رحل عن مدينته التي عكس عشقه لها من خلال لوحاته، منحوتاته، ولقطات عدسته الباحثة عن كلِّ جمالٍ فيها، إضافة لموسيقاه التي حرص على إسماعها لعشاق الفن وزوّار صالاته.

هو الفنان التشكيلي "بسام جبيلي" الذي خسرته مؤخراً الحياة الفنية التشكيلية في مدينة "حمص"، والذي تعرفت مدوّنةُ وطن "eSyria" على جوانب من مسيرته خلال تواصلها بتاريخ 2 تشرين الثاني 2020 مع "أديب مخزوم" الفنان والناقد التشكيلي، حيث قال: «على مدى نصف قرن من رحلة الفنان "بسام جبيلي" تنوّعت تجاربه الفنية التي قدمها لجمهور الفن التشكيلي وذواقيه، طرح من خلال أعماله بعض الهواجس الجمالية، وأعطى قدرة على تجسيد مواضيع الوجوه، الأشخاص، وأشكال الحيوانات، إضافة لإبراز العناصر الصامتة والأجواء الخيالية والأسطورية، فقد كانت لديه مقدرة على استعادة حركة الأشياء، الأشكال، والأماكن بطريقة تحويرية خاصة به، محوِّلاً اللامرئي إلى مرئي – وفق قول بول كلي- ليصل إلى اللوحة البانورامية المستمدة من مخزون ذاكرته الطفولية، ومن تأملاته المتواصلة لتراث مدينته "حمص" الذي عشق كلَّ تفاصيله».

على مدى نصف قرن من رحلة الفنان "بسام جبيلي" تنوّعت تجاربه الفنية التي قدمها لجمهور الفن التشكيلي وذواقيه، طرح من خلال أعماله بعض الهواجس الجمالية، وأعطى قدرة على تجسيد مواضيع الوجوه، الأشخاص، وأشكال الحيوانات، إضافة لإبراز العناصر الصامتة والأجواء الخيالية والأسطورية، فقد كانت لديه مقدرة على استعادة حركة الأشياء، الأشكال، والأماكن بطريقة تحويرية خاصة به، محوِّلاً اللامرئي إلى مرئي – وفق قول بول كلي- ليصل إلى اللوحة البانورامية المستمدة من مخزون ذاكرته الطفولية، ومن تأملاته المتواصلة لتراث مدينته "حمص" الذي عشق كلَّ تفاصيله

وتابع عن أعمال الراحل "بسام جبيلي" وأسلوبه فيها قائلاً: «من خلال تجربته التي بدأها منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، كان يبحث عن تواصل تشكيلي يحقق بعض التوازن بين جماليات البحث عن لوحة تحمل بصمات الانتماء إلى ثقافة فنون القرن العشرين، وفي الوقت ذاته تكون شاهدة على تراث حضاري اكتسبته الأرض السورية على مدى آلاف السنين، يبدو هذا جلياً في لوحاته التي تناولت بعض المواضيع الدينية والأسطورية، لقد كان يؤلف أشكاله بطريق تعبيرية تصل حدّ الرمزية والخيالية في بعض لوحاته، حيث نجد العناصر الإنسانية والوجوه وغيرها محرفة عن طبيعتها، والأطراف مضخمة ومكبرة عما هي عليه في الحقيقة، وهذا برأيي أبرز ما يميز تجربته التشكيلية، مع مسحة روحانية وصوفية تضفيها الإضاءات المركزة والمستمدة من نورانية الشرق.

الفنان والناقد التشكيلي أديب مخزوم

المشهد في بعض لوحاته يضم مجموعة كبيرة من النساء والأشخاص الذين يبدون في أغلب الأحيان وكأنهم يتحركون في حالة ضياع وهجرة، هنا يزيد التحوير البليغ لملامح الوجوه والأجساد من حدَّة التعبير الدرامي داخل اللوحة، وعلى الرغم من بروز الانفعال اللوني لديه في بعض أعماله، إلا أن هذه الانفعالية تبقى منظمة وخاضعة لرقابة عقلانية منه، أي إنَّ ذاك الانفعال لا يلبث أن تتراجع حدته جراء بعض التعديلات الواعية التي يجريها في فراغ السطح التصويري».

عن الأسلوب والمنهج الذي اتخذه في لوحاته التشكيلية يضيف بقوله: «لا يمكن تصنيف لوحاته ضمن المنهج السوريالي، حتى وإن ظهرت الأشكال فيها قريبة من تداعيات الرؤى الحلمية، لأن اللون عنده مشغول بطريقة بعيدة كل البعد عن أساسيات ذلك المنهج الذي يعتمد تقنية الرسم الكلاسيكي في صياغة عالم الرؤى الخيالية، كما أن الأشكال ضمنه موزعة بإيقاع تعبير مرهف وشاعري، ورغم ابتعاده عن نمط الهندسة الصامتة، فقد قدَّم في بعض لوحاته هندسة لونية على قدر كبير من التوازن البصري، وقدَّم في أحيان كثيرة بنى تشكيلية فيها شيء من التكعيبية إضافة لكمية من الزوايا والخطوط المستقيمة، تصل إلى حد الانفلات المتوازن الذي يساهم في إعطاء زخم أكبر للقدرة الحداثية للوحته».

الدكتور المهندس نزيه بدور

الدكتور "نزيه بدور" رئيس جمعية "العاديات" في مدينة "حمص" عن شخصية الراحل يقول: «أول ما أذكره تلك المقاطع الموسيقية التي كان يحرص على اختيارها بعناية فائقة؛ كي يبثها على أسماع زائري حديقة "الفنون" التابعة لصالة "صبحي شعيب" للفنون التشكيلية، مستفيداً من ثقافته الموسيقية الواسعة، إن كان على صعيد الموسيقا العربية أو الكلاسيكية الغربية، لقد كان فناناً مثقفاً ومتميزاً إلى أبعد حد، ونذر جلَّ حياته للأدب والفنون بشتى أنواعها، عدا عن إبداعه التشكيلي فقد كان ناقداً وموسيقياً ذواقاً للفنون البصرية والسمعية، عرفته عضواً فاعلاً في نادي "السينما" لسنوات طويلة، من خلال مشاركته في حوارات النادي التي كانت تلي عرض كل فيلم فيه، حيث كان يقدم آراءه النقدية لتلك الأفلام من حيث طريقة الإخراج، والموسيقا التصويرية المرافقة لها.

كل من عرف "بسام جبيلي" شاهد ولمس النبل الإنساني الذي كانت تتسم به شخصيته، محبته التي كان يعطيها بلا حدود لكل من عرفه وعمل معه، عاش ورحل عاشقاً ولهاً لمدينته "حمص" التي نزح عنها مجبراً عام 2012، تاركاً مرسمه الصغير المملوء بالجمال والإبداع في حي "بستان الديوان" ليستقر به الحال في بلدة "المشتاية" لحين وفاته».

من أعمال الفنان الراحل

أخيراً نذكّر بأنَّ "بسام جبيلي" من مواليد مدينة "حمص" 1946، توفي بتاريخ 28 أيلول 2020، وهو عضو في اتحاد الفنانين التشكيلين، وله مشاركات عديدة في المعارض السنوية التي كانت تقيمها وزارة الثقافة، إلى جانب عضويته في هيئة تحرير مجلة "السنونو" التي كان يشرف على التصميم الفني لها.