عاشقة للوطن وترابه، وتستحضر الطبيعة بكل ألوانها وتجلياتها، حيث تكتب القصة وتقول الشعر الموزون والنثر بلغة سليمة وجميلة، وتجيد صياغة الشعر المحكي بأسلوب ممتع يناسب إيقاع الحياة بفرحها وحزنها، وقادر على التقاط أنفاسها وصياغتها من دون تكلف أو تعقيد.

مدونة وطن "eSyria" التقت الطبيبة والشاعرة "مادلين طنوس" بتاريخ 18 أيار 2018، فقالت: «ولدت في عائلة تعشق الشعر وتقوله، والدي وأعمامي، وبما أنني البنت الكبرى كنت أتابع بشغف كل ما يقولون وأحفظه، وبدأت كتابة الشعر منذ نعومة أظفاري، ومازلت أحتفظ بدفاتري إلى الآن، وقد كنت متميزة بالمدرسة أيضاً باجتهادي وتفوقي وخاصة في الإنشاء، إذ كانت مواضيعي تقرأ على مسرح المدرسة، واستمريت بالكتابة على فترات متقطعة بسبب انشغالي بدراستي واختصاصي وعملي وحياتي الزوجية. قبل الأزمة كتبت مجموعة قصصية بعنوان: "باقة أمل"، وهي عبارة عن قصص قصيرة تحكي عن مرضى متألمين حقيقيين شاهدتهم، وبعد العلاج أراهم يشاهدون الضوء ويلمسون الأمل، ثم عصفت الأزمة ببلدنا الحبيب وكان لي نصيب ليس بقليل من الوجع. في البداية، رأيت الكثير من الأوجاع التي أصابت الوطن والتي جرحتني في العمق، وتركت قلمي ينزف حبراً وشعراً خاصة أن المشافي هي أول من تستقبل المصابين ومبتوري الأعضاء والشهداء، إضافة إلى المعاناة اليومية التي أجبرت مدينة "حمص" أن تنزف يومياً، والتي لم أغادرها؛ كل هذا كان سبباً لأطلق العنان لخيالي كعصفور يتألم ويتلوى بنار الحرب ويكبر فوق وطن ويتخيل السلام والحب فيه. كتبت للشهداء الكثير من القصائد بعد أن عمدتهم بدموعي، إذ كانوا يجدون طريقهم إلى الله، ونحن نحاول إنعاشهم وإعادتهم إلى الحياة، ومواكبهم التي تمر كل يوم من أمام بيتي كانت زوادة لقلمي وقلبي الذي كان ينفطر لعظمة عطائهم».

هي شاعرة موهوبة، والموهبة لا تأتي بالدراسة، ومعظم الشعراء الكبار غير متخصصين باللغة العربية، و"مادلين" رومانسية بامتياز، إحساسها مرهف مفرداتها هامسة وقريبة من لغة الحياة اليومية مشحونة بعواطف إنسانية حارة، دفقاتها العاطفية جياشة

وتضيف: «مواضيعي بخار تراكم في داخلي، وعندما أريد أن أزيحه عن صدري أدعه يتصاعد وأشعر بلفحة ناره، ثم ألتقط له صوراً شاعرية تراها تحكي وجعي ملوّناً بألوان قوس قزح، لذلك المواضيع هي من صميم الواقع ومعاناتي ومعاناة الوطن وآلام الآخرين، أنا لا أنثر ورداً على الجراح، لكن عندما لا أستطيع أن أضمدها وأسكن آلامها بيدي أرسم لها حلماً بقصيدة، وهذا له علاقة باختياري لمهنتي، فأنا ببساطة أقدّس الإنسان، والعلاقة بين الشعر والطب علاقة تكاملية، فالطب مركز اهتمامه الإنسان جسداً ونفساً، كذلك الشعر مركز اهتمامه مشاعر الإنسان وأحاسيسه ووجدانه، فذاك يعالج الجسد وهذا يرقى إلى مرتبة الروح، وعملي كطبيبة وبوجه خاص مخدرة يجعلني أشعر بألم المريض وأسعى إلى تسكينه وإراحته نفسياً وجسدياً، ولأنني شاعرة أتقمص مشاعر الآخرين وأسعى ليكونوا بخير».

ديوان "شمس وفي"

الشعر إن لم يغير ما في داخلنا ليس بشعر، وإن غيرنا الشعر فنحن سنغير العالم، لذلك الشعر الحقيقي يجب أن يجعل العالم مكاناً أفضل، وتابعت: «كتبت جميع الفنون من محكي وفصيح عمودي وتفعيلة ونثر وقصة، فأنا قارئة جيدة؛ حيث تستهويني كتابات "جبران"، و"غادة السمان"، و"أحلام مستغانمي"، وأعشق شعر "نزارقباني" و"طلال حيدر" و"فاروق جويدة"، وبطبعي أحب ما هو بسيط وقريب إلى القلب والمنطق، وأبتعد عما هو معقد وسريالي، لذلك أركز على ناحية المتعة في القصيدة، ولا يهمني التعقيد، ودائماً أقول كما قال الشاعر "نزار قباني": "الشعر يجب أن يصل إلى كل الناس وليس لشريحة معينة". أكتب عندما يأتيني الإلهام، فلست محصورة بزمان أو بمكان، لكن الاجتهاد أن نمسك بطرف الفكرة ونبدأ تدوينها، وأنا إلى الآن لم أكتب بقصد الاحتراف؛ أي إنني لا أسعى خلف القصيدة، بل هي تفرض نفسها علي، فالشاعر هو كل من يكتب عن فكرة معينة بلغة جميلة وسليمة قد تكون لها موسيقا، وقد لا تكون، والأهم أن يكون الشاعر صاحب قضية وصادقاً فيما يخط».

وحدثتنا عن مجموعتها "شمس وفي" قائلة: «عبارة عن شعر محكي يحاكي المشاعر بلطافة وإحساس مرهف، وتتنوع القصائد بين الوطنية التي تتحدث عن حب الوطن والأرض وجماله، والشهداء وقصائد وجدانية وغزلية، وأنا أعشق هذا النوع من الشعر، وأكتبه بشغف، لأنه يؤثر مباشرة بمشاعر المستمع أو القارئ، والشعر إن لم يغير فيك شيئاً ليس بشعر، لدي ديوان شعر فصيح موزون بين التفعيلة والعمودي، بعنوان: "بوح الشجر"، وهناك أعمال أخرى».

أثناء توقيعها لديوانها "شمس وفي"

غنى الفنان "ميشيل ملوحي" بصوته من كلمات الشاعرة "مادلين" وألحان الموسيقي "محمد حيدر" وفاء لأرواح شهدائنا الأبرار:

"بعدن هون... وبعدو صوتن

رعد بينده خلف الغيم

يزعزع موتن

وبعدو هديرو... ع جناح اليم الأزرق

في إحدى الأمسيات الشعرية

بعدا بيادرهم خضرا

وحقولن تنطر مطرا

وبعدا تيابن... بريحة عرقن... بملح دموعن

تغرق

بعدون هون".

ولدى سؤالنا عن طموحاتها الأدبية، أجابت: «الإبداع ليس كلية نتخرّج فيها، بل إنّه مطر الروح فوق أزهار النفس، إن أمطرت روحي ازدهر بستاني الشعري واخضر ربيع قصائدي، وإن غضبت السماء وجف الهطول، لن أستطيع الكتابة؛ لذلك لا أستطيع التنبؤ بما سأكتب، ونصيحتي لكل من يعشق الكلمة الجميلة أن يقرأ، ولكل من يحب الشعر أن يسمع الأغاني والأشعار، ونصيحة إلى الجميع: لا تحرموا أنفسكم من هذه المتعة وخاصة الكتابة؛ لأنها تجسد غيومكم وتجعلها مطراً شاعرياً ينعش الروح. وسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات الأدبية لعبت دوراً مهماً في دعم وتشجيع الحركة الأدبية، كما أنه ليس لي ثقة بالمسابقات الشعرية والتكريمات والشعارات، وكل ناقد يسير على ما يناسبه، والجمهور العام هو المتذوق والناقد الأخير، وللأدب دور في الواقع الذي نعيشه؛ فهو دور أساسي ومحوري، لأن كلمة الأديب أو الشاعر تجد طريقها السهل إلى المتلقي، ويجب أن تكون معجونة بمحبّة الوطن، وصادقة ومقنعة، وترتكز على مبادئ ثابتة، ولها أفق تملؤه وتصل إليه، وتترسخ ببساطة في القلوب والأرواح».

الشاعر "رفعت ديب" المتابع لأعمال "مادلين"، قال: «هي شاعرة موهوبة، والموهبة لا تأتي بالدراسة، ومعظم الشعراء الكبار غير متخصصين باللغة العربية، و"مادلين" رومانسية بامتياز، إحساسها مرهف مفرداتها هامسة وقريبة من لغة الحياة اليومية مشحونة بعواطف إنسانية حارة، دفقاتها العاطفية جياشة».

وتواصلنا مع الكاتبة "أنجيلا عبدة" لتعطينا رأيها بالشاعرة "الطنوس"، فقالت: «حين تكتب الشعر كأنها تُمارس مهنتها كطبيبة فوق الورق ومع المفردات والصور، تُجسِّد روح القارئ بإحساسها المدهش ومفرداتها الرقيقة البسيطة العميقة التأثير تحكي عن الوجع وتمسحه بقطنة أمل، وتبلسمه بالحب وتضمده بالتفاؤل.

حين أقرأ لها، أسمع لهاث الفراشات وراء عطر كلماتها، أسمع صوت تصفيق الشجر وهي في خريفها. وصوت خلاخل النجوم وهي ترقص حول القمر وصدى عصفور يغرد للربيع أن يأتي. متفردة هي في قصيدتها النثرية والمحكية، شعرها أنثوي الملامح والروح والقلب، قصيدتها أنثى من حبر وصوت تجعل العالم من حولك جميل ومشرق على الرغم من قباحة الحرب والتشرد والفقر والخراب، وكل العتمة من حولنا. لافتة صورها وباذخة الشفافية مفرداتها التي تلتقطها من الفصول الأربعة».

تجدر الإشارة إلى أن الدكتورة "مادلين الطنوس" طبيبة اختصاصية تخدير، وهي من مواليد بلدة "كفربهم" في "حماة"، عام 1968.