حوّل ظلمة أيامهم إلى نورٍ وأمل، أخرجهن من عزلتهن ليصنع منهن بطلات في فنون الرياضة، وليتحدين الظلام ويعتلين منصات التتويج، فيتحولن لمقاتلات شرسات، ويواجهن المجتمع بجرأةٍ وشجاعة وثقة بالنفس، فيحمل أغلبهن شهادات جامعية.

كانت لمدوّنةِ وطن "eSyria" وقفةٌ مع الكابتن "حذيفة الحكيم" بتاريخ 9 شباط 2019، ليحدثنا عن رحلته في عالم الرياضة، قائلاً: «بدأت ممارسة الرياضة بنادي "الكرامة" عام 1982، حتى التحاقي بصفوف الجيش العربي السوري لسنوات عديدة، لأعود لاحقاً إلى موقعي الرياضي ما بين تدريب وتحكيم، لأصبح حالياً مدرباً لكمال الأجسام والقوة البدنية، وعضو في الاتحاد الرياضي العام لكمال الأجسام، وعضو في اللجنة العلمية للاتحاد الرياضي العربي لكمال الأجسام في "مصر"، وعضو اللجنة الطبية في الاتحاد الآسيوي لكمال الأجسام والقوة البدنية».

برغم أنني انتسبت للفريق حديثاً إلا أن تأثيره الإيجابي واضح في حياتي، فبفضله أعمل على إكمال تحصيلي العلمي، حيث ساعدتني صديقاتي والكابتن على الخروج من حالة اليأس التي كنت أعيشها، ومنحوني الشجاعة للعودة للحياة من جديد

وعن تجربته مع فريق المكفوفات، قال: «بدأت القصة منذ عام أو أكثر، من خلال تواصلي مع رئيس نادي "السلام" صديقي "غسان أبو صلاح" الذي رأيت فيه الشخص المعطاء الذي يعطي من حياته للرياضة، وخصوصاً كونه من ذوي الاحتياجات الخاصة، لاحظت في النادي وجود الكثير من المواهب التي تحتاج إلى صقل وتدريب، فبعض الأبطال يحتاجون لتعلّم حركات معينة أو تقنية معينة، وكنت أمتلك صالةً رياضيةً، تبرعت بها بموجب كتاب للاتحاد الرياضي العام لمصلحة نادي "السلام" عام 2019، وهي عبارة عن صالة رياضية كاملة فيها كافة المعدات الرياضية، وكان فريق المكفوفات باكورة أعمالي، حيث لاحظت عدم إدراك من في النادي لطريقة التعامل معهن، وطريقة تدريبهن، ويتألف الفريق من 25 مكفوفة وأغلبهن طالبات جامعيات أو يحملنَّ إجازة جامعية».

أثناء تدريب المكفوفة مي خليل

وعن دوره الإنساني في مساعدتهن، قال: «من مميزات الفريق روح العمل الجماعي والتعاون بين عناصره، فعند انتساب لاعبة جديدة تتبناها زميلاتها "مي وديما خليل"، فيعلمنها كيف تسير، وما هي الخطوات التي يجب أن تتبعها، فيرافقنها ويذهبن معها، ليعلمنها كيف تقوم بالدراسة، لتصل إلى المرحلة الجامعية، ومن أهم أهداف الفريق التواصل الاجتماعي، حيث يتم تواصلهن أثناء التدريب وخارجه، من خلال الهاتف ومواقع التواصل، أو زيارة بعضهن حتى يطمئن الأهل أن ابنتهم ضمن فريق من الفتيات المكفوفات وضعيفات البصر وهن حريصات عليها وعلى مساعدتها، ويجتمع الفريق كل يوم جمعة، فيشكلن مجموعة، وكلما سمعن بمكفوفة يقمن بزيارتها والتواصل مع ذويها، للعمل على تحفيزها وتشجيعها على ممارسة هوايتها الرياضية المفضلة، وإكمال دراستها إذا لم تكملها، علماً أن الانضمام للمجموعة مجاني إلا في حالات استثنائية، ويعمل كافة أعضاء الفريق على مساعدة أي عضو يقع في مشكلة، وتكمن معاناة المكفوفات بضعف تعامل المجتمع معهن، فنقوم بتقوية عزيمتهن من خلال مساعدتهن للحصول على شهادة علمية، ليحصلن على دخل حتى لو كان بسيطاً يساعدهن على تخطي صعوبات الحياة، فتكون ركناً من أركان منزلها ومجتمعها، علماً أن الحضور للتدريب كيفي للمتدربات».

وعن آلية التدريب، قال: «بدأت معهن من الحركات السويدية ثم الآيروبيك، ثم حركات تنظيم التنفس، ثم انتقلنا إلى ألعاب القوى قفزة 100م، فحصلت الشقيقتان "ديما ومي خليل" في بطولة الجمهورية بالجري لعام 2019 على المركزين الثاني والثالث على مستوى "سورية"، وكانت الخطوة التالية هي التدريب على الحديد بهدف تقوية الأوتار والعضلات لديهن، وتحقيق اللياقة البدنية، ولكن قيام نادي "السلام" بالإصلاحات أوقف التدريب، فدفعني للبحث عن مكان بديل للتدريب، وبما أنني مدرب بعدة نوادي، وقد دربت العديد من أبطال "آسيا" وأبطال الجمهورية على رياضة كمال الأجسام، استطعت الحصول على حيز من الوقت لأدرب فريقي من المكفوفات، بحيث لا يشاركهن فيه أحد، ونتيجة لشكوى من إحدى اللاعبات بتعرضها للتحرش اللفظي، تشكل لدي حافز لتدريبهن على القتال بهدف الدفاع عن النفس، حيث يستغرق من المكفوفة 17 ثانية من حركات "البوكس" التي تؤدى لإيذاء المعتدي، فكنت أدربهن وأجعل من نفسي الخصم لتجريب الحركات وقد نجحنا فعلاً، ما زاد من ثقتهنَّ بأنفسهنّ، وأخيراً انتقلنا لرياضة "اليوغا" بهدف خلق نور من الظلام، وتحفيز الخيال لديهن لتخيل الضوء والأشكال».

علا بلبل أثناء التدريب

وتناولت المكفوفة الجامعية "مي خليل" تجربتها مع الفريق، قائلة: «أنا خريجة جامعية من كلية الآداب قسم التاريخ جامعة "البعث"، وأعشق الرياضة تعرفت على الكابتن "حذيفة" من خلال وجودي كعضو في نادي "السلام" منذ عدة سنوات، عندما حضر إلى النادي وطلب التعرف علينا، وقدم لنا صالة تدريب في عام 2019، وقام بتدريبنا في النادي لمدة شهرين كل أسبوع ثلاث لقاءات، فاستطعنا خلال هذه المدة أن نقطع أشواطاً كبيرة في التدريب، ولكن بسبب أعمال الترميم في ملعب "حمص البلدي" توقفنا عن التدريب، لكنه لم يتخلَّ عن الفريق، بل بدأ يأخذنا لأيّ نادٍ يدرب فيه، وقد أعطانا الكابتن "حذيفة" الكثير من وقته وجهده لتدريبنا على الجري، في الوقت الذي يعتقد فيه الكثيرون أنه أمر مستحيل، لكنه لم يكترث وتحدى وتعب معنا، ولم يتردد في تشجيعنا حتى كسر حاجز الخوف لدينا، وأعطاني فرصة للخروج من المنزل بعد إنهائي تعليمي الجامعي، فالنادي بالنسبة لي نافذة نحو العالم».

أما اللاعبة المكفوفة "ليلى الشعار"، فقالت: «أنا أدرس في جامعة "البعث" كلية "الآداب" قسم علم النفس، عشت تجربة مميزة مع الفريق، منحتني فرصة للخروج من المنزل، وزادت من لياقتي البدنية، وكانت نافذة اجتماعية للتواصل مع العالم الخارجي بوجود صديقاتي المكفوفات وهنَّ الأكثر قدرة على الإحساس بمعاناتي».

وتناولت "علا بلبل" تجربتها، قائلة: «برغم أنني انتسبت للفريق حديثاً إلا أن تأثيره الإيجابي واضح في حياتي، فبفضله أعمل على إكمال تحصيلي العلمي، حيث ساعدتني صديقاتي والكابتن على الخروج من حالة اليأس التي كنت أعيشها، ومنحوني الشجاعة للعودة للحياة من جديد».