هو فنان مجدّد وعازف لا يشقّ له غبار، هو إمام الغناء العربي، عبقري ومثقف ومتفرد بألحانه، ومكانته لم يصل إليها أحد في الموسيقا من قبل؛ ابن الجزيرة السورية الطائر الغريد "زرياب".

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 17 نيسان 2018، وفي إطار بحثها عن الكنوز وإماطة اللثام عن شخصيات كان لها دور على صعيد الثقافة السورية، وبغية التأكيد على انتماء "زرياب" إلى الجزيرة السورية، التقت الباحث والكاتب "إبراهيم عواد خلف" ليحدثنا عن "زرياب"، فقال: «هو "أبو الحسن علي بن نافع" الملقب "زرياب"، الذي ولد في جزيرة "ابن عمر" السورية "بوتان" سنة 173هـ، 789م، وليس كما يقال إنه ولد في "الموصل"، لكنه انتقل إليها ليواصل تعليمه فيها في صغره، وسمي "زرياب الموصلي".

لم يكن "زرياب" مهتماً فقط بالموسيقا والغناء، وإنما كان مهتماً بالكثير من الجوانب بما فيها الأزياء وعلم الجمال وفنون الطبخ وتنظيم الموائد، إضافة إلى الشعر وعلوم التاريخ والسيّر والتراجم والجغرافية وأمور البلدان وعلم الاجتماع؛ فهو لم يتميز في الحضارة العربية فقط، بل في الحضارة الغربية أيضاً

لم يكتفِ بعلم "الموصل"، فاتجه إلى "بغداد" لينهل من علومها وثقافتها، ولشغفه بالموسيقا بحث عن أهم الموسيقيين والمغنين في ذلك العصر، فوجد ضالته عند "إسحق الموصلي"، الذي تتلمذ على يده، وأصبح من ألمع تلاميذه، أما لماذا لقب بـ"زرياب"؟ فهو نسبة إلى طائر لونه بين الأسود والرمادي عذب الصوت، وباللغة الفارسية تعني كلمة "زرياب" ماء الذهب؛ فلقب بـ"زرياب" لأنه عذب الصوت، فصيح اللسان».

الباحث إبراهيم الخلف

ويضيف "الخلف": «لقد كان "زرياب" من أنبه تلاميذ "إسحق الموصلي" وأكثرهم إبداعاً في الموسيقا والغناء، وكان يتدرب على إعادة بعض ألحان أستاذه مع بعض التغيرات البسيطة، ثم أتقن الغناء واللحن وتفوق على أستاذه، وكان "الموصلي" سبباً في دخول "زرياب" إلى قصر الخلافة؛ وذلك عندما طلب منه "هارون الرشيد" صوتاً جديداً ليسمعه، فاختار "الموصلي" "زرياب" لثقته بإبداعه وجمال صوته وإجادته التامة للموسيقا، وكان "زرياب" عند حسن الظن، وخاصة عندما سأله "هارون الرشيد" عن بعض الأمور التي تتعلق بالموسيقا، فيقول عنه "المقري": أعرب "زرياب" خلال لقائه الأول مع "الرشيد" عن نفسه بأحسن منطق وأوجز خطاب حتى بات مقرّباً من "الرشيد"».

أما عن هجرته إلى "الأندلس"، فيقول "الخلف": «لقد كان "زرياب" على مستوى عالٍ من الفطنة والذكاء؛ لذا أحسّ بأن قربه من "الرشيد" ولّد نوعاً من البغضاء والتباعد والحسد لدى أستاذه "الموصلي"، فقرر أن ينتقل إلى بلاد لا يحكمها "العباسيون"، فكان خياره بلاد "الأندلس"؛ وهذا ما أكده "ابن عبد ربه" صاحب "العقد الفريد" والمستشرق "كارل بروكلمان". أما لماذا "الأندلس"، فلأنه أدرك أن تلك البلاد كانت تنعم في ذاك الوقت بالأمن والأمان والازدهار الاقتصادي والتقدم العلمي والحضاري الذي يستوعب إمكاناته العالية في الموسيقا والغناء وبقية الجوانب التي يبدع فيها.

صورة تعبيرية عن الأندلس ورحلة زرياب

وكان الأمير "عبد الرحمن بن الحكم" ينتظره بفارغ الصبر، وهنا بدأت قصة جديدة لـ"زرياب" مع الإبداع، فقد وجد لديه أهل "الأندلس" معرفة تامة بالموسيقا والغناء والألحان، وأحوال الأمم والخلفاء، وأخبار العلماء ومؤلفاتهم، والشعراء وأشعارهم، فبات نديماً للخلفاء والأمراء، يقول عنه المستشرق "بروفنسال": (إن إقامة "زرياب" في "قرطبة" كانت عاملاً من العوامل ذات الأثر الكبير في تطور "الأندلس" بشكل كبير).

وأسس "زرياب" أول مدرسة لتعليم علوم الموسيقا والغناء في "الأندلس"، وهو السبب في ابتكار فن الموشح، ويعود إليه الفضل في زيادة أوتار العود إلى خمسة بعدما كانت أربعة.

لقد كان "زرياب" عالماً موسوعياً في الموسيقا والغناء وعلم الجمال وفي الأدب والتاريخ، ولقد أعطى نموذجاً متكاملاً لما يجب أن يكون عليه الفنان من الموهبة والعلم».

أما الباحث "أيهم إسماعيل حمدوش"، فيقول عنه: «لم يكن "زرياب" مهتماً فقط بالموسيقا والغناء، وإنما كان مهتماً بالكثير من الجوانب بما فيها الأزياء وعلم الجمال وفنون الطبخ وتنظيم الموائد، إضافة إلى الشعر وعلوم التاريخ والسيّر والتراجم والجغرافية وأمور البلدان وعلم الاجتماع؛ فهو لم يتميز في الحضارة العربية فقط، بل في الحضارة الغربية أيضاً».

يذكر أن "زرياب" تزوّج وكان لديه عشرة أبناء.