تمرّس الجدّ "محمود" على ما تعلمه بشغف في المداواة بالطب الشعبي، ولم يكترث لأجور الاستشفاء العلاجي، التي لا تتجاوز 100 ليرة سورية في أقصى حالاتها، وجمع مع عمله هذا مهنة الحلاقة، فكان الوحيد في مدينة "مصياف".

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 26 كانون الثاني 2016، الحلاق والطبيب الشعبي "محمود درزية"؛ ليحدثنا عن بدايته مع مهنته بالقول: «بدأت عملي المهني الأساسي كمراقب بريد، إلا أن شغفي بالعمل الإنساني دفعني إلى التثقيف الذاتي عبر ما نقلته لي أسرتي وخاصة جدتي "حليمة لاوند" من حكم موروثة بالطب العربي الشعبي، فغصت في بحور العلم وثقافة التداوي بالأعشاب، وبقي كل هذا حبيس مكنوناتي الشخصية حتى تقاعدي الوظيفي وفقاً للسن القانوني، فكانت بالنسبة لي مشروعاً لخريف العمر، أرضي به ذاتي وأقدمه محبة بالإنسانية؛ لأنها أساس التعاملات البشرية المفترضة، فوظفت قدراتي وما تعلمته عبر سنواتي السبعين للبحث عن الحلول المرضية وفقاً للكثير من عمليات التجريب الذاتي.

مشكلات الأعصاب التي يعاني منها الكثيرون من الناس، والتي تؤدي إلى مرض "الدسك" بمختلف أنواعه؛ حللتها بالتدليك المركز أو ما يعرف بـ"المسّاجات"، مع المعرفة التامة بتوضع الأعصاب الهدف أو المستهدفة فيه

ولم يقتصر عملي على التداوي بالأعشاب فقط، وإنما امتهنت عمل الحلاقة الرجالية، كما كان أجدادنا القدامى، حيث كان الطبيب العربي حلاقاً ماهراً، يحب فعل الخير».

بعض مستحضراته العشبية الاستشفائية

ما يميز عمل الجد "محمود"؛ عمله الإنساني الذي يتداخل مع عمله العلاجي الاستشفائي، وهنا قال: «يمكن وصف ما أقوم به بالعمل الإنساني لأنني لا أكترث بالأجور المفترضة الواردة منه، بل أحياناً لا أقبلها من بعض ضعيفي الأحوال المادية، وهذا لا يعني أن الـ100 ليرة التي أحصل عليها مبلغ كبير، بل هي ثمن الأعشاب التي أحضرها وأجمعها خلال البحث والتنقل في الطبيعة.

وتقديراً للعلاج الاستشفائي الذي أقدّمه وفقاً لوصفات مجربة ومدروسة؛ لا يقبل بعضهم إلا أن يتركوا تعويضاً مالياً جيداً، أحاول أن يكون جزء منه للمستورين، تقديراً لما منّه الله عليّ في عملي والحالات التي شفيت بمساعدتي».

خلال ممارسته للحلاقة

الطب العربي الشعبي كما وصفه الجد "محمود" يعتمد تجارب شخصية، وهنا قال: «نتعرض في حياتنا اليومية للكثير من الضغوط والإجهادات والوعكات الصحية، وهذا يجعلني أبحث دائماً عن علاجات استشفائية، أقوم بتجريبها شخصياً على جسدي لأرى نتائجها، وكيف يمكن تعديل الوصفات العشبية الداخلة فيها، لتكون أنجع، وبناءً على هذه النتائج يكون العقار العشبي جاهزاً للتداول والتقديم للمحتاج، فلدي وصفات لـ"البواسير مثلاً، وآلام المفاصل، ودسك الرقبة، ودسك الظهر، والأمراض الجلدية"، وجميعها مجربة بحكم العمل على عشرات الحالات المتعاقبة».

ويتابع: «أول ظهور إعلامي لي لما قدمته في مجال الطب العربي كان في برنامج "ابن البلد" للمقدم "توفيق الحلاق"، وكان نتيجة معالجة شابة مصابة بالشلل، بعدما تمكنت من الشفاء والسير على قدميها، وكان المميز حينها سؤال: لماذا جمعت ما بين الحلاقة والطب الشعبي؟ وكان جوابي حينها: حفاظاً على ما تبقى من إرث الأجداد في هذا المجال، حيث لم يجمع بين العملين أي شخص على مستوى مدينة "مصياف" سواي حتى الآن».

"علي حمود"

ويضيف: «مشكلات الأعصاب التي يعاني منها الكثيرون من الناس، والتي تؤدي إلى مرض "الدسك" بمختلف أنواعه؛ حللتها بالتدليك المركز أو ما يعرف بـ"المسّاجات"، مع المعرفة التامة بتوضع الأعصاب الهدف أو المستهدفة فيه».

وفي لقاء مع "علي حمود" أحد أبناء مدينة "مصياف" قال: «تميز الجد "محمود" بطبيعته البسيطة وقوة شخصيته وإدراكه لما يفعله، وهذا أكسبه شهرة كبيرة على مستوى المدينة ومحيطها، فأنا مثلاً أستعين به وبأدويته للتخلص من الإجهادات العصبية الناتجة عن العمل الطويل، فيقدم لي خبرته بـ"المسّاج" ليتحسن وضعي العام، فله باع طويل في خدمة الناس وتقديم معرفته وخبرته الاستشفائية في مختلف الأمراض، وجميعها باستخدام الأعشاب الطبيعية؛ فترى منزله خلية نحل حقيقية، يقصده المحتاجون من كل حدب وصوب».

الشاب "أحمد علوم" من أبناء مدينة "مصياف" قال: «سمعت الكثير عن الحالات التي شفيت بخبرة الجدّ "محمود"، وأنا شخصياً أقصّ شعري بمعرفته، وأشعر حينها وكأنني أعيش في حقبة قديمة نتيجة طبيعة عمله ومكان إقامته.

كما أنه لم يبخل يوماً على أحد بتقديم النصيحة الاستشفائية من دون مقابل، أو حتى تقديم العلاج العشبي، وقد واكبناه كأبناء مدينة واحدة في حالات استشفائية تعامل معها بنجاح وأدرك النتائج الإيجابية خلالها؛ وهو ما انعكس على شمولية سمعته في المدينة وريفها».