في موسم قلع الثوم يتبادل أهالي قرية "الحيلونة" التحية الخاصة بهم: "اقلع الثوم يرحملك كل مطمور"، لشحذ الهمم متأملين بموسم وفير ليحافظوا على مكانتهم المدللة بين المناطق الأخرى لنوعية وجودة الثوم المزروع في قريتهم.

مدونة وطن "eSyria" زارت قرية "الحيلونة" التابعة لمنطقة "مصياف" بتاريخ 5 تموز 2015، المشهورة بجودة الثوم الذي يقوم أهالي القرية بزراعته؛ وهو ما جعله يصنف من أحسن الأنواع لمؤونة الشتاء، وعن زراعة الثوم والتغيرات التي طرأت على هذه الزراعة حدثتنا المزارعة "منيفة زهرة" من أهالي القرية بالقول: «الطقس البارد والتربة السوداء اللينة ساعدا بنجاح هذه الزراعة، وأتذكر أن أمي كانت ترمي الرماد على التربة لأنه يساعد على ليونتها، فالثوم يحتاج إلى تربة لينة؛ وهذا ما تتميز به معظم الأراضي الزراعية في قريتنا، ويستغل أهل القرية المساحات القريبة والبعيدة لزراعة الثوم لمردوده الجيد، حيث يعد من أنجح الزراعات في المنطقة لأنه "عدي" أي يعتمد في سقايته على مياه الأمطار فقط، لهذا يقال عن ثوم "الحيلونة": "بكمل سنتو أو بلاقي خيو" لأن أسنان الثوم تبقى ملأى وتحافظ على طعمها الحاد طوال العام؛ وهو ما يجعل المناطق الأخرى تحجز مؤونتها من الثوم قبل نقله إلى السوق فنكون المدللين في هذه الفترة من السنة من قبل القرى المجاورة».

إن طرائق حفظ الثوم تكون بتعليقه في زاوية يمر فيها تيار هواء بعيداً عن أشعة الشمس القوية، ويفضل شراؤه أخضر لأننا نتمكن من رؤية الثوم الصغير الذي يفرع على العرق ونقول إنه "دجن"؛ وهناك من يحفظه أخضر بمرطبانات في الثلاجة بعد أن يقشره ويضع عليه القليل من الملح أو يجفف تحت أشعة الشمس لطحنه. يذكر أن الثوم يزرع في القرى حول البيت لطرد الأفاعي، وهناك من يفرك مكان لسعة الحشرة بسنّ الثوم لأنه مسكن للألم ومطهر كما هو متعارف عليه

وعن طريقة زراعة الثوم التي لم تتغير منذ 100 عام حدثنا بالقول المدرس "عيسى خلوف": «لم يطرأ تغير يذكر على طرائق زراعة الثوم؛ حيث تبدأ زراعته في شهر "تشرين الثاني" متأملين بموسم وفير بمقولة: "حبة يابسة والمُطعم الله"، إذ نقوم بفلح الأرض وتخطيطها بآلة الصمد الزراعية التي يجرها الدواب المستخدمة قليلاً، أو بـ"العزاقة" التي ظهرت نتيجة تطور الأدوات الزراعية وتعد الآن الأكثر استخداماً، ويتم وضع السماد الطبيعي الذي جمع من روث الحيوانات لأن قريتنا تحوي ثروة حيوانية جيدة، نقوم بحفر حفرة في الأرض بمعدل 12سم لنضع داخل الحفرة سنّ الثوم الذي تم فرطه وانتقاؤه بعناية وتجفيفه من الموسم السابق، وذلك لضمان نوعية جيدة من المحصول، وبعدها نقوم بطمره بالتراب بواسطة "المنكوش" وهو الأداة الرئيسة المستخدمة في زراعة وقلع الثوم حتى الآن، وكما هو معروف أن زراعة الثوم لا تحتاج إلى عناية فائقة؛ حيث يزيل الأهالي المقيمون في القرية في شهر شباط وآذار العشب الضار يدوياً، مع إضافة سماد صناعي بدل الطبيعي الذي كان مستخدماً في الماضي لضمان نمو محصول جيد».

ألة الحراثة القديمة "الصمد"

اجتماع العائلة في موسم قلع الثوم يعد طقساً اجتماعياً مميزاً في القرية؛ هذا ما حدثنا عنه المزارع "محمود علي" بالقول: «اعتاد أهل القرية الاجتماع في شهر حزيران لبدء العطلة الصيفية، الذي يصادف موسم قلع الثوم؛ وهو ما يتيح تجمع العائلة صغاراً وكباراً، لتقوية الروابط الأسرية وتحقيق نوع من التكافل الاجتماعي، لأن عدداً كبيراً من الشبان اضطرتهم ظروفهم التعليمية والوظيفية للسكن في مناطق بعيدة عن القرية، فيعد موسم القلع طقساً اجتماعياً عائلياً؛ حيث نستيقظ باكراً مصطحبين معنا الأدوات التي تساعدنا في عملية القلع والزوادة الخاصة بنا من طعام وشراب، مع اصطحابنا لأفضل أكلة تراثية "المتبلة" التي تعد عادة لدى أهل القرية وتناولها في البرية، كما تمد الجسم بالبرودة بعد عمل عدد من الساعات الطويلة والشاقة والحارة، ويبدأ المسير في ساعات الصباح الأولى مع إلقاء التحية الخاصة بهم: "لوين رايح يا فلان، فيرد عليه لقلع الثوم، فيرد عليه جاره الله يرحملك كل مطمور" (أي كل شخص متوفي ومدفون تحت التراب)، مشكلين لوحة اجتماعية جميلة متفائلين بموسم وفير ومتشوقين لمعرفة صاحب أفضل إنتاج».

ويتابع: «يرفض أهالي القرية الذهاب بالسيارة للوصول إلى الأرض أو ركوب الدواب، لأن المشي يحضر الجسم لتحمل مشقة العمل في الأرض، فهم يتهيؤون نفسياً وجسدياً بلباسهم الفضفاض الذي يقيهم من حرارة الشمس، إضافة إلى الأحذية المطاطية العالية التي تحمي من لسع الحشرات الزاحفة وتسهل العمل، مع وضع الشماخ فوق الرأس لحمايتهم من أشعة الشمس، ونعلم أن الثوم نضج عندما يظهر ثوم صغير على العرق الأخضر؛ فنقول إن الثوم "دجن" وأصبح جاهزاً للقلع وصالحاً للتخزين، ومراحل العمل توزع حسب العمر والخبرة؛ حيث يبدأ الكبار مع الصغار سباق تتابع، فهناك من يقوم بالحفر لقلع الثوم؛ وهذه تترك لأهل الخبرة لأنها تحتاج إلى دقة وسرعة في العمل معاً، الأصغر منه عمراً ينفض عنه التراب، والأصغر قليلاً يقوم بتجميعه ليوضع في الأكياس المخصصة لنقل المحصول، وبعد عمل ست ساعات متواصلة يبدأ الأهالي تناول "المتبلة" وأخذ فترة راحة قصيرة مع تبادل الأحاديث وسماع الأغاني التقليدية التي يتداولها أهل القرية، ثم يأتي عمل الفتيات الصغيرات الماهرات بتجديل الثوم لتبدأ مبارياتهن لمعرفة الفتاة الأسرع بتجديل العروق، ثم متابعة العمل من جديد لينتهي اليوم الشاق والجميل ولتبدأ عملية عدّ الأكياس لإعلان الفائز لهذا الموسم، وينقل المحصول إما على الدواب كما في الماضي أو بالسيارة أو الدراجة النارية».

المزارع محمود علي

وبالعودة إلى المزارعة "زهرة" تقول: «إن طرائق حفظ الثوم تكون بتعليقه في زاوية يمر فيها تيار هواء بعيداً عن أشعة الشمس القوية، ويفضل شراؤه أخضر لأننا نتمكن من رؤية الثوم الصغير الذي يفرع على العرق ونقول إنه "دجن"؛ وهناك من يحفظه أخضر بمرطبانات في الثلاجة بعد أن يقشره ويضع عليه القليل من الملح أو يجفف تحت أشعة الشمس لطحنه.

يذكر أن الثوم يزرع في القرى حول البيت لطرد الأفاعي، وهناك من يفرك مكان لسعة الحشرة بسنّ الثوم لأنه مسكن للألم ومطهر كما هو متعارف عليه».

حفظ الثوم