد، وهو لا يقارن بالمعابد الصغيرة الموجودة إلى الشمال الغربي من "تدمر"، فتشييد هذا المعبد في ذلك المكان وبناؤه بتلك الطريقة (الطراز الروماني) يعود إلى أسباب خاصة؛ أهمها وقوع "إسرية" على تقاطع طرق مهمة، وتوافر آبار المياه أيضاً، زد على ذلك أن السمات الرومانية الواضحة في هذا البناء يمكن أن تدل على رأي مهم مفاده أن باني هذا المعبد هو عضو حساس ومهم في الإدارة الرومانية، يعتقد أنه من المؤسسة العسكرية، وقد أراد أن يبني هذا النموذج من المعابد على نهاية طريق رومانية مهمة».

الأستاذ والباحث "أمين قداحة" يذكر في كتابه "سلمية.. رسائل من التاريخ" الميزات المعمارية لمعبد "إسرية"، فيذكر بالتفصيل: «يتألف هذا المعبد من ثلاثة طوابق؛ سقف الطابق الأول منها بالحجارة الطويلة الكلسية تحملها قوسان بالوسط، أما الطابق الثاني فكان سقفه من الأخشاب التي تستند على بروز للجسور الخشبية من تحتها وكوى محدثة في الجدران على المحيط، وفي هذا الطابق على طرفي المدخل من الداخل يوجد برجان للحراسة؛ يحوي الشمالي منهما على درج لولبي يؤدي إلى أعلى البناء، يتألف من 40 درجة، بينما كان الطابق الثالث في الأغلب مسقوفاً بشكل سنامي بالأخشاب المغطاة بالقرميد».

من الأوابد التاريخية

ويضيف: «كما أن للمعبد مدخلان: أحدهما صغير يقع في الجهة الجنوبية، والآخر وهو الرئيسي في الجهة الشرقية للهيكل، ويمثل الصفة المعمارية المحكمة في المبنى كله التي لا تزال موجودة، وقد ازدان المدخل حتى أعلاه بنقوش نافرة، وزخارف متنوعة، غنية وبديعة جداً تتوزع على مساحات كبيرة على شكل أشرطة، تمثل ورق الخرشوف "أرضي شوكه" إضافة إلى سلاسل من حبيبات صغيرة وعروق نباتية منحنية ودوائر، ومسننات دقيقة».

ومما طرأ على المعبد بعد دخول الإسلام ذكر قائلاً: «لا يوجد الكثير من القاعات داخل المعبد، حيث إنه في الأوقات الأخيرة من تلك الفترة كانت القاعات تستخدم للنشاطات الإسلامية في البناء، التي خربت المستويات الرومانية نزولاً حتى الحافة العليا من الأساسات».

ومن جهة أخرى يورد الأستاذ "أمين" الجانب الديني، فيقول: «أما الديانة التي كان مكرساً لها هذا المعبد فهي غير معروفة جيداً، وذلك بسبب قلة نقوش الدلالات الدينية، ولكن في عام 1993 وجد تمثال برونزي طويل يمثل الإله "أبولو" شمالي الهيكل الروماني تماماً، وهو يمثل الدليل الوحيد بالنسبة للديانة السائدة هناك، ولكن هذا ليس دليلاً نهائياً لأنه من المتوقع وجود عدد مختلف من الآلهة في معبد واحد، ومن ناحية أخرى لا يوجد دليل مناقض، ولذلك يجب أن نفترض بأن "أبولو" هو إله المعبد؛ وذلك يعود إلى قلة المعلومات التاريخية والأثرية، وأن المحراب الكبير المحدث في الجدار الشمالي لربما كان موضع تمثال "أبولو" كبير آلهة المعبد».