عاشت منذ الطفولة المبكرة حالة قلق السؤال عن حقائق ولم تكن تقنعها أجوبة المحيط، فوجهت أسئلتها إلى السماء والنجوم والغيوم، واتجهت إلى الكتاب؛ فعاشت حالة من النهم المبكر للمعرفة، وحصلت على العديد من الشهادات، وأصدرت في كل الأجناس الكتابية بين قصة وشعر ونقد.

مدونة وطن "eSyria" التقت الأديبة "غادة اليوسف" بتاريخ 14 حزيران 2019، فحدثتنا عن نشأتها، قائلة: «نشأت في منزل مشبع بالثقافة، فيه مكتبة ضخمة منوعة لوالدي الشاعر "أحمد خضر اليوسف"، فكان للكلمة جاذبية وسحر هائل على روحي، استهواني الشعر والقراءات الروحانية، فكان السؤال يحرّك روحي وعقلي باتجاه المعرفة لأصل إلى حقائق كثيرة غامضة تتعلق بكل شيء، فكنت دائمة السؤال ومتعالية على الأجوبة الجاهزة على كل صعيد اجتماعي ومعرفي؛ وهذا انعكس قلقاً واضطراباً على حياتي».

نشأت في منزل مشبع بالثقافة، فيه مكتبة ضخمة منوعة لوالدي الشاعر "أحمد خضر اليوسف"، فكان للكلمة جاذبية وسحر هائل على روحي، استهواني الشعر والقراءات الروحانية، فكان السؤال يحرّك روحي وعقلي باتجاه المعرفة لأصل إلى حقائق كثيرة غامضة تتعلق بكل شيء، فكنت دائمة السؤال ومتعالية على الأجوبة الجاهزة على كل صعيد اجتماعي ومعرفي؛ وهذا انعكس قلقاً واضطراباً على حياتي

تناولت بدايتها في الإبداع، قائلة: «لم يخطر يوماً في ذهني أن أكتب القصة، لكنني بدأت كتابة الشعر خلال المرحلة الإعدادية من دون أن أطلع أحداً عليها، وكنت أكتب بالفطرة وعفوية الطفولة، حتى وصلت إلى الثانوية العامة، فكان الشاعر الراحل "شكري هلال" مدرّس اللغة العربية في المدرسة، فلاحظ تميّزي عندما قرأ ما كتبته في وظيفة رسمية عن الأدب الملتزم، فقام بطباعة الوظيفة ووزعها على زملائي؛ وهو ما شجعني على إطلاعه على بعض ما كتبت من الشعر في دفتري الخاص، فأعجب بها وقرر نشر إحدى قصائدي العمودية في صحيفة "العروبة"، حيث كان رئيس تحريرها، وهي بعنوان: "يا حمص أين الربيع":

الإعلامي عبد الكريم الناعم

يا حمص قلبي في دروبك ضائــــع تدميه ألف إشارة استفـــــهام

تمضي إلى غصص الغياب ملاعب كانت لقلبي روضة الأحــلام

الأديبة غادة اليوسف

وحين اطلع والدي على القصيدة المنشورة وأنا أطير فرحاً لم يسعد بذلك، حيث لم يكن يريدني أن أذهب بهذا الاتجاه لسبب لم أعرفه حتى الآن.

وبعد الثانوية تزوجت، لكنني لم أتوقف عن تحصيلي العلمي الجامعي بمعدل عالٍ، فدرست معهد إعداد المدرّسين، لكنه لم يرضِ طموحي، فتابعت دراستي الجامعية وحصلت على ماجستير بالفلسفة، قسم علم الاجتماع بمعدل عالٍ عام 1981، وتابعت البحث في كل مكان عن حقيقة غائبة عني، ثم حصلت على قبول من "السوربون" في "فرنسا" للحصول على الدكتوراه.

بدأت خلال دراستي أكتب مذكراتي، أبوح لذاتي بآلامي وغربتي، وأبحث عن الصداقة فأجدها على الورق، وخلال دراستي الجامعية كنت أكتب حلقة البحث، فأفاجأ برؤيتها مطبوعة من قبل الدكتور المشرف كملحق للمادة.

عملت بمجال التعليم، فكنت اختصاصية اجتماعية حاصلة على إجازة بالقانون، فتم فرزي إلى محكمة جنايات الأحداث، فعملت في القضاء من عام 2005 حتى عام 2013».

وعن نشرها دواوينها، قالت: «أصدرت أربعة دواوين تتضمن قصائد موزونة وعمودية، منها: "نبض التراب" عام 2013، ثم صرت أنزف شعراً خلال الأزمة، و"وحدك الآن" عام 2014، و"نثريات روح" عام 2017، و"هي في المشهد الأخير" عام 2018، لم أسمّه شعراً وإنما نصوصاً.

نشرت "رفرفات" تتضمن مقالات كنت نشرتها في أكثر من صحيفة ومجلة مقالات في الشأن السياسي والاجتماعي، وحين نشرت مجموعتي القصصية "في العالم السفلي" عام 2005 أحدثت ضجة في الوسط الثقافي، ثم أصدرت "على نار هادئة" عام 2007، ومجموعة "أنين القاع" عام 2009، ومن واقع الأحداث الجانحين كتاب مقاربة اجتماعية قانونية بعنوان: "الأحداث الجانحون يتهمون بين جحيم المجتمع ونار القانون" عام 2011، وكتاب "ما رآه القلب"؛ وهو قراءات في نصوص معاصرة لنخبة من الأدباء، ثم كتاب "سدنة الاغتراب"؛ وهو رسائل مع الأديب والناقد الكبير "يوسف سامي اليوسف".

لطالما ابتعدت عن الأضواء والشهرة، وربما كان هذا السبب الذي صان روحي من الابتذال على عتبات أباطرة الثقافة، لم أبحث عن المجد الشخصي، وإذا حصلت عليه فأفضّل أن يكون عن طريق قلمي، وقد قال لي "يوسف سامي اليوسف" بعد أن قرأ لي من مجموعة "في العالم السفلي": (لو كتبت عشر قصص بمستوى قصة "منديل" أو قصة "في العالم السفلي"، لوصلت إلى مرحلة تضاهين فيها "يوسف إدريس")».

الأديب الشاعر والصحفي والإعلامي "عبد الكريم الناعم" تحدث عنها قائلاً: «تعرّفت إلى الأديبة "غادة اليوسف" ككاتبة قصة متميزة، وأظنّ أنها لم تأخذ حقها بالتقييم على مستوى مجموعات القصص التي قرأتها لها، وهي برأيي من أوائل كاتبات القصة في هذا القطر من حيث الحبكة الدرامية واللغة والعوالم المحيطة، والإلمام بالشيء الذي تريده، ويبدو أنها في السنوات الأخيرة استيقظ لديها هاجس الشعر، فبدأت تكتب شعراً وأصدرت أكثر من مجموعة شعرية، فهي قاصّة شاعرة، ولا بدّ من الإشارة عند ذكر "غادة اليوسف" إلى كتابها المهم، وهو رسائل متبادلة لها مع الناقد الفلسطيني الذي كان يقيم في "دمشق" المرحوم "يوسف سامي اليوسف" بعنوان: "سدنة الاغتراب"، أصدرتها بعد وفاته، وهي من أجمل الرسائل التي تم تبادلها بين أديبين، وكانت كما رأى أحد الأصدقاء تملك شيئاً من النديَّة في كتابتها مع "يوسف سامي اليوسف"، وهي كآخرين في هذا البلد أظنّ أنها لم تأخذ حقها، والسبب في ذلك غياب النقد الجادّ، فأغلب النقد الصادر مجرد تقارير صحفية أو مرور سريع، لأن ما كتبته في القصة يحتاج إلى الكثير من الجهد، وقد كتبت عنها دراسة ألقيتها في رابطة الخريجين الجامعيين في "حمص"، وأظنّ أنني أعطيتها ما تستحق من الكتابة، و"غادة" كتكوين عوالم مركبة، لكنها شديدة الحساسية الإنسانية لطبقتها وبلدها، كل قصة من قصصها يمكن أن تتحول إلى مشروع رواية، لذلك ألححت خلال لقاءتنا واتصالاتنا التي تجري بين الحين والآخر أن تكتب الرواية؛ فعوالمها روائية».

يذكر، أن الأديبة "غادة اليوسف" من مواليد "حمص" عام 1955، قاضية مستشارة متقاعدة، وعضو باتحاد الكتّاب العرب وجمعية القصة والرواية، صدر لها 12 كتاباً بين القصة والشعر والنقد والبحث الاجتماعي والقانوني، وتناولت فنّ المقال والمراسلات.