اعتزل الغناء في سنٍّ مبكرة، بعد رحلة من التألق قدَّم فيها العديد من الأعمال الغنائية لكبار الشعراء والملحنين السوريين الذين عاصرهم خلال فترة كان فيها مطرباً في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.

هو "أنور سمعان" المطرب وعازف الغيتار الذي التقته مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 2 تشرين الأول 2020 في منزله الكائن بحي "الحميدية" للتعرف على مسيرته والبداية كانت عن مرحلة الولادة والنشأة فقال: «رغم ولادتي في مدينة "دمشق" بحكم عمل والدي كعسكري فيها -كان منزلنا المتواضع في حي "باب مصلى"- إلا أنّ أصول عائلتي تعود لمدينة "حمص"، وإليها انتقلنا، كنت حينها في الثانية من عمري، سكننا كان في حي قديم منها يدعى "باب السباع"، فيه ترعرعت ودرست المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدرسة "القديس انطونيوس" التابعة للكنيسة الحاملة للاسم نفسه، لكن الموسيقا والغناء أخذاني صوبهما بانجذاب كبير دفعني للتوقف عن المتابعة والتفرغ لهما».

رغم ولادتي في مدينة "دمشق" بحكم عمل والدي كعسكري فيها -كان منزلنا المتواضع في حي "باب مصلى"- إلا أنّ أصول عائلتي تعود لمدينة "حمص"، وإليها انتقلنا، كنت حينها في الثانية من عمري، سكننا كان في حي قديم منها يدعى "باب السباع"، فيه ترعرعت ودرست المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدرسة "القديس انطونيوس" التابعة للكنيسة الحاملة للاسم نفسه، لكن الموسيقا والغناء أخذاني صوبهما بانجذاب كبير دفعني للتوقف عن المتابعة والتفرغ لهما

يحكي "أنور سمعان" قصته مع الغناء والموسيقا متابعاً فيقول: «مع مطلع الخمسينيات من القرن الماضي بدأت رحلتي معهما، بعدما تأثرت بما كنت أسمعه من رموز الفن الجميل والأصيل حينها، الذين كانت أصواتهم جاذبة لملايين الناس أمثال "أم كلثوم"، "محمد عبد الوهاب"، "فريد الأطرش"، والعندليب الساحر "عبد الحليم حافظ"، هذا الأخير كان أشدهم تأثيراً بي، وخاصة في اللون الرومانسي الذي تمتع به، جلسات الغناء مع الرفاق في المدرسة والحي، كانت الخطوة الأولى لي في هذا الدرب، لكن الخطوة الثانية والأهم كانت حين التقيت مع رفيق دربي وصديق عمري الفنان الراحل "زيد حسن آغا"، كان حينها عازفاً على آلة العود في فرقة نادي "دوحة الميماس"، بدأت أتردد معه إلى النادي بشكل شبه يومي، أسماء كبيرة من الموسيقيين تعرفت عليها هنالك من أمثال: "عبد الرحمن الملوحي" الذي كان رئيساً له آنذاك و"عدنان عبد النبي" عازف العود والملحن المحترف، الذي أعجبه صوتي وأدائي لأغاني عمالقة الطرب الذي ذكرتهم سابقاً، فقدَّم لي لحناً خاصاً لأغنية عنوانها "روح من دربي" وأخرى بعنوان "بنت البلد بتسحرني"، هذا الرجل آمن بموهبتي وبمقدرتي الصوتية، حتى أنَّه قام بتجهيزات السفر إلى "مصر" من أجل التعريف بي في الأوساط الفنية هناك، وتحقيق انطلاقة قوية منها، لكن القدر شاء عكس ذلك وألغيت الرحلة بسبب ظروف عائلية خاصة».

الفنان الموسيقي أمين رومية

المرحلة اللاحقة في مسيرته عنها تابع قائلاً: «خلال وجودي في نادي "دوحة الميماس" تعرفت على الفنان "طوني سلوم" وهو من الموسيقيين المعروفين آنذاك في العزف على آلة البيانو وكان عضواً في فرقة "معبد" التي كانت تقدم الموسيقا الغربية، وإلى جانبه "فريد كمال" و"كنعان شمس الدين" وغيرهم، حيث اهتم جداً بصوتي وشجعني على تعلم العزف على آلة الغيتار لأنه كان يرى بأنها مناسبة لي –وهذا ما حصل- حيث بدأت بتعلمها على يديه، وقد أهداني أول آلة امتلكتها في حياتي، كان الولع والشغف بالموسيقا كبيراً لدرجة جعلتني مع صديقي الراحل "زيد حسن آغا" تلميذين عند أهم موسيقي في "سورية" وهو "جوزيف قسطنطينيدس"، حيث كنا نسافر ليوم واحد في كل أسبوع إلى "دمشق" من أجل حضور درس لمدة ساعة واحدة فقط، لن أنسى فضله عليَّ بما قدمه من علم وخبرة كبيرين لي، واستمرت هذا الحال مدة عام ونصف العام تقريباً، عززتُ ذلك بتعلمي الذاتي من خلال المراجع الموسيقية التي كنت أشتريها من محلات "سيراديريان إخوان" الشهيرة، والتي كان مقرها في شارع "الصالحية"، لأهم عازفي آلة الغيتار في العالم وخاصة منهم "فيرناندو كارولي"، هنا دخلت آلة الغيتار لأول مرة ضمن صفوف الفرقة الموسيقية في نادينا، وقدمت العديد من الوصلات كعازف "صولو" في حفلات النادي المختلفة».

يتابع "أنور سمعان" حديث ذكرياته عن الفترات اللحقة ويقول: «بعد سنوات من العمل في نادي "دوحة الميماس" انتقلت إلى نادي "دار الألحان" رفقة عدد من زملائي الموسيقيين عام 1962 وبدأنا بتقديم أنماط موسيقية وغنائية جديدة بعيدة عن أجواء الموشحات والقدود كما كان سائداً في النادي الأول، أذكر من رفاق تلك المرحلة "طلال أبو رضوان"، "عبد الرحيم الدربي" و"رياض الشبعان"، في تلك الفترة قدَّمت اللون الطربي الرومانسي الذي كان "عبد الحليم حافظ" و"محرم فؤاد" و"كارم محمود" يتميزون به، لكن شدة تأثري بالعندليب كانت تطغى على ما أقدمه للجمهور حينها، تشجيع المحيطين بي دفعني للمشاركة في مسابقة للمطربين الهواة ضمن برنامج "ألوان" الذي كان يبث عبر أثير إذاعة "دمشق" وشاء القدر أن أكون من بين الناجحين فيه، كان ذلك سنة 1963، وبدأ الاهتمام بصوتي أكثر من قبل المعنيين فيها وعلى رأسهم مدير الإذاعة والتلفزيون الراحل "مصباح دبجن" الذي أصرَّ على انتقالي إليها، وهذا ما تمَّ لاحقاً عام 1967 حيث ندبت من وظيفتي في "الهيئة العامة للبترول" إلى وزارة الإعلام بطلب خاص، هناك تعرَّفت على أسماء كبيرة من الفنانين أمثال الفنان الراحل "شاكر بريخان" الذي قدَّم لي لحن أول أغنية خاصة باسمي كان عنوانها "يا حمام طاير"، وأصبحت مطرباً رسمياً في إذاعة "دمشق" منذ ذلك الحين، عاصرت فيها كبار المؤلفين والملحنين الذي كتبوا ولحنوا لي 25 أغنية خاصة بي، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: أغنية "طريق النصر" للشاعر "صالح الهواري" وملحنها كان "توفيق عنداني" وأغنية "عيونك والحرية" لكاتبها "كمال قنطار" وملحنها "حسن دركزلي" و"ميلي مع النسمات" التي ألَّفها "نمر كركي"، ومن أسماء الملحنين الذين تعاملت معهم أذكر "سهيل عرفة" و"سمير حلمي" ومعهم "سليم سروت" و"أمين الخياط"، كانت فترة ذهبية بالنسبة لي امتدت لغاية عام 1974، بعدها توقفت عن الغناء بشكل كامل وكان اعتزالي النهائي للغناء».

الموسيقي مروان غريبة

الموسيقي "أمين رومية" رئيس فرع نقابة الفنانين في "حمص" عن معرفته به قال: «المطرب والصديق "أنور سمعان" من أصحاب الأصوات العذبة، والدافئة، الغنية بالعاطفة، التي استمعنا إليها عبر أثير إذاعة "دمشق" في فترة السبعينيات وحتى بداية ثمانينيات القرن الماضي، وما زال أرشيفه الغنائي موجوداً لديها، وينتمي بمعظمه إلى قالب الأغنية الشعبية، إضافة لبعض القصائد المغنَّاة، استفاد من وجوده ضمن صفوف نادي "دوحة الميماس" العريق الذي كان وما يزال يصر على تقديم القوالب الغنائية العربية الكلاسيكية، كالأدوار والموشحات، إلاَّ أنه كان أكثر تأثراً بتيار الغناء الجديد الذي برز في تقديمه كلُّ من "أم كلثوم" و"محمد عبد الوهاب" و"عبد الحليم حافظ"، بسبب مواءمة هذا اللون الغنائي لطبيعة صوته المملوء بالإحساس والعاطفة، التقيته في نادي "دار الفنون" سنة 1979 أثناء زياراته المتكررة إليه، حيث كان يردد، بمهارة وحرفية عاليتين، أعمالاً غنائية لمن ذكرت من المطربين العمالقة، عدا عن أنّه عازفٌ من الطراز الرفيع على آلة الغيتار، برأيي الشخصي فإنَّ "أنور سمعان" من المطربين الذين لم يأخذوا نصيبهم الكافي من التألق والشهرة، مع العلم أن الملحن المصري المعروف "محمد الموجي" قد قدَّم له لحنين خاصين به عندما زار "سورية" في بداية السبعينيات، ولو قدِّر له أن يغنيهما حينها، لكان قد أصبح أحد كبار المطربين السوريين شهرة».

"مروان غريبة" عازف الكمان المحترف ورئيس فرقة نقابة الفنانين في "حمص" عنه يقول: «برأيي هو من أهم المطربين الذي ظهروا على الساحة الغنائية في "سورية" خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وأروع من غنى وبمهارة أعمال الراحل "عبد الحليم حافظ"، ما يميز صوته هو قربه من القلب عدا عن جماله، وقد أضاف عزفه الماهر على آلة الغيتار جمالية لأدائه، هو مطرب مثقف ويعرف ما يغنيه، مرهف الحس ولطيف المعشر وحافظ للود، وما قدَّمه في مسيرته الفنية يستحق التكريم عليه، إلّا أنه لم ينل ما يستحق كفاية عليه، ورغم تقدمه في العمر إلّا أن صوته وأداءه لهما نكهة موسيقية خاصة تسحر سامعيه».

الجدير ذكره أنّ "أنور سمعان" من مواليد "دمشق" سنة 1942 وهو عضو في نقابة الفنانين السوريين منذ عام 1969، وقد انتقل للعيش في مدينة "حمص".