نهم للقراءة وخبرة تراكمية حولته إلى قامة ورائد من رواد الفن على مستوى الوطن العربي، ليقدم كمّاً هائلاً من إبداعاته لكبار الفنانين العرب، ويكون ظاهرة إبداعية متفردة.

مدونة وطن "eSyria" التقت الشاعر "عصام جنيد" بتاريخ 28 كانون الثاني 2018، ليحدثنا كيف ظهرت بذور الإبداع لديه ونمت، وكيف ساهمت أسرته في صقل موهبته، فقال: «لا شك أن لأسرتي أثراً كبيراً في رعاية موهبتي، فقد كان همُّهم الأول الإبداع واقتناء الكتب وحضور مجالس الثقافة والفكر، فوالدي شاعرٌ، وعمّي ممن ذاع صيتهم ويعدّ من أشهر من نظم الزجل والعتابا.

صقلت دراسة الأدب العربي موهبتي وفتحت لي نوافذ جديدة، وحققت لي مناخاً أدبياً ومعرفياً وفق مؤثرات ومحددات في النقد والبلاغة والتعرّف إلى عباقرة الشعراء

ظهرت بذور موهبتي مبكراً في الصف الرابع الابتدائي، فوالدي كان يقتني مكتبة عامرة وينكب على قراءة كل ما فيها بشغف كبير، وعندما لمس شغفي بالمطالعة راح يشجعني ويزوّدني بالكتب التي كانت تناسب عمري.

الناقد محمد رستم

وفي المرحلة الثانوية، بدأت كتابة الخاطرة والقصة القصيرة والشعر المحكي وكنت أطلعه على ما أخطّه من كلمات، وكلي ثقة بأن ما أكتبه من شعر لا يقلّ أهمية عما أسمعه في الإذاعة من أشعار اللغة المحكية».

وعند دراسته أضاف: «صقلت دراسة الأدب العربي موهبتي وفتحت لي نوافذ جديدة، وحققت لي مناخاً أدبياً ومعرفياً وفق مؤثرات ومحددات في النقد والبلاغة والتعرّف إلى عباقرة الشعراء».

أما عن خطواته الأولى في إنتاجه الإبداعي، فقال: «منذ يفاعة الشباب وأنا أعيش دفق التعبير حيال مواضيع متنوعة ما بين الخاص والعام، فكنت أحوّلها إلى وريقات حتى غدت خبرة تراكمية، فبدايتي تدفقت على يد الأستاذ "عبد الكريم الناعم" تشجيعاً ومشاركات في الأمسيات، فنتج عنه صدور ديوان شعر بعنوان: "مشوار"، وهكذا اتسع حضوري، فجاءت اليد الكريمة للأستاذ "منير الأحمد" الذي كان يشغل وقتئذٍ منصب رئيس لجنة النصوص الغنائية، وشرف لأعمالي النجاح مع هذه القامة، ثم انتشرت نصوصي الغنائية، فتواصل معي الكثيرون من المطربين والملحنين، وكان للأثير جسراً للتوصل إلى أذواق الناس، ثم الحضور النوعي الذي امتد إلى خارج الوطن لأكثر من ملحن ومطرب على مستوى الوطن الكبير، أمثال: "وائل كفوري، وعازار حبيب، ومروان محفوظ، كلودا الشمالي، داليدا رحمة"».

وعن تجربته مع كبار الفنانين، قال: «كانت البداية مع الراحل "فؤاد غازي" بأغنيات لامست وجدان الناس ولاقت قبولاً كبيراً، وكذلك الأمر مع "إلياس كرم"، ولا سيّما بأغنية "يا وليف الزين" التي حققت حضوراً مميزاً؛ وهي ما بين التراث والمعاصرة، وقد صدحت حناجر مئات الفنانين بكلمات الأغاني التي ألّفتها، ولي مع الأسطورة "صباح" مجموعة أغنيات في مسرحيتها الأخيرة "كنز الأسطورة"؛ وهذا يعدّ إنجازاً كبيراً لي على مستوى الوطن وبلاد الانتشار».

وعن مشاركاته في العديد من البرامج الإذاعية، كبرنامج شعر زجلي الذي يقدمه الشعراء "عيسى أيوب، وحسين حمزة، ومحمد جومر" بعنوان: "كرم وعناقيد"، قال: «شاركت بثماني حلقات من برنامج "كرم وعناقيد" من إعدادي كتابة وتقديماً؛ وهو ما عزّز من قيمة ما أكتب من خلال وجودي مع الأساتذة المذكورين وما يرد من تقييمات وأفكار ومشاعر من قبل المستمعين، بعد ذلك أصدرت ديواناً بعنوان: "مشوار زجل"، وبناء على نصيحة من الأستاذ "علي كنعان" انتقلت إلى كتابة الأغاني التي وجدت نفسي فيها».

"محمد رستم" الناقد والصديق القديم للشاعر "جنيد"، قال: «تربطني بشاعر الأغنية الراقية الأستاذ "عصام جنيد" صداقة قديمة تقارب الثلاثين عاماً، ومنذ عرفته بهرتني شدّة إحساسه بالكلمة ووقعها الموسيقي وروعة عفويتها، وتمكنه من صوغ الجملة الشعرية الشفافة القريبة من القلب بأبسط الكلمات المحببة لمزاجيّة الناس يسعفه في ذلك ذخيرة أدبية وذوق رفيع.

هو قامة من ضوء صقل إبداعه بموهبة أصيلة مخمّرة بعبق الثقافة الرفيعة، فارتقى سلّم الشهرة على طبق من تألق، فغدا محجاً لكبار الفنانين وتهافتوا على أدبه لينالوا بعضاً من ومض بريقه، وأغبط نفسي لأنني قريب منه أستمد من إشراقات فكره وشذراته النقديّة.

هو يرفض بشدّة أن ينحدر الفن الغنائي إلى عالم (جنوا نطوا)، حيث تخريب الذوق العام، كما ينغّص عليه صفاءه الإباحية المستترة بالعفة، حيث تغدو الكلمة عارية من طهر البراءة حيناً، وساذجة إلى درجة البلاهة حيناً آخر؛ لذلك يحرص على المفردة الراقية النابعة من السجية الإنسانية، ويبتعد عمّا يثير الغرائز الحسية. أخيراً، هو صاحب الحرف المؤثّر».

يذكر، أن "عصام جنيد" من مواليد "مصياف" عام 1950، يعيش في مدينة "حمص"، قامت وزارة الثقافة بتكريمه عدة مرات في عدة محافظات؛ "السويداء، ودرعا، ودمشق"، وآخرها العام الماضي في محافظة "حمص".