يعد واحداً من أبرز شعراء المهجر، وأحد أعضاء الرابطة القلمية التي ضّخت إبداعها الأدبي خلال الحربين العالميتين، لازمه فقره الذي انعكس على شعره حتى آخر أيامه، فأعطاه طابعاً خاصاً وأسلوباً مميزاً، هو الشاعر "نسيب عريضة".

مدونة وطن "eSyria" تابعت بتاريخ 3 أيلول 2014، ما كتبه الباحث الراحل "سمير شيخ الأرض" بمجلة "بناة الأجيال" العدد "73" الصادر عام 2009، حيث كتب: «ولد بمدينة "حمص" 1887، درس في مدارس "حمص" الروسية المجانية، وحين ظهر تفوقه أوفدته الجمعية المشرفة عليها ليكمل تعليمه الثانوي في مدرسة المعلمين الروسية في مدينة "الناصرة"، كان شغوفاً بقراءة الكتب العربية من شعر ونثر، وما يذكر أنه كان يعمل أثناء النهار ليهيئ لنفسه ساعات هادئة في المساء يخصصها للقراءة والدراسة والبحث، محاولاً دخول عالم أكثر سمواً من عالم المادة حتى عرف بين أصدقائه بلقب "الموسوعة العربية"، ونتيجة اجتهاده هذا أسس عام 1912 مطبعة "الأتلنتك" التي أصدر عن طريقها بعد عام مجلة "الفنون"، التي لقيت آنذاك سمعة ومكانة جيدة، لكن ظروف الحرب العالمية الأولى لم تسمح لها بالاستمرار فترة طويلة».

إن "نسيب عريضة" كان متواضعاً، ولطيفاً وخجولاً، دائماً يتحاشى النزاع والخصومات المدرسية، وهو ذو لسان طاهر دافئ، لا يتكلم الشر أبداً، وهذه الصفات بقيت ملازمة له طوال حياته، وكان محبوباً محترماً من قبل أساتذته وأصدقائه

وعن علاقته بالشعر يضيف: «امتاز شعره الذي بدأ كتابته وهو في الخامسة عشرة من عمره بأنه كان ذا مدى شاسع، وكان لشاعريته وجه يميزها عن كل شاعرية، ولألحانه رنة تعرف بها بين سائر الألحان، وفي كل ما ينظمه نكهة تختلف عن كل نكهة، والملاحظ أن الفقر الذي كان يعيشه لازمه حتى آخر أيامه، وانعكس على شعره فأعطاه طابعاً خاصاً وأسلوباً مميزاً ظهرت فيه روحه المعذبة وإحساسه بالغربة والوحدة، وتبدو من خلال أشعاره صورة حياته المضطربة، كتب في إحدى قصائده:

الباحث مروان مراد.

"غنّى المغنّي سكون الدّجى

فقال لي صحبي: أما تسمع

قلت: دعوني مطرقاً حائراً

فليس لي في لهوكم مطمع

من لي بأن أطرب والنفس قد

أمست على أسماعها برقع".

وقال في قصيدة أخرى يصف حال من يطمع بالغنى في الحياة:

"لما رأيت العيش لا يشـ... في ولا يروي أوراقي

والناس يزحم بعضهم... بعضاً عدلت عن الزحام

المال ما يبغون لكــن... لست أقنـــع بالحـــطام

عجباً أيطمع بالغنـــى... من ليس يطمع بالدوام".

ومن سمات شعره الحنين إلى وطنه؛ فهو يحن إلى "حمص" مسقط رأسه، وله في ذلك قصيدة رائعة يتمنى فيها من الدهر أن يعيده إلى هذه المدينة التي أحبها، ولو جثة هامدة في الكفن، وأن يكون قبره من حجارتها السوداء قال:

"يا دهرُ قد طالَ البِعادُ عنِ الوطنْ

عُدْ بي إلى حِمصٍ ولو حشوَ الكفن

هل عودة ترجى وقد فات الظَّعَن

واهتفْ أتيتُ بعاثِرٍ مردودِ

واجْـــعَل ضَـــريحي مِـــن حِــجــارٍ سُـــودِ"».

ويتابع: «مر "نسيب عريضة" بظروف صعبة في الاغتراب، لم تساعده على تحقيق حلمه بإصدار ديوانه "الأرواح الحائرة"؛ كل ذلك جعله يتأمل بسر الحياة ووجوده فيها، وقد انعكس ذلك بشعره حين قال:

"رُويدَكِ شمسَ الحَياهْ

فما نالَ قلبي مُناه

ولا تُسرعي في الغُروبْ

وما ذاقَ غيرَ الخُطوب"».

وعن خصائص شعره وما ترك من نتاجات أدبية يقول: «لقد كان متميزاً في شعره، واسع الثقافة، استطاع استخدام أدواته اللغوية بمهارة، ترك العديد من القصص القصيرة، وهي: "ديك الجن، الصمصامة، أسرار البلاط الروسي"؛ وهي قصص مترجمة عن الروسية، إضافة إلى ديوان شعر بعنوان "الأرواح الحائرة"، هذا إضافة إلى كتاباته في عدد من المجلات، مثل: "فنون، مرآة الغرب، الهدى"».

توفي "نسيب عريضة" إثر مرض في القلب والكبد في مدينة "برولين في 25 آذار 1946، ودفن فيها، وكتب أبياتاً من الشعرعنوانها "على قبري" لخصت ظروف حياته الصعبة، قال فيها:

"أقيموا على قبري من الصّخرِ دميةً

يدان بلا جسمٍ تُمدّانِ في الفضا

فيُمناهُما مبسوطةٌ تشحذُ الجَدا

ويُسراهُما فيها فؤادٌ مضرّجٌ

بها رمز عيشي بعدَ موتيَ يُعرَضُ

تُمدّانِ من صخرٍ على القبر يربِضُ

لتُشبِع جوعَ النفسِ والجوعُ يرفضُ

تُقدّمه للناس، والناسُ تُعرضُ".

عنه قال "ميخائيل نعيمة"، وقد ورد ذلك في مجلة "التعليم الجديد" الصادرة في "عمان" بشهر آب 1953: «إن "نسيب عريضة" كان متواضعاً، ولطيفاً وخجولاً، دائماً يتحاشى النزاع والخصومات المدرسية، وهو ذو لسان طاهر دافئ، لا يتكلم الشر أبداً، وهذه الصفات بقيت ملازمة له طوال حياته، وكان محبوباً محترماً من قبل أساتذته وأصدقائه».

عنه قال الباحث "مروان مراد": «شاعر مبدع، أثر بشعره في الأدب العربي، يعد من أهم دعائم النهضة الأدبية المعاصرة، تحلى بالسمو الروحي، ونزع إلى معرفة الحقائق المختفية وراء ضباب المجهول، وقد كانت المزايا الكبرى للشاعر هي حيرته الروحية التي تتجلى في شعره، وطبعتْ أغلب قصائده؛ ما جعله شاعر الحيرة الأكبر بين شعراء العروبة، ولهذا سمى ديوانه "الأرواح الحائرة"، شعر "نسيب" بما يعانيه الأدب العربي من جمود، فعمل على تحريره من هذا الجمود، كما ساهم مع رفاقه في الرابطة القلمية في إبداع متميز بعيد عن التقليد، وسعى إلى خلق المعاني الكبيرة بأسلوب ساحر، وعبارة مشرقة بسيطة، نلمس في شعره حرارة العاطفة، وهي العامل المؤثر في الأدب الوجداني، كذلك اتصف بكثرة تلاعبه بأوزان الشعر؛ ليجعل الشعرمزيجاً لطيفاً من الرقة والرشاقة دون الخروج عن الحس الموسيقي الأصيل، اغْترف من الأدب العربي القديم، واعتنى بترجمة روائع الأدب الروسي، وقد جعله ديوانه الوحيد واحداً من أشهر شعراء المهجر وأجودهم أدباً وإبداعاً».