أجمع القدامى على أنه أحد الثلاثة الذين ذاع صيتهم في فنون الشعر الأموي، وأنه كان يجري في شعره على سنن الشعراء الجاهليين. امتاز بالجزالة وطول النفس وسلامة التعبير وحسن السبك.

مدونة وطن "eSyria" وفي إطار توثيقها للشخصيات التاريخية السورية، التقت الباحث "نوري مصطفى العباس" ليحدثنا عن الشاعر "الأخطل الكبير"، فقال: «هو "أبو مالك غياث بن غوث بن الصلت التغلبي" شاعر أموي فحل، وأحد شعراء النقائض البارزين، ينتمي إلى قبيلة تغلب، وهي قبيلة كثيرة العدد، منيعة الجانب، كانت تنزل أراضي الجزيرة بين دجلة والفرات، وقد غلب على الشاعر لقب "الأخطل" لسفاهته وسلاطة لسانه. ولد في ديار قومه بـ"الجزيرة"، ونشأ فيها نشأة بدوية خالصة، وظهر ميله إلى قول الشعر، ولا سيما الهجاء، وقد حفلت القبيلة بعدد كبير من الشعراء، منهم: "المهلهل"، و"عمرو بن كلثوم"، و"أبو أجأ"، و"شبيب بن جعيل"، و"ليلى بنت الحمارس"، و"كعب بن جعيل"، و"أعشى تغلب"، وغيرهم. إلى هذه القبيلة انتسب "الأخطل"، وفيها عاش، ومنها اكتسب القوة والاعتزاز، ولدينها انتمى من دون أن يشعر بالدونية في دولة تدين بالإسلام وتطبق الشريعة الإسلامية، بل على العكس من ذلك، أشعره تمسكه بالدين المسيحي، بالتميز لدى الجميع، فهو عربي من قبيلة عربية معروفة، وكان لها دور بارز في نصرة الحكم الأموي الذي اعترف حكامه بفضل "تغلب" عليهم، فأحسنوا إليهم وكرموا رجالهم وفرسانهم وشعراءهم إلى درجة أصبح "الأخطل" شاعر بني أمية المنافح عنهم، والمزلزل لأعدائهم.

تحفل النقائض بتراث القبائل التي ينتمي إليها الشعراء، وتعدّ سجلاً لتاريخ العرب، وإن المتتبع لشعراء النقائض يلاحظ اختلاف طرائق تعبيرهم في الخطاب، فهم ما بين أسلوب الخطاب المباشر أو الحديث بلغة الفرد أو الجماعة. ولجوء أصحاب النقائض إلى السخرية كثيراً والمجون الساخر أحياناً، وإن دل هذا على شيء، فإنه يدل على تفتح الذهن العربي في تشقيق المعاني واستنباط الصور وإبرازها؛ وهذا ما برز به الشاعر الجزراوي الكبير "الأخطل غياث بن غوث"، ومن أبرز ما قاله في الردّ على "جرير": "قبح الله بني كليب إنهم... لا يحفظون محارم الجار قوم إذا الحقين بطونهم... لم يفزعوا بقوارع الفرقان"

اختلف الباحثون في تاريخ ميلاده، لكن من خلال بعض الحقائق التاريخية، توضح أنه كان شاباً في عهد "معاوية بن أبي سفيان"، وكهلاً أحنت الأيام ظهره في عهد "عبد الملك بن مروان"، ويمكن أن نقول بارتياح إنه ولد سنة 19 هجرية أو نحو 640 ميلادية. أول شعر للأخطل وهو غلام كان هجاءه لزوجة أبيه التي كانت تخص أبناءها بالرعاية وتقسو عليه؛ وهو ما جعله يعيش تجربة صعبة كطفل حرم من حنان أمه».

رشيد العبيد

ويضيف عن مكانته الكبيرة في مجتمعه الأموي بالقول: «انقطع "الأخطل" إلى بني أمية، وقال فيهم أجود مدائحه، وهجا أعداءهم، وكان مديحه من أجود ما قيل من الشعر السياسي في العصر الأموي، وكان من أجود مدائحه فيهم رائيته "خف القطين"، التي يقول في مطلعها:

"حُشْدٌ على الحق عيّافو الخنى أُنُفٌ... إذا ألمّــت بهم مكروهــة صبــروا

نوري العباس

شُمْــس العداوة حتى يســتقاد لهــم... وأعظــم الناس أحلامــاً إذا قــدروا"

كما رُوِيَ أن "عبد الملك بن مروان" عندما سـمع القصيدة، قال: "ويحك يا أخطل، أتريــد أن أكتب إلى الآفاق أنك أشـــعر العرب"، قال: "أكتفي بقول أمير المؤمنين"، ثم خرج به مولى لعبد الملك على الناس، يقول: "هذا شاعر أمير المؤمنين، هذا أشعر العرب".

ونشير إلى شهادات شعراء عصره فيه، فقال عنه "جرير" 653ــ733م: أرمانا للفرائص وأمدحنا للملوك وأوصفنا للخمر والحمر. ثم قال: ما هُجينا بقول أشـدّ علينا من قول الأخطل:

"قومٌ إذا استنبحَ الأضيافُ كَلْبَهُمُ... قالوا لأمّهم بولي على النارِ

أما شهادة الفرزدق 641ــ732م فيه يوم سأله "ضوء بن اللجلاج" في "الكوفة": "مَنْ أمدحُ أهل الإسلام؟" قال: "الأخطل أمدح العرب"».

ويقول "العباس" عن تميّز "الأخطل" بالنقائض: «لا بد أن نعرف النقيضة قبل التكلم عن تميز شاعرنا، فالنقيضة هي أن يقوم الشاعر بنظم قصيدة يتفاخر فيها بقبيلته يمجدّها ويدافع عنها، ويتعرض لخصومها من القبائل الأخرى، وينبري له شاعر تلك القبيلة ليردّ عليه بقصيدة بذات الوزن والقافية؛ وهذا ما برع به شاعرنا الكبير، حيث تقول الكتب: كان "جرير" قطب الرحى الذي يطحن عليه الداخلون غمار هذه المعركة الأدبية، ولم يصمد أمامه إلا "الفرزدق" و"الأخطل". ومن نقائض "الأخطل" ردّه على "جرير":

"ما زال فينا رباط الخيل مَعلمةً... وفي كليب رباط الذُّلِّ والعارِ"

يبقى "الأخطل" ابن الجزيرة السورية، شاعر يشار إليه بالبنان، له قيمته الأدبية التي تعادل كبار الشعراء في العصر الأموي. وقد توفي عام 92هجري».

أما "رشاد العبيد" الباحث والمدرّس، فيقول: «تحفل النقائض بتراث القبائل التي ينتمي إليها الشعراء، وتعدّ سجلاً لتاريخ العرب، وإن المتتبع لشعراء النقائض يلاحظ اختلاف طرائق تعبيرهم في الخطاب، فهم ما بين أسلوب الخطاب المباشر أو الحديث بلغة الفرد أو الجماعة. ولجوء أصحاب النقائض إلى السخرية كثيراً والمجون الساخر أحياناً، وإن دل هذا على شيء، فإنه يدل على تفتح الذهن العربي في تشقيق المعاني واستنباط الصور وإبرازها؛ وهذا ما برز به الشاعر الجزراوي الكبير "الأخطل غياث بن غوث"، ومن أبرز ما قاله في الردّ على "جرير":

"قبح الله بني كليب إنهم... لا يحفظون محارم الجار

قوم إذا الحقين بطونهم... لم يفزعوا بقوارع الفرقان"».