يربط شارع "القوتلي" بين ساعتي "حمص" القديمة والجديدة، وتشهد هذه المنطقة تواجداً كثيفاً ومركزاً لمؤسسات الدّولة والشّركات الهامّة والمطاعم ذات الطّراز القديم، فضلاً عن أنّها أكثر الأماكن كثافة سكانية، وتعتبر عقدة المواصلات الرّئيسية بين عدّة محافظات.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 7 أيلول عام 2020 تواصلت مع "رقية المحمد" الباحثة السّياحية التي تحدثت عن تاريخ بناء الساعة بالقول: «شُيّدَت ساعة "حمص" الجديدة عام 1958 من قبل الفعاليات الرّسمية والشعبية بتمويل من المغتربة الحمصية "كرجية حداد"، ولهذا تمّ تداول اسم شعبي للسّاعة "ساعة كرجية"، وتتميّز بطرازها القديم الذي يحمل شكل مئذنة جامع، وبرأسها غرفة السّاعات المتوزعة على أربع جهات، ومبنية من الحجارة السّوداء البازلتية والبيضاء، وتصدر موسيقى كلّ ساعة، ويصل صداها إلى حوالي ستة أو سبعة كيلو متر. ويصل طول كلّ عقرب منها إلى المتر الواحد، فضلاً عن عملها بنظام ميكانيكي منتظم تمّ تطويره وتطبيق تحسينات عليه عدّة مرّات.

مهما طغت العصرنة على المباني الرّسمية وغير الرّسمية، فهناك مناطق لا يمكن لأحد اقتلاعها من معالمها التاريخية، مثل مقهيي "الرّوضة" و"اتحاد الفنانين التشكيليين" الكائنين قرب الساعة الجديدة، حيث لا يزالان بطراز قديم، ويصفانهما أهل "حمص" بالذهب العتيق، ويزورهما كلّ قادمٍ إلى "حمص" ليعيش بساطة أهلها، فضلاً عن تواجد المهن النّادرة بمنطقة السّاعتين المذكورتين كحياكة السّجاد وبيع الفخار والمقتنيات الأثرية التي جذبت آلاف السّياح

وتشكل هذه الساحة مركز التقاء عدّة شوارع رئيسية هي "الدّبلان"، و"عبد المنعم رياض"، و"عبد الحميد الدّروبي"، و"القوتلي"، وتعرّضت هذه السّاعة للتخريب الكبير جرّاء الحرب، ومع عودة الأمان للمنطقة عام 2015 تبرّع المغترب الحمصي "حسان علّوش" باستيراد ساعة سويسرية بلغ ثمنها آنذاك 45 ألف دولار، وتمّ إعادة إصلاحها ونبضت قلوب أهل "حمص" معها، فهي تراثٌ حمصيٌ وصوتها ووجودها يُشعِر الجّميع بالأمان كونها قلب المحافظة وشريانُ مؤسسات الدّولة والوسطُ التجاريّ المزدهر».

موقع السّاعتين على الخارطة

وتابعت متحدثةً عن السّاعة القديمة: «لا يوجد في "حمص" أقدم من السّاعة القديمة سوى ساعة كاتدرائية "الأربعين شهيداً"، في حيّ "بستان الدّيوان". حيث بُنيت ما أطلق عليها دائماً "الساعة القديمة" عام 1923 بأيدي أشهر ساعاتي بـ"حمص" الفني "عبدالله كيشي"، واسمه محفور عليها حتى الآن، وهي مصنوعة من النّحاس، وبذاك الوقت كانت ساحتها محور المدينة بالكامل، وتمّ إنشاء كراج "حماه" قربها، والسّوق المسقوف الذي يشكل وسطاً تجاريّاً هامّاً، والآن تتفرّع شوارعها متصالبةً نحو الشّمال والجنوب. وفي عام 2019، تمّ بناء نصب تذكاري للشّهداء جوارها كون السّاحة الموجودة فيها تدعى ساحة "الشّهداء"، فقد شهدت أيام الاحتلال الفرنسي تنفيذ إعدام الكثير من السّوريين المعارضين لتواجد الاحتلال الفرنسي والمنتفضين ضدّ سياساته».

وختمت بالقول: «مهما طغت العصرنة على المباني الرّسمية وغير الرّسمية، فهناك مناطق لا يمكن لأحد اقتلاعها من معالمها التاريخية، مثل مقهيي "الرّوضة" و"اتحاد الفنانين التشكيليين" الكائنين قرب الساعة الجديدة، حيث لا يزالان بطراز قديم، ويصفانهما أهل "حمص" بالذهب العتيق، ويزورهما كلّ قادمٍ إلى "حمص" ليعيش بساطة أهلها، فضلاً عن تواجد المهن النّادرة بمنطقة السّاعتين المذكورتين كحياكة السّجاد وبيع الفخار والمقتنيات الأثرية التي جذبت آلاف السّياح».

وقال "جورج ندور" أحد المواطنين القاطنين قديماً في حيّ "الحميدية"، والقريب من السّاعة القديمة: «قبل عام 2011 كان العروسان يلتقطان صوراً لهما ومع أقاربهما، وبعد هذا العام وكلّ ما تعرّضت له معالم "حمص" شعر الجّميع بأهميتها، ونلحظ عند مجيء الوفود الرياضية أو الفنية أو غيرها التقاطهم لصور جماعية أيضا قرب المناطق المذكورة، بالإضافة إلى أنّ الشّارع الواصل بين السّاعتين وساحتيهما كانا الإعلان الأول لأي رأي شعبي جماعي يريدون التعبير عنه، فالمسيرات الكبيرة والاحتفاليات الوطنية والرياضية والفنية وأهم العروض القطرية عُرضت على الملأ، ودرجت العادة أيضاً أن تسير عراضة شعبية أو فوج كشفي عند أي حدث جميل يتعلّق بالبلاد أو "حمص" خاصّةً».

إذا فكّرت يوماً بزيارة محافظة "حمص"، لا تنسى التقاط صورة تذكارية لك بجانب أحد السّاعتين، وكذلك توقيت زيارتك للسّاعة الجديدة على رقم السّاعة تماماً، لتسمع صدى صوتها مدوياً، ففي "لندن" ساعة "بيغ بن" الشّهيرة، وفي "حمص" ساعتين يلتصق ذكرهما بذكرها.