بمجرد صعودها إلى المنبر، يتدلى الشعر منها كما تتدلى عناقيد العنب، وتأسرك اللحظة كما تأسرك الكلمة، فتذهب بك بعيداً إلى خارج الزمن، وتعيدك إلى الواقع في رحلة أقل ما تسمى الدهشة.

مدونة وطن "eSyria" وفي إطار بحثها عن الأشخاص الذين يثرون الحياة الثقافية بنتاجهم وإبداعهم، بتاريخ 4 حزيران 2018، التقت الشاعرة "نجاح عبيد" لتحدثنا عن تجربتها الأدبية، فقالت: «بدايتي مع الأدب كانت منذ الطفولة، فقد نشأت في بيت كان هاجسه الأكبر العلم والأدب، وكان أبي الذي رحل عن الدنيا سابق لعصره ذاك الوقت، لأن البيئة الاجتماعية السائدة لا تشجع على الولوج إلى عالم الأدب والشعر. كنت طالبة أعشق القراءة، فأحلم مع "نزار قباني"، وأسافر مع "محمود درويش"، و"السياب"، وأقرأ "أمرؤ القيس" حتى أصل إلى "أبو فراس الحمداني"، ناهيك عن الرواية والقصة التي كانت تأخذني إلى عوالم دافئة لا يمكن الولوج إليها ما لم تكن محباً لذلك. هذا كان حالي إلى أن تفتق الزهر، وبدأت أقرض الشعر، لكنني كنت أحتفظ به لنفسي، كنت أخاف المنبر ولقاء الجمهور، وكل نتاجي يبقى حبيس الأدراج إلى أن تزوجت، فكان زوجي العون والمشجع لكي أعرض نتاجي الشعري إلى الجمهور. وبدأت أشارك بالأصبوحات والأمسيات الشعرية».

هي صوت نسائي أخفى نفسه طويلاً، ولم يظهر على المنابر إلا بعد حين، وفوجئ الجمهور بهذه القامة الشعرية العابقة بالأصالة والتميز، كانت الصوت النسائي في "الجزيرة السورية". وأظن أنها أطالت الغياب وظلمت موهبتها كشاعرة، وعندما برزت، استطاعت أن تشق غمار بحور الشعر بكل ثقة لما تتميز به من حسن الإلقاء، وجزالة الكلمة، وفخامة المعنى، وما زال لديها الكثير لتسحرنا به، وتغني الحراك الثقافي النسائي في "الحسكة"

وتضيف "نجاح العبيد" عن أزمة الشعر النسوي في "الجزيرة" بالقول: «مازال الشعر في الجزيرة، وأخص الشاعرات، وإن علون في شعرهن، لكنه في البواكير لظروف شتى، منها: البيئة الاجتماعية التي نعيش فيها، والتي تضع الحواجز أمام المرأة في عرض النتاج الثقافي، لكن في المدة الأخيرة بدأ الحراك الثقافي، ولا سيما لدى المرأة ينشط ويكثر، وهو شيء مخالف للواقع لأننا نعيش في أزمة وطن، والآن بدأ الجرح يندمل ويتعافى، لكن شاعرات الجزيرة استحضرن حضارة سبعة الآلاف سنة، وظهر المعدن الحقيقي للمرأة السورية عامة والجزراوية خاصة. كما أن هناك جيلاً جديداً أبهرني مستواه، والكم الثقافي الذي يتمتع به، لذلك لا خوف على المستقبل الأدبي والثقافي في الجزيرة، وهذا ما سنراه جلياً عند زوال الغمة التي تلف الوطن، وهي في خواتيمها».

من إحدى أمسياتها الشعرية

وعن المواضيع التي طرقت أبوابها، تضيف: «أغلب ما كتبت كان وحي الأزمة، وقد راعني كمية الذين هاجروا من الوطن، فأقول لهم في إحدى قصائدي:

"وحيدة أعبر الطرقات

ينكرني ظلّي

تنكرني أرصفة الشوارع

التي اغتسلت بدموع الغرباء

يحرقني الحنين

يجردني من كل المفردات

عزلاء في خضرة الغياب

إلا من يد تلوح للسلام"

يبقى الوطن وتبقى بلدي هاجسي الأول والأخير، وتراه يصعد في نسغ كل قصيدة كتبتها وأكتبها إلى أن يعود جميلاً آمناً

كما ألفته».

وتقول في قصيدة "وهم الحرية":

"خلسة أعود لشرنقتي

أمارس فيها طقوس فجيعتي

أعتق فيها فيض نزفي

أنا المرتحلة من خيبة إلى خيبة"

يقول عنها "عبد الرحمن السيد " معاون مدير ثقافة "الحسكة": «هي صوت نسائي أخفى نفسه طويلاً، ولم يظهر على المنابر إلا بعد حين، وفوجئ الجمهور بهذه القامة الشعرية العابقة بالأصالة والتميز، كانت الصوت النسائي في "الجزيرة السورية". وأظن أنها أطالت الغياب وظلمت موهبتها كشاعرة، وعندما برزت، استطاعت أن تشق غمار بحور الشعر بكل ثقة لما تتميز به من حسن الإلقاء، وجزالة الكلمة، وفخامة المعنى، وما زال لديها الكثير لتسحرنا به، وتغني الحراك الثقافي النسائي في "الحسكة"».