يواعد الشاعر "عامر الأحمد" قارئه في أعلى الخيال، ويأخذه إلى عالم آخر بنظمه قصائد تنوعت بين الموزون والنثر، ودمجه لوحة الأنثى بالوطن موطن الحلم، فهو الناسك العاشق، والمتمرد الشامخ الواثق بخياراته، والسند المحفز للكثيرين من الشعراء الناشئين.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الشاعر "عامر الأحمد" المقيم في "حمص" بتاريخ 23 كانون الثاني 2019، وبالحديث حول بداياته يقول: «أمضيت سنوات طفولتي متنقلاً بين "حمص" مسقط رأسي، وقريتي في ريف "حماة" التي أغنت روحي بسحر طبيعتها، وعاصيها الذي لازمني لسنوات عدة، عشت ضمن منزل يهتم بالثقافة والفنون، فقد كان والدي مدرّساً للغة العربية، ووالدتي كانت تعمل بمجال التدريس، وتحت رعايتهما كان تميزي الأول في لعبة الشطرنج، حيث حصلت على بطولة "حمص" في أول مشاركة لي، بدأت بعدها رحلتي مع الثقافة بحضور كافة نشاطات المركز الثقافي الأدبية والفنية برفقة والديّ، وفي تلك المرحلة شاركت بالعديد من النشاطات المدرسية. أما اهتمامي بالأدب، فقد بدأ بقراءة كتب النقد التي وفرتها لي مكتبة والديّ، وبعد المرحلة الإعدادية وتحديداً في العطلة الانتصافية قرأت تاريخ الأدب العربي لـ"حنا فاخوري" وسلسلة كتب تاريخ الأدب لـ"شوقي ضيف"، إضافة إلى الأعمال الكاملة للشاعر "نزار قباني"، وفي الصف الأول الثانوي نظمت أول قصيدة فطرية عرضتها حينئذٍ على والدي، فأثنى عليّ ولم يخفِ إعجابه واستغرابه بكتابتي قصيدة عمودية لأول مرة من دون خلل في الوزن أو اللغة كان ذلك محفزاً لي، فازداد اهتمامي بقراءة الشعر، والنقد لكل من "هيغل"، و"صلاح عبد الصبور"، ومؤلفات "محمود درويش"، و"السياب" وغيرهم؛ وهو ما مكنني من كتابة قصيدة التفعيلة إلى جانب العمودي، وقبل أن أنهي المرحلة الثانوية حفظت الكثير من التراث الشعري قديمه وحديثه، وأكتب قصائد عن المرأة والوطن والطبيعة، لكن المرحلة الجامعية كانت الأخصب على الرغم من الاختلاف الشاسع بين دراستي وهوايتي، فقد درست الكيمياء التطبيقية ثم العلوم، لكن في تلك المرحلة كان نشاطي واضحاً بمجال الفن، حيث عملت ممثلاً ومعدّاً، ومخرجاً في المسرح الجامعي، إضافة إلى مشاركتي في المهرجانات الشعرية في كل من "حمص" و"حماة" و"دمشق"».

الهدف من الشعر طرح فكر بديل يساعد من يتلقاه على إعادة التفكير. أما النقد، فهو الوسيلة الأولى لتحفيز الشاعر على خلق الأجمل، ويسهم في التطوير وليس الإحباط شرط أن يبتعد الناقد عن التجريح والشخصنة والانحياز، ولي تجارب كثيرة في النقد شجعت من خلالها الموهوبين، لكن في ذات الوقت همست في آذانهم عن بعض العيوب في نصوصهم، وكنت حاداً بعض الأوقات، لكن من دون أن أربك نصوصهم أمام الجمهور

وعن تعريفه للشعر وأهم منشوراته ومصدر مخزونه الأدبي واللغوي يضيف: «الشعر في حراك دائم؛ لذلك لا يمكن تحديد تعريف عام له، لكن من وجهة نظري الشعر هو التفاعل الداخلي بين الفضاء المكتوب وغير المكتوب، هذا التفاعل هو الفضاء الحيوي الذي تدغم فيه الشعرية مع الرؤية واللغة، والقصيدة في هذا الفضاء هي الطائرة الورقية التي تمر رشيقة في ذاكرة المتلقي من دون أن تجثم على ذاكرته بثقل خطاب. أما مخزوني الأدبي، فأقول جازماً إن الشعر موهبة قد تتفاوت في نضجها بين شاعر وآخر، يمكن دعمها بالقراءة والمتابعة الحثيثة؛ وهو ما عملت عليه، فإضافة إلى نشأتي ضمن وسط يهتم بالثقافة عمدت إلى توسيع مدى معرفتي بقراءة الكثير عن الفلسفة والنقد والحداثة الشعرية، فكان الكتاب صديقاً حميماً طوال مدة دراستي، قرأت الأدب العالمي شعراً ورواية وقصة، وتعلقت بالكتابة السوريالية والنصوص الصعبة، كما شاركت بعدد من المهرجانات الفنية والشعرية إلى أن وقعت الحرب على "سورية"، فكان الدور للكلمة، فانكفأت بحماسة على الكتابة وأصدرت ثلاثة دواوين من الشعر الموزون والعمودي وشعر التفعيلة، إضافة إلى خمسة مخطوطات شعرية ونثرية، ورواية، وقصة. وهذا بعض ما كتبته في قصيدة عمودية بعنوان "بديل":

ديوانه "أنت الشعر"

"غافلتُ موتي واختلفتُ حلولا

في ما تبرزخ من هواك أفولا

فلتقرعي حبق الرّجوع بخطوةٍ

ديوانه "بتول الشعر"

نشوى يرددها الفراغ دليلا

ولتقرئي أفقي حمائم رغبةٍ

تعلو على شجر الحواس هديلا

لي في بياضك شهوةٌ ضليلةٌ

فوق السراب نزفتها تقبيلا

لي ما أضاجع من هواءٍ أجعدٍ

يلد الحياة غرابةً وهيولى

أنا لا تباشرني الغواية في دمي

إلا لتبدأ عصفها المأكولا

فإلى متى تلد المسافة بيننا

موتاً خرافي المدى وطلولا"».

وعن علاقته بالنقد يردف قائلاً: «الهدف من الشعر طرح فكر بديل يساعد من يتلقاه على إعادة التفكير. أما النقد، فهو الوسيلة الأولى لتحفيز الشاعر على خلق الأجمل، ويسهم في التطوير وليس الإحباط شرط أن يبتعد الناقد عن التجريح والشخصنة والانحياز، ولي تجارب كثيرة في النقد شجعت من خلالها الموهوبين، لكن في ذات الوقت همست في آذانهم عن بعض العيوب في نصوصهم، وكنت حاداً بعض الأوقات، لكن من دون أن أربك نصوصهم أمام الجمهور».

عنه تحدثنا الشاعرة "مثيرة حسين" قائلة: «قبل سنوات تعرّفت إلى الإنسان الشاعر "عامر الأحمد" ونتاجه الشعري والأدبي، ومواكبة لجميع مؤلفاته ومقالاته النقدية التي تحمل من الضوء في صراط اللغة والرؤى المتفردة والفكر الإنساني الثرِ. لا سقف يحده، ولا معنى يحاصره؛ فهو المتفرد في كل صنوف الأدب؛ يرسم بالحروف الفسيفساء الأجمل التي تفوح منها رائحة "أرسطو"، ونزف "لوركا"، وعقل "ابن رشد". تتميز قصائده بدمج لوحة الأنثى بالوطن لتكون الشماء حبيبة الأمس والغد، موطنه الحلم؛ فهو الناسك العاشق في محراب البتول الواثق بخياراته، يسلط سياطه على كل زيف؛ وهو ما يعكسه صدى حروفه الثائرة على الزيف والانحدار، يمتطي بقصائده صهوة الغيم بإحساسه الشفيف، ولأن الشعر توصيف الهاجس الداخلي تراه يحاكي الشعر ليسيل جرحه ويحيا بمتن القصيدة، فتستعذب مضجعه، شاعر لا يبوح إلا لقلبه، فيشرب الورق نبضه بقائد يستحضر الجمال بدعمه للكلمة الجميلة وحرصه على الارتقاء بالأدب بكل ما أوتي من حكمة الضوء وروح الإنسانية».

يذكر، أن الشاعر "عامر الأحمد" من مواليد "حمص" عام 1969، مشارك دائم في كافة الملتقيات الأدبية والشعرية، عضو لجنة تحكيم في "الديوان السوري المفتوح"، من دواوينه: "أنت الشعر" و"بتول الشعر"، قصائده تنشر بصورة دورية في الصحف المحلية والعربية والعالمية، لديه العديد من المقالات النقدية حول شعراء سوريين نشرت في صحيفة "هيرالد" الصادرة في "أستراليا"، وهو إلى جانب ذلك موسيقي يتقن العزف على أكثر من آلة، لكنه تميز بالعزف على آلة "الكمان"، لديه معزوفة بعنوان: "سورية الشماء". مشارك دائم في المهرجانات الموسيقية، إضافة إلى عدد من اللقاءات والبرامج التلفزيونية.