غادر بلاده، وذهب في رحلة عبر المياه الملأى بالمخاطر، ليولد فناناً كبيراً مملوءاً بالإبداع والفلسفة. وفي زمن قياسي خط اسمه على أجمل المنحوتات، ليكون واحداً من الفنانين القلائل الذين عرفوا المجد باكراً في الغربة.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 أيلول 2018، تواصلت مع النحات "أوس ورد" في مكان إقامته في "بلجيكا" ليتحدث عن بداياته، فقال: «بدأت النحت منذ سن السابعة في تل كان يطلق عليه "المقطع" في "السلمية"؛ أي مكان لقطع الصخر الطري الأبيض للبناء قديماً، وفي سن العاشرة بدأت أمارس الرسم، وكنت متميزاً في الصفوف الابتدائية، وفي سن الخامسة عشرة بدأت أقرأ وأجمع الكتب عن الفن والسياسة، وكنت مولعاً بالقراءة التاريخية والفنون، وإثر ذلك جاءت شكاوى إلى أبي من قبل المدرسة، حيث تم إحراق كتبي ورسوماتي بسبب إهمال الدراسة وولعي بالفن، كان أبي يحاول إقناعي بأن الفن لا يطعم الخبز، ودفنت في حديقة منزلنا ما تبقى لي من كتب ورسومات في ناحية "السعن"، وزرعت فوقها شجرة رمان مازالت حتى الآن.

أعدّ النحت جزءاً من كياني وروحي التي ابتعدت عني لفترة ثم عادت إليّ، فنحن أجساد فانية، والحياة مع الفن كمن يدخل هوة عميقة كلما ظننت أنك عرفتها أكثر، بدت أعمق وأكثر اتساعاً. فالأخشاب بالنسبة لي روح تفنى معنا ولا ندركها، والنحت إله، حين بدأ الإنسان بالفن، بدأ النحت وصنع منه إلهاً له، وكانت هذه الطريقة الأقرب لتوضيح ما يفكر به

لم أتوقف عن النحت والرسم، حيث سافرت إلى "بيروت" عام 1988، ومكثت هناك نحو عشر سنوات، وفي هذه الأثناء اهتممت فقط بدراستي الخاصة عن الفنون.

من أعماله

في عام 2000 كانت عودتي إلى "سورية"، وكانت أولى منحوتاتي في محطة على شكل وردة بارتفاع ثلاثة أمتار، وعرض ستة أمتار، ولي أعمال صخرية في منزل "محمد الماغوط" في مدينة "سلمية"، لكن لم أقم أي معرض في "سورية" حتى هاجرت إلى أوروبا».

ويتابع عن المعارض والجوائز التي حصل عليها: «كان المعرض الأول لي بعد وصولي إلى "بلجيكا" بثلاثة أشهر، قدمت فيه أربعين عملاً من الطين والخشب والصخر في مدينة "نامور" البلجيكية في الشهر الثالث من عام 2016، وفي العام نفسه وبعد شهرين أقمت معرضي الثاني في المدينة نفسها مع فنان فلسطيني وفنانة لبنانية، ثم دخلت جامعة "نامور" في شهر كانون الثاني عام 2016، حيث تدربت على "الموديل"؛ أي تفاصيل الجسد بدقة، وكان هذا يعدّ دورة دراسية، وفي ذات العام في شهر تموز حصلت على استضافة في جامعة "لوزن فان" البلجيكية لمدة خمسة عشر يوماً، وأقمت فيها معرضي الثالث، وبعدها انتقلت إلى "خنت" المدينة التي فيها حالياً، وأقمت معرضي الرابع في "البيت الهولندي".

مع أحد تماثيله

بدأت العمل في المتحف، وخلال شهر أيار من عام 2018 شاركت في المسابقة العالمية في فرنسا "يوبيل آرتس"، وحصلت على المركز الأول في مجال النحت، ورشحت إلى المسابقة العالمية التي أقيمت في "البرتغال" وشارك فيها مئتا فنان من 24 دولة.

وخلال شهر تموز من هذه السنة أقمت معرضاً مع وزارة العمل والبلدية في "خنت"، وكان مهماً بالنسبة لي؛ لأنه مع الدولة مباشرة».

لوحة فنية

يتابع عن علاقته مع النحت: «أعدّ النحت جزءاً من كياني وروحي التي ابتعدت عني لفترة ثم عادت إليّ، فنحن أجساد فانية، والحياة مع الفن كمن يدخل هوة عميقة كلما ظننت أنك عرفتها أكثر، بدت أعمق وأكثر اتساعاً.

فالأخشاب بالنسبة لي روح تفنى معنا ولا ندركها، والنحت إله، حين بدأ الإنسان بالفن، بدأ النحت وصنع منه إلهاً له، وكانت هذه الطريقة الأقرب لتوضيح ما يفكر به».

ويكمل عن الشخصية التي تلهمه ومشاريعه في مكان إقامته الحالي: «كنت من محبي أعمال "جان آرث" جداً، لكن من دفعني إلى النحت أكثر الأعمدة والتيجان التي كنت أشاهدها بجانب مقام الإمام "إسماعيل" في مدينة "سلمية"، فالتيجان التي عددها اثنا عشر عندما شاهدتها أول مرة وعلقت في ذاكرتي أعطتني شغف حب النحت والمقدرة على ذلك.

الآن أسعى ليكون لي اسم كـ"مايكل أنجلو"، أو "جان آرث"، وهذا ليس حلماً فقط، بل قيد الإنجاز، وبدأت أخذ الأفكار من الشعر الذي أكتبه ليكون عملاً فريداً بفلسفة خاصة».

وتخبرنا الكاتبة والإعلامية "نوال شريف" عما يميز شخصية وأعمال "ورد" بالقول: «قبل أن يكون نحاتاً فهو فيلسوف، يجعل السؤال قاعدة لانطلاق أعماله الإبداعية، وكأنه يحمل بكفه حجرة العذاب الأبدي، ويحمل معه "زيوس" أيضاً، من خلال أعماله نستطيع أن نرى بوضوح كيف يسعى هذا النحات إلى ترميم ما هدمته الحروب من أوطان وبيوت، وكيف يلملم بكل تفانٍ هذا الكمّ من القلوب المنكسرة. هو النحات الذي ينفخ بأعماله الروح الإنسانية والتعايش والحب. "أوس" تجربة نحت فريدة، ورؤية حديثة لنظرية الخلق والابتكار، وفكرة هدم من أجل إعادة بناء أكثر امتداداً وخلوداً».

يذكر أن "أوس ورد" من مواليد مدينة "سلمية"، ناحية "السعن"، عام 1970.