في ظلّ الظروف الصعبة التي مرّت بها مدينته "حمص"، لم يختر "عزام شيخ السوق" السفر ككثيرين من الشباب، بل أراد أن يقدم يد العون لأفراد مجتمعه، ويساهم في بلسمة جراحهم النفسية والجسدية، ليكون قائداً وريادياً في مجال العمل الإنساني والتطوعي، ويفوز بجائزة الشباب العشرة الأكثر تميّزاً حول العالم لعام 2018 عن هذه الفئة.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت معه عبر مواقع التواصل الاجتماعي بتاريخ 11 كانون الأول 2018، وعن دوافعه للقيام بالعمل التطوعي يقول: «مع تزايد آثار الحرب على سكان "حمص" أحسست بمسؤولية متزايدة لتقديم العون لمجتمعي، بدأت التطوع بالعمل التمريضي ضمن مستشفى "البر" عام 2012، عندما بدأ التناقص الملحوظ بالكوادر الطبية الوطنية، وحينئذٍ كنت أدرس في كلية "الصيدلة"، ونتيجة تأثري بتجربة المستشفى، قررت أن أدرس الطب، عندما لمست تميز هذا المجال بأن مادته الأساسية هي الإنسان، بعد ذلك انتقلت للعمل على الشق النفسي والإغاثي، لمساعدة النازحين المقيمين في مراكز الإيواء، كنا فريقاً صغيراً من الشباب وبإمكانيات محدودة، قمنا بعمل نوعي جداً ركز على النواحي النفسية والاجتماعية والمهنية، وخاصة للأطفال واليافعين، وأطلق حينئذٍ على مشروع جمعية "البرّ" اسم "غراس"؛ تعبيراً عن غرس قيم ومفاهيم ومهارات العمل الجماعي، وتحول ليصبح أكبر مشروع بمشاركة اليافعين في "حمص" بدعم من منظمة "اليونيسيف"، في ذات المدة تطوعت ضمن فرق الإسعاف الأولي مع "الهلال الأحمر العربي السوري"، وفي عام 2013، ومع تقدم الاستجابة الإنسانية، خضت مجموعة من التدريبات، كان أبرزها تدريب مدربي مهارات الحياة الأساسية للأطفال واليافعين، واكتشفت من خلاله شغفي بمجال التدريب، والعمل على تمكين اليافعين وزيادة إشراكهم في القرارات وتوسيع خياراتهم، وكان ذلك من أهم دوافع حلمي في دخول اختصاص الطب النفسي في المستقبل إن شاء الله».

أعرفه منذ بداية عام 2016، من خلال فريق متطوعي "الوصول" في جمعية "البر" مشروع "سند"، حيث انضممت حينئذٍ إلى الفريق، وهو كان المنسق له، لم يكن مديراً أو منسقاً، بقدر ما كان قائداً له، يعرف قدرات كل شخص في الفريق، ويكلفه بمهمات تبعاً لذلك، كان يشجعنا باستمرار، ويوزّع المهام بأسلوب متقن، واستطاع أن يضع آلية عمل للفريق

وعن عمله كمدرّب ومدير فريق "الوصول" للرعاية الاجتماعية، يقول: «عام 2014 بدأت مع مجموعة من الشباب المتميزين في جمعية "البرّ" تدريب المدربين على مهارات الحياة، وفي عام 2015 تمّ اعتمادي من "اليونيسيف" كمدرّب مهارات حياة، ومن قبل "الهيئة الطبية الدولية" و"مفوضية اللاجئين"، في مجالات حماية الطفل والدعم النفسي والاجتماعي، وفي ذات العام بدأت التدريب مع "المجلس الاستشاري الدنماركي"، حيث بدأت حينئذٍ بوادر مشاريع الرعاية الاجتماعية في "حمص" وتمّ تكليفي من الجمعية لإنشاء فريق متطوعي الوصول بدعم من "مفوضية اللاجئين"، الذي أعدّه من أهم المحطات في مسيرة عملي في المجال الإنساني، خصوصاً أنهم كانوا 100 من المتطوعين الشغوفين، معظمهم من النازحين الذين عانوا من آثار الحرب، يعملون بلا كلل أو ملل لمساعدة الأشخاص الأكثر ضعفاً للوصول إلى الخدمات، وتحريك المجتمع لحلّ مشكلاته بالاعتماد على الذات، حقق الفريق إنجازات هائلة، وساهم مساهمة فعالة في تحسين واقع المحتاجين في المدينة، ثم تطور ليشمل 45 متطوعاً من متطوعي الرعاية المنزلية، الذين يقدمون الدعم للمسنّين وعائلاتهم، لم أشعر يوماً بأنني مدير لهذا الفريق الضخم، لطالما شعرت بأنني واحد منهم؛ أتعلّم منهم ويتعلّمون منّي».

مع الجائزة

وعن تفاصيل ترشحه وحصوله على جائزة "الشباب العشرة الأكثر تميّزاً حول العالم"، يقول: «في عام 2016 بدأت أزمة اللجوء للإخوة العراقيين القادمين من "الموصل" إلى شمال شرق "سورية"، وبدأت العمل حينئذٍ مع "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، وخاصة في مخيمات اللاجئين والنازحين، بوجه أساسي في مجالي الصحة وتحريك المجتمع، وما زلت إلى الآن، وتم ترشيحي لجائزة "الشباب العشرة الأكثر تميّزاً حول العالم" عن فئة الريادة في العمل الإنساني والتطوعي، من قبل الزميلة في العمل الإنساني "أمامة زنكاوان"، كانت في البداية ممن حضروا أحد تدريباتي عن مهارات الحياة، ومتطوعة في فريق "الوصول"، ثم أصبحت مدرّبة زميلة، وهي عضو في "الغرفة الفتية الدولية" في "حمص"، في الحقيقة كنت في البداية معترضاً جداً على الترشيح، لكن بعد مرور الوقت واختياري من بين العشرة على مستوى "سورية"، صعقت بكمّ التشجيع والدعم الذي تلقيته من زملائي في العمل التطوعي، وبدأت أشعر بأنني بذلك لا أعبّر عن نفسي، إنما أعبّر عنهم أيضاً، وعندما تمّ اختياري من قبل اللجنة الدولية من بين العشرين على مستوى العالم، أحسست بمسؤولية أكثر، وبأنني أعبّر عن مجموعة أكبر من الجنود المجهولين في العمل الإنساني في الوطن، وأخيراً بعد فتح عملية التصويت العلني، وصدور قرار لجنة التحكيم الدولية النهائي باختياري من بين الشباب العشرة الأكثر تميّزاً حول العالم في مجال القيادة الإنسانية والتطوعية في شهر تشرين الثاني 2018 في "المؤتمر العالمي للغرفة الفتية الدولية" في "الهند"، شعرت بأن هذه الجائزة لمئات أو ربما آلاف من الشباب السوريين الطموحين، الذين يهدفون إلى بناء مجتمعهم وتحسين واقعهم؛ وهنا كانت السعادة الحقيقية».

وفيما يتعلق برسالته للشباب وطموحاته المستقبلية، يقول: «أهدف علمياً لأتخصص في مجال الطب النفسي، خصوصاً مع الازدياد الهائل للحاجة إليه في "سورية"، وعلى الصعيد العملي أحلم بإنشاء مؤسسة وطنية لبناء قدرات العاملين في المجال النفسي الاجتماعي، وإدارة الكوارث والتنمية المستدامة، تستهدف بوجه أساسي الكوادر الشابة، وتكون رائدة عالمياً في مجال التدريب. ورسالتي للشباب تتمحور حول أن يكون لكل منا دور في المجتمع، وإذا لعبناه بطريقة صحيحة، عاد على المجتمع وعلينا بالفائدة والتطور وتوسيع الآفاق، وإذا تركناه متعللين بسوء الواقع وصعوبة الظروف، تقاعسنا عن العمل، وساهمنا باستمرار الواقع السيئ والظروف الصعبة، و"من تطوع فهو خير له"».

مع المتدربين

بدورها المتطوعة "أمامة زنكاوان" تقول: «أعرفه منذ بداية عام 2016، من خلال فريق متطوعي "الوصول" في جمعية "البر" مشروع "سند"، حيث انضممت حينئذٍ إلى الفريق، وهو كان المنسق له، لم يكن مديراً أو منسقاً، بقدر ما كان قائداً له، يعرف قدرات كل شخص في الفريق، ويكلفه بمهمات تبعاً لذلك، كان يشجعنا باستمرار، ويوزّع المهام بأسلوب متقن، واستطاع أن يضع آلية عمل للفريق».

من جهتها المدير الوطني لبرنامج "الشباب العشرة الأكثر تميّزاً حول العالم" في الغرفة الفتية في "سورية" لسنة 2018 المحامية "لمى الجمل" تقول: «على الرغم من صغر سنّ "عزام"، إلا أنه استطاع أن يكون رائداً في مجتمعه، وبدل أن يستسلم للأزمة التي مرّ بها بلده، حاول أن يساعد بكل ما يستطيع، وهو طالب طب لم يتخرّج بعد، لكنه ساعد في مداواة الجرحى، وتأمين احتياجات النازحين الأساسية، وكانت له الريادة في التوجه لذوي الاحتياجات الخاصة، هذه الفئة المهمشة خلال الأزمة، واستطاع الوصول إلى كل المناطق مهما كانت صعوبة الوصول إليها، وهو قادر على أن يكون مثالاً للشباب الذين حوله وفي مثل عمره، أسّس فريقاً تطوعياً في "حمص" ليساعد الفئات الأكثر ضعفاً، وساعد في تطوير وإنشاء منهج لمهارات الحياة، وتعاون مع "اليونيسف" للتوجه من خلاله إلى الأطفال واليافعين، ودرّب 125 مدرّباً ليصبحوا قادرين على نشر مهارات الحياة في المناطق القادرين على الوصول إليها في أنحاء "سورية"».

أثناء الحصول على الجائزة في "الهند"

يذكر، أن "عزام شيخ السوق" من مواليد محافظة "حمص" عام 1993، وهو طالب طب سنة سادسة في جامعة "البعث".