اختار الشاعر "أحمد نصرة" الوقوف على الضفة المغايرة، حيث أجاد استخدام السرد المتقطع وأسلوب التعبير الإيحائي والقصة الشعرية لنقل رسائل ذات مغزى ضمن مجموعات شعرية تُولّد حواراً ذهنياً يدفع المتلقي إلى الرؤية بمخيلته.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 3 تشرين الثاني 2018، الشاعر "أحمد نصرة" ليتحدث حول بدايته بنظم الشعر، فقال: «أنا من بيئة عانت الترحال الدائم بين المحافظات بسبب الوضع المادي الصعب، وضرورات البحث عن لقمة العيش، وبسبب الانتماء العفوي إلى الطبيعة وخاصة طبيعة قريتي "الشيحة" المتوضعة على قمم الجبال في منطقة "مصياف"، حيث لا مكان سوى للفضاءات الرحبة والصفاء والامتداد اللا متناهي للروح؛ كانت بداية تكوّن وعيي الفطري لجهة الهم الإنساني والوطني لإلغاء استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وبناء عالم جميل حيث لا مكان ولا زمان سوى للفرح؛ هذا الانتماء الذي تعزّز بالقراءة ومحاولة الاطلاع على مختلف صنوف الفكر والأدب والفن والفلسفة، مقروناً بالانخراط العملي بالحياة السياسية، حيث قرأت كل ما وصل إلي من الأدب السوري والعربي والعالمي، وكنت في هذا شغوفاً إلى درجة أن الأهل والأصدقاء كانوا يطلقون عليَّ لقب "جرذ الكتب".

حاملاً سرَّ كينونتي، أغشى عن إيقاع الحياة.. ألج نافذتي إليَّ وأنشدني.. أنا السنديانة، والماء ظليّ. ## لرائحته، صوتُ روحك، ## لمعبرها، جسدك لاشتعال الصورة في حرائق المعنى ## لجنون، لا يغيب في الغياب ## لوعي، لا يحضر في الحضور للرعشة، لا غائبة، ولا حاضرة لما تقدّمَ، وما تأخّر، وما يكون له من أسباب ## أذِّن ## ... قد ## قامت الصلاة

أولى محاولاتي في الكتابة تزامنت عندما مرض والدي الشاعر "سمير نصرة"، وهو شاعر كتب باللغتين العربية والألمانية، وكان صديقي ومثلي الأعلى في الحياة، وأنا مدين له بما أنا عليه اليوم، فقد كنت أقرأ له يومياً بسبب عجزه، مستفيداً من ملاحظاته، ولا أنسى دور والدتي التي كانت إلى جانبي لكونها أمّاً فنت نفسها لنؤسس لذواتنا مكاناً في هذا العالم، فهي تمتلك ذائقة رفيعة تجاه الشعر، توجهني نحو الأرقّ والأعمق».

ديوانه الشعري "يشبهني هذا الموت"

وعن الشعراء الذين تأثر بهم خلال مسيرته الشعرية، أضاف: «مثل كل أبناء جيلي المنتمي، تأثرت بأسماء ساهمت في تكوين وعي المرحلة، مثل: "محمود درويش"، و"ناظم حكمت"، و"نيرودا"، و"ماركيز"، وغيرهم. وهناك أعلام أجانب، مثل: "رامبو"، و"كافكا"، و"دويستوفيسكي". ولمدة طويلة من الزمن شغلني الأدب الصوفي، فقرأت لـ"الحلاج"، و"ابن عربي"، واطلعت على تجربة "جلال الدين الرومي"، و"شمس التبريزي"، وقرأت للشاعر السوري الكبير "أدونيس"، وأعجبني الشاعر "محمود السيد" ولا سيما في مجموعته الشعرية "سهر الورد"، لكنني مدين للشاعر "أنطونيو سيونيس" الذي تعلّمت منه التكثيف والاختزال مع الحفاظ على جمال الصورة وسهولتها وعمقها».

وعن علاقته بالشعر والألوان والأجناس التي يكتبها، وأهم منشوراته، قال: «مفرداتي هي هذا المزج بين الطبيعة بما هي عليه من تنوع لا متناهٍ، وبين النزوع الإنساني. وعلاقتي بالشعر علاقة طفل لن يكبر؛ يرقص فرحاً بمفردات نصه، لذلك لا أعيد قراءة النص قبل نشره ولا أعدّل بمفرداته، ولا أقتل عفويته وأتركه على عيوبه؛ لأنه بغير ذلك سيكون صنعة جوفاء لا أجد نفسي فيها. أكتب النص النثري وأريد من خلاله رسم صورة لإنسان حر نبيل، ومحاولاتي الأولى كانت أثناء مرض والدي بنص نثري أحببت أن أهديه إياه، وفوجئت بأن النص أعجبه؛ وهو ما كوّن لديّ حافزاً وثقة بالنفس، وبناء على رغبته برؤية أعمال لي قبل مغادرته الحياة كتبت مجموعتي الأولى "توضأت بنبيذ" الصادرة عن دار "أرواد" للنشر عام 2013، لأتبعها بمجوعة أخرى تحت عنوان: "يشبهني هذا الموت" الصادرة عن دار "الينابيع" عام 2014، وأخرى بعنوان: "أنعم بالعمى" عن دار "بعل" عام 2016».

أنعم بالعمى

ومن إحدى قصائدي أختار هذه المقطوعة:

«حاملاً سرَّ كينونتي، أغشى عن إيقاع الحياة..

ألج نافذتي إليَّ وأنشدني..

أنا السنديانة، والماء ظليّ.

لرائحته، صوتُ روحك،

لمعبرها، جسدك

لاشتعال الصورة في حرائق المعنى

لجنون، لا يغيب في الغياب

لوعي، لا يحضر في الحضور

للرعشة، لا غائبة، ولا حاضرة

لما تقدّمَ، وما تأخّر، وما يكون له من أسباب

أذِّن

... قد

قامت الصلاة».

بدورها الشاعرة والناقدة والصحفية "سمر محفوظ" حدثتنا عن تجربته الشعرية قائلة: «"أحمد نصرة" شاعر يستحق المتابعة، يعمل على إعادة إنتاج قيم شغوفة بالرقة المطلقة؛ حيث ينتمي إلى نموذج خاص في الكتابة الشعرية، مُتنه التكثيف من دون أثقال، ويمكن القول بجدارة هي كثافة الخفة التي تشعرك بوجوب الاختزال، وأن جمالاً ما سيصدمك في الجملة التالية. وقد بدأ مؤخراً الاتجاه إلى الكتابة ضمن ما يسمى مبنى النص ما بعد النثري يلتقي باقتضابه الرهيف في مخيلتنا غير مهتم بما يتكون، حيث لا مفاتيح جاهزة لأي فهم مسبق، بل دهشة تؤهل لدهشة تالية. الصورة الشعرية لديه على كامل مساحة النص، كما يعمل لخلق حوار ذهني يدفعنا باتجاه الرؤية بعين مخيلتنا، حيث الصورة المبتكرة والمختزنة لما سبق من مشاهد وأحداث.

اللقاء مع "أحمد نصرة" متلبس، فهو يتعامل مع الشعر بوصفه إنصافاً للحاضر، وبذات الوقت يؤسس اشتغاله مع الإبداع عموماً والنثر خاصة قائم على تسجيل الغياب وترسيخ الهامش، وضبط العلاقة اللازمة نحو التعبير عن إمكانيات لا محدودة».

يذكر أن الشاعر "أحمد نصرة" من مواليد "حماة" عام 1966، حائز على دراسات عليا في العلاقات السياسية الدولية، يحضّر لنيل درجة الدكتوراه في الأبحاث الاستراتيجية وإدارة الأعمال، حاصل على عدد من التكريمات خلال مشاركته بالعديد من الأمسيات الشعرية في مختلف المحافظات السورية.