ودعت الأوساط الثقافية في "سورية" يوم الثلاثاء الثالث من شباط 2015 الشاعر الكبير "إسماعيل عامود"؛ بعد صراع طويل مع المرض.

مدونة وطن "eSyria" تنعي ذوي الفقيد وكل محبيه، وكل رواد الشعر، وتقدم بعض الآراء حول الفقيد، وشيئاً مما قاله، وكتبه.

بدأ ديوانه "كآبة" برسائل إلى الأرصفة البالية، والشوارع الضيقة، وانتهى به الحرف إلى كل شوارع العالم. الراحل "إسماعيل عامود"، شاعرٌ سيبقى على سطح الكلام، وبين غيوم المعرفة، الرحمة له

في الانتقال إلى بعض من أحب الشعر، والشاعر، وهم كثر، كتب الشاعر والمسرحي "مهتدي مصطفى غالب" في رحيل "عامود": «وداعاً "إسماعيل عامود".. آخر الأشجار التي كونت عاصفة قصيدة النثر، وداعاً للكلمات التي نهلت من الكآبة والتسكع والمطر، لتصنع تاجاً من الشعر، يضم الغبار والغربان، والصرخات الطفولية الأولى. هكذا يعيش الشعراء أطفالاً ويموتون أطفالاً، وداعاً يا أبانا الروحي... لنا العزاء ولقصيدتك البقاء الأبدي».

الشاعر الراحل "إسماعيل عامود"

ففي لقاء خاص له المدونة في تشرين الثاني 2013، قال الشاعر الراحل "إسماعيل عامود" حول شاعر اليوم، وشاعر الأمس: «الشعر كالحياة، كلما تطورت هذه الجغرافية الإنسانية تطور معها، لأنه يستمد قوته ويأخذ معينه من أصله الأم، فإذا زعم أحد المحنطين عن هذا التطور الحياتي الشعوري بأنه مخالف للذات الإنسانية، وبأنه حرب على اللغة والتراث، جاز لنا أن ننعته بالجهل الأكيد لمعالم الحياة الخيّرة المبدعة، من هنا يمكن القول: إن شاعر الأمس مختلف عن شاعر اليوم، كيف لا وقد اختلف الإنسان حتى في التركيب العضوي -بعض الشيء- فكيف لا يتغير التركيب الهرمي للقصيدة».

يقول الشاعر الراحل في إحدى قصائده: «ذكرياتي .. كلما عادت لأبوابي، كأنسام الدروبِ... غصتِ الآهاتُ في صدري، وفاضت بالنحيبِ...!! لستُ منها... لستُ إلا ذلك النور الذي مرَّ بأجفان الغروبِ... لستُ إلا البسمة الحيرى، التي تفترُّ عن ثغر الحبيبِ... لستُ منها... غير أنَّ اللهفة الظمأى تنادي، للمغيبِ...!! فهناك الوجد تيَّاهٌ على دربِ الطيوبِ».

"العامود".. يترك مجهره

بدوره الشاعر "أيمن رزوق" عضو اتحاد الكتاب العرب، تناول الشاعر الراحل من منظوره الشعري، قائلاً: «"إسماعيل عامود" وردُ القصيدةِ، وعنفوانُ الحروفِ، رائدٌ مشاكسٌ، مغتربٌ عن كل مكان، وكلِّ زمان. بدأ حياته مشرداً بين الخدمة الوطنية، وخدمة العائلة الكبيرة، في "دمشق"، وبين حاراتها الشعبية متسكعاً، يرشُّ الشعرَ على شبابيكِ الجميلاتِ، المنتظرات على سرير شغف القصيدةِ، كتب لـ"دمشق"، وللنساء، وللحرية من غير أن يلتزم بخطٍ يأسرهُ، أو يجمعه بتنظيم، إلا الكتابة والحروف والقصائد، واتحاد الكتاب، عائلته الكبيرة التي عملَ فيها لسنوات».

وتابع: «بدأ ديوانه "كآبة" برسائل إلى الأرصفة البالية، والشوارع الضيقة، وانتهى به الحرف إلى كل شوارع العالم. الراحل "إسماعيل عامود"، شاعرٌ سيبقى على سطح الكلام، وبين غيوم المعرفة، الرحمة له».

الجدير بالذكر، أن الشاعر "إسماعيل أحمد عامود" من مواليد "سلمية" عام 1928، تزوج مرتين: الأولى المربية "عائشة أحمد اللحام" أنجبت له تسعة أولاد، هم: "فاديا- أحمد فداء- محمد فواز- فاتن- حسان- علاء الدين- سحاب- سلمى- باسل".. وبعد وفاة الزوجة الأولى عام 1980 ارتبط بالسيدة "رجاء خضور" وليس له منها أولاد.

  • بطاقة الشاعر الراحل "إسماعيل عامود":
  • ــ حصل على الشهادة الابتدائية، ولم يكمل لأسباب مادية، حصل على الكفاءة حراً وتطوع في الجيش والقوات المسلحة، عمل محرراً في مجلة "الجندي"، وسكرتير تحرير للمجلة العسكرية، وهو عضو في اتحاد الكتاب العرب منذ تأسيسه حتى تقاعده عام 1995م، كما انتخب أمين سر "جمعية الشعر" في الاتحاد لمدة تسع سنوات.

    ــ سكرتير تحرير "مجلة الثقافة" مع "مدحة عكاش".

    ــ 1980 حاز جائزة الشعر الأولى في المسابقة التي أعلن عنها اتحاد الكتاب العرب في "سورية" عبر مجلة "الموقف الأدبي".

    ــ 2006 كرمته مديرية الثقافة في "حماة".

    ــ 2007 كرّمه اتحاد الكتاب العرب في "دمشق" مع عدد من زملائه المتقاعدين.

    ــ أنجز عن حياته الفيلم الوثائقي "مطموراً تحت غبار الآخرين".

    _ صدر له: "من أغاني الرحيل، كآبة، التسكع والمطر، أغنيات للأرصفة البالية، أشعار من أجل الصيف، الكتابة في دفتر دمشق، السفر في الاتجاه المعاكس، العشق.. مدينة لا يسكنها الخوف، خبز بلا ملح، مبعثرات"، وكتاب (وبعض الشعر عذب).

    ــ 1946 نشر أول قصيدة في مجلة "الصباح الدمشقية".

    ــ تتالت منشوراته في دوريات عربية سورية ولبنانية وبعض الدوريات المصرية.

    ــ الثلاثاء الثالث من شباط من العام 2015 كانت وفاته، ووري الثرى يوم الأربعاء في مدينته التي أحبها "سلمية".

  • ختاماً نترك شعراً مما قاله الشاعر الراحل "إسماعيل عامود":
  • "وصرختُ في وادٍ من الموتى

    وللريح المعتقة انكسار

    هبّوا.. فقد سرق القراصنة.. النهار..

    يا نوح، هذي الأرض تأسرني

    ويسحقني... مدارْ

    يا نوح... لمْ جنح السفين.. فأومأ (الجوديُّ)

    وانحسرتْ.. بحار..؟!

    ويظل يركض في متاهاتي ارتياب

    ويداي تحتضنان.. حتى الريح..

    أدخل كلَّ باب...

    أستصرخ الطوفان أن يعلو

    ليبتلع الهضاب..

    المستحيل يلفّني.. وغداً يُغيبني.. تراب..؟!

    لكنّ ظلّ الأرض يُرجعني صدى

    فأسيل كالأنهار في وادي الضباب

    أمي التي كانت هنا.. نقشت بمعولها العذاب

    لا الريحُ قادتني...

    ولا النجم المعلق بالسحاب...".