على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، أعطى وما زال من علمه وفكره لكلِّ طالبِ علمٍ، باحثاً عن الأسلوب التعليمي الأنسب للطلبة ومطبِّقاً له، منطلقاً في ذلك من دافعٍ ذاتي، رغبةً منه في بناء جيلٍ واعٍ ومتفوقٍ، وبقيت ريشته حاضرةً رغم ذلك لتعكسَ جمالَ مخيلته.

مدونةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 4 تموز 2019 "جهاد غميض" المدرِّس لمادتي الفيزياء والكيمياء، والعاشق للرسم والجمال، والبداية كانت عن ذكريات طفولته ونشأته وعنها قال: «تعيدني الآن بالذاكرة، إلى الأيام التي كانت فيها البساطةُ والطيبةُ هما عنواناً لطفولتي ونشأتي ضمن عائلتي المنحدرة من أصلٍ ريفي، ولادتي كانت في مدينة "دمشق" بحكم عمل والدي فيها حينذاك، ثمَّ شاءت الظروف أن ننتقلَ للعيش في مدينة "حمص"، وفيها تلقيتُ تحصيلي الدراسي كلَّه حتى حصولي على الشهادة الثانوية في عام 1984، مع أنَّ مجموع درجاتي العالي كان يؤهلني لدراسة جميع الفروع الجامعية، إلا أنَّ قلّة الإمكانات المادية ورغبتي في مساعدة عائلتي، دفعاني للدراسة في معهد إعداد المدرسين باختصاص علوم عامة، بخلاف ميولي الفنية التي كانت تجمح بي نحو دراسة فن الرسم أو النحت، وحتى صوب فنون التمثيل الذي كنت أهواه كثيراً، والذي كنت ممارساً له ضمن المسرح الشبيبي، ولاحقاً مع فرقة المعهد وفي المسرح العمالي».

عرفته منذ خمسة عشر عاماً، ومع مرور الأيام والسنوات تعمّقت صداقتنا بشكلٍ متين، عرفت فيه شغفه المستمر للتميّز والنجاح، وعمله الدؤوب لإنجاز أمورٍ لم يسبقه إليها أحدٌ من قبل، والعطاء من دون مقابل هو إحدى خصاله الجميلة والكثيرة، وما قدمه على مدى أكثر من ثلاثين عاماً في مهنة التعليم التي هي مهنة العطاء، والأجيال التي ساهم في بنائها، ووصلت إلى ما هي عليه من نجاحاتٍ وتميز، هي أعظم دليلٍ على ذلك، أمَّا عن لوحاته فهو مثابرٌ على إبراز الجمال أينما وجد، وخاصةً عند المرأة، الأم أو الحبيبة، فهو يرحل من خلال لوحاته إلى الخيال البعيد عن النمطية والقريب من الواقعية، باختصار أكثر فإنَّ "جهاد غميض" فنانٌ في التعليم والرسم بجدارةٍ مستَحقة

هنا توقفنا مع "جهاد غميض" للتعمق أكثر في مسيرته التعليمية فتابع قائلاً: «بعد تخرجي من المعهد في عام 1986، انطلقت في غمار الحياة العملية من خلال مهنة التعليم التي فيها شيئاً ما من شخصيتي، والبداية كانت في مدينة "الرقة" حيث عُينت فيها وبقيت مدة عامٍ كامل، بعد انتهاء خدمتي الإلزامية تمَّ تعييني في إحدى القرى الصغيرة الواقعة شرقَ مدينة "حمص"، وفيها لامست لأول مرةٍ شعور الفرح بالنجاح بعد التعب والمتابعة مع طلبتي، كان عددهم 12 طالباً في مرحلة الشهادة الإعدادية حينها، وجميعهم نجحوا وبعلاماتٍ جيدة، وهي المرة الأولى التي ينجح فيها هذا العدد من أبناء القرية، هنا تولَّدت بداخلي رغبةُ التميّز والنجاح مع كلِّ طلبتي اللاحقين، فالمعلِّم مهما حصل على مكافآتٍ وجوائز مادية أو معنوية، فإنّها لن تساويَ فرحتَه وهو يرى نتاج زرعه متمثلاً بنيل طلبته أرفعَ الشهاداتِ مهما كان اختصاصُها، ونجاحهم في الأعمال والمهن الحرفية التي يثبتون فيها جدارتهم وتميّزهم، المدة الأطول في رحلة التعليم فضيتها في إعدادية "شكري هلال" منذ عام 1992، إلى أن انتقلت العام الفائت لمدرسة "محارب الأحمد" حلقة ثانية».

من لوحات المدرس جهاد غميض

عن دور الوسائل التعليمية الحديثة وما قدَّمه "جهاد غميض" منفرداً في هذا المجال تابع بقوله: «المعلمُ يجب أن يكونَ طالباً دائماً، بطبعي أُفضِّل التجارب العملية بدرجةٍ أكبر من التلقين الشفهي؛ لأنَّ المعلومة تترسخ بالرؤية البصرية لوقتٍ شبه دائم، ومع دخول المعلوماتية وانتشارها مع بدايات الألفية الثالثة في "سورية"، كان لا بدّ لي كمعلِّمٍ أن أواكبَ هذه المرحلة، انتسبت لدورةٍ أقامتها "الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية"، مع تعلّمي الذاتي لبعض البرامج التي تناسب ما أصبو إليه، زادت معرفتي وأنجزت أولَّ درسٍ الكترونيٍ خاصٍ بي ولأول مرة في مدينة "حمص"، الأستاذ "هايل الفاعور" اختصاصي مادة الرياضيات شجعني بعد مشاهدته للتجربة ونجاحها، هذا دفعني وبشكلٍ ذاتي لتحويل كتاب الفيزياء والكيمياء للصف الثالث الإعدادي إلى كتابٍ الكتروني كامل، وكان ذلك في عام 2009، هي خطوةٌ لم يسبق لأحدٍ القيام بها من قبل، استغرقت ستة أشهرٍ كاملة وساعاتٍ طويلةٍ يومياً، كان لمشورة الأستاذين "عبد المعين الخضر" و "نزار عباس" وهما الموجهان الاختصاصيان للمادتين ودعمهما، الدافع نحو إدخال الكتاب في العملية التعليمية لطلابي في مدرسة "شكري هلال" ولمدة خمس سنوات، بعدها تمَّ عرضه على مدير التربية ولاقى استحسانه وكُرِّمت من قبله، انتقل الكتاب ليعرض على الوزارة هناك ونال قبول المسؤولين فيها، حينها تمَّ اعتمادي مدرِّساً ومحاضراً لدى القناة التربوية السورية، واعتمد ما يقرب من عشرين درساً من كتابي في برامجها التعليمية، وما زلت حتى أيامنا هذه مشاركاً لديها».

وفي الحديث عن فن الرسم في حياته قال: «ذكرت سابقاً بأنَّ ميولي الدراسية كانت ترنو صوبَ فنونِ الرسم والتمثيل، ولكن الأقدار شاءت عكس ذلك، بالنسبة للرسم فقد رافقني منذ مراحل دراستي الإبتدائية، أخي الأكبر كان رساماً بارعاً وبه تأثرت كثيراً، وكان لي مشاركة في مسابقات الروَّاد الطليعيين عام 1975، حينها نلتُ المركزَ الأول على مستوى المحافظة، وشجعني خلال دراستي الثانوية الأستاذ "جابر اليوسف"، ولكن تأثري الأكبر كان بالفنان "حكمت أبو حمدان" الذي كان مدرِّساً في معهد إعداد المدرسين، وكان له أثراً بارزاً في تطوُّر بصيرتي الفنِّية، محاولاتي الفردية تطورت من خلال ممارستي فيما بعد، وأصبحت لوحاتي تتسم أكثر بالتناسق البصري واللوني، إلاَّ أنني اتخذت من أقلام الفحم أداةً لمعظم نتاجي الفنِّي المتواضع، لأنني أشعر براحةٍ مطلقةٍ مع اللونين الأبيض والأسود، فكما هو معروفٌ بأنهما سيدا الألوان، والتدرُّج اللوني بهما هو من أصعب الممارسات في فنِّ الرسم، أمَّا مشاركاتي الفنِّية في المعارض فقد جاءت متأخرة، لأنَّ التعليم كان حائزاً على معظم وقتي، معرضي الخاص الأول كان في عام 2018 بعنوان "أبيض وأسود" وقد أقيم في مدرسة "محارب الأحمد" التي أعمل فيها، من ثمَّ شاركت في معارض مشتركة كان آخرها معرض "لمسات سورية 3" والذي رعته واحتضنته "الكنيسة المشيخية الإنجيلية" في "حمص"، كان إقبال الحضور من المهتمين، إضافةً للتغطية الإعلامية من وسائل عدَّة ومنها موقعكم "esyria" مفاجأةً بالنسبة لي، ومشجِّعاً لي للعودة إلى ممارسة الرسم».

شهادة تكريم من مديرية التربية

"ميسر سلوم" الموجهة الاختصاصية لمادة الفيزياء لدى مديرية تربية "حمص"، عند سؤالنا قالت: «من خلال إشرافي كموجهةٍ اختصاصيةٍ على عمل الزميل "جهاد غميض"، ومتابعتي لنشاطاته المتميزة في العملية التعليمية التي يقدِّمها لطلابه، تبيَّن لي المجهود والعطاء المتميزان اللذان يقدمهما، من خلال تمكنِّه الواضح من التكنولوجيا والتقنيات الحديثة الداخلة في العملية التعليمية، عدا عن كونه سباقاً لغيره في ذلك الأمر، وتحويله لكتاب المنهاج المدرسي في مادتي الفيزياء والكيمياء إلى كتابٍ الكتروني وبمبادرةٍ ذاتية، هو خير دليلٍ على هذا التميّز الذي يستحقه، إضافة لكونه معلِّماً محبوباً من قبل طلابه دون استثناء، وعلاقته بالجهاز الإداري والتربوي الجيدة، والدروس النموذجية التي يطبقها باستمرار، دعتني لتوجيه بطاقات الشكر له بشكلٍ مستمر، ولن أنسى طبعاً تميزه الفنِّي الذي كنت شاهدةً عليه من خلال مَعرِضٍ للرسم حضرته له، وهو ما زاد من إعجابي به، أتمنى له التوفيق والنجاح اللذين يستحقهما بكلِّ تأكيد».

"عفاف الخليل" وهي شاعرة ومدرِّسة لمادة اللغة الإنكليزية، ومن أصدقاء "جهاد غميض"، عنه قالت: «عرفته منذ خمسة عشر عاماً، ومع مرور الأيام والسنوات تعمّقت صداقتنا بشكلٍ متين، عرفت فيه شغفه المستمر للتميّز والنجاح، وعمله الدؤوب لإنجاز أمورٍ لم يسبقه إليها أحدٌ من قبل، والعطاء من دون مقابل هو إحدى خصاله الجميلة والكثيرة، وما قدمه على مدى أكثر من ثلاثين عاماً في مهنة التعليم التي هي مهنة العطاء، والأجيال التي ساهم في بنائها، ووصلت إلى ما هي عليه من نجاحاتٍ وتميز، هي أعظم دليلٍ على ذلك، أمَّا عن لوحاته فهو مثابرٌ على إبراز الجمال أينما وجد، وخاصةً عند المرأة، الأم أو الحبيبة، فهو يرحل من خلال لوحاته إلى الخيال البعيد عن النمطية والقريب من الواقعية، باختصار أكثر فإنَّ "جهاد غميض" فنانٌ في التعليم والرسم بجدارةٍ مستَحقة».

المدرِّسة والشاعرة عفاف الخليل

نذكِّر نهايةً بأنَّ "جهاد غميض" من مواليد "دمشق" عام 1966، وهو متزوج ولديه ثلاثة أبناء.