حياة الناس سجل معقد يصعب بيانه بدقة أو تصويره بسطور قليلة، وبعض ما يمر به من أحداث تغير مسيرة حياته قد لا تكون خططت لها يداه وطمحت إليها نفسه، وذلك فضلاً عن إدراكه المتواضع لنتائجها وغاياتها. إنه الدكتور"محمد عبد المعطي" ابن مدينة "كفرتخاريم" التي وهبته حبّه للعلم وإصراره عليه، موقع eIdleb زار الدكتور"محمد المعطي" في بيته بـ"حلب" ليحدثنا عن بداياته مع العلم قائلاً:

«بدأت حياتي بتعلم "القرآن" عن طريق الشيخ "فضل وزوجته" رحمهما الله. دخلت المدرسة وحصلت على شهادة التحصيل الابتدائي عام /1945/، وانقطعت عن الدراسة لمدة سنتين بسبب وضع والدي المادي، لكن بإصرار مني استدان والدي مبلغاً صغيراً وأخذني إلى "حلب"، اشترى لي اللباس والدفاتر وكنت أنام في الفندق لعدم مقدرتي على دفع قسط المدرسة، وبعد فترة قصيرة أكرمني الله ويسر لي الطريق، فدفعت القسط الأول للمدرسة/150ل.س/ مقابل الإقامة والطعام في المدرسة في نظام داخلي.

إجراء بحث في مجال الكيمياء "النووية" في جامعة "سالفورد" في "بريطانيا" بإشراف هيئة الطاقة الذرية، إجراء بحث في جامعة "برمنغهام" في "بريطانيا" حول تحضير أحد مركبات "السيلينوم" ودراسة بنيته، دورة تدريبية لإعداد قادة في صنع واستخدام الوسائل التعليمية في كل من "دمشق" و"القاهرة"

أما المدرسة فكانت تعرف بـ"التجهيز الثالثة" وهي اليوم ثانوية "المعري"، وفي نهاية الفصل الأول أعفيت من القسط الثاني، بسبب تفوقي وبقيت كذلك حتى انتهاء دراستي الإعدادية والثانوية، وبعدها عملت الدولة في أوائل استقلالها على تأهيل كادر للتعليم الثانوي وغيره، فكانت تختار طلاباً من اختصاصات مختلفة تدرسهم على حسابها في الجامعة، تقدمت في هذا النظام لدراسة العلوم الفيزيائية والكيميائية والرياضية من كلية العلوم في الجامعة السورية الوحيدة "بدمشق" عام/1965/.

الدكتور "محمد عبد المعطي" يقرأ أحد مؤلفاته

ثمّ حصلت على دبلوم التربية من كلية التربية بـ"دمشق" عام /1957/، وبعد ذلك عيّنت معيداً في كلية الهندسة بـ"حلب" في العام /1962/، وأوفدت إلى بريطانيا جامعة "برمنغهام" لمدة أربع سنوات لتحضير دكتوراه في الكيمياء المعدنية "اللاعضوية" لصالح كلية العلوم المقرر إنشاؤها في "حلب"، وقبل انتهاء مدّة الإيفاد بسنة تقريباً حصلت أولاً على شهادة ماجستير/m.sc/ في آذار /1965/، ثم حصلت على شهادة الدكتوراه في /1966/، لذا طلبت من جامعة "حلب" الموافقة على الاستفادة من المدة الباقية في عمل بحث إضافي تمّت الموافقة على ذلك وبالفعل فقد نشرت بحثين خلال تلك الفترة في الجمعية الكيميائية البريطانية، وقبل انتهاء الفترة الإضافية بثلاثة أشهر طلبت مني جامعة "حلب" العودة عام /1967/، فعيّنت مدرساً بجامعة "حلب" "كلية الهندسة"، ثم صدر مرسوم جمهوري بإنشاء كلية العلوم في جامعة "حلب" يقوم على تأسيسها والتدريس فيها ثلاثة أساتذة كنت أحدهم، لذا فقد صدر قرار بنقلي إلى كلية العلوم وعينت مدرساً فيها.

كنت بطبيعة الحال المدرس الوحيد في الكلية للكيمياء ورئيس القسم، كان علي أن أدرس مقررات الكيمياء الموجودة مع العملي العائد لها إضافة إلى إدارة القسم وتأليف الكتب، لقد كانت فترة شاقة كنت أداوم فيها أكثر من عشر ساعات يومياً، وكنت طيلة وجودي في كلية العلوم رئيساً لقسم الكيمياء وذلك لأكثر من /12/ عاماً بصفة مستمرة دون انقطاع وحتى تاريخ إعارتي إلى جامعة الإمارات العربية المتحدة. وقمت خلال وجودي في كلية العلوم بتأليف ثلاثة كتب في تخصصي، وذهبت في منح اطلاعية وبحثية، واستطعت بمساعدة الجامعة والزملاء في القسم تأسيس عدد كاف من المختبرات لمختلف التخصصات، وافتتاح دراسات عليا».

المهندس "أحمد خشان" زوج ابنة الدكتور

وعن عمله في جامعة الإمارات أضاف قائلاً: «دعيت للتدريس في كلية العلوم بجامعة الإمارات، إمارة "أبو ظبي" بصفة أستاذ زائر لمدة فصل واحد خلال العام /1980/. وفي نهاية الفصل رغبت بالاستمرار في التدريس في الجامعة فوافق الرئيس الأعلى للجامعة، وهو وقتئذ وزير التعليم العالي في دولة الإمارات بعد إطلاعه على مؤلفاتي وخدماتي في جامعة "حلب" بالإضافة إلى المهام التدريسية في جامعة "الإمارات" كلفت بما يلي: رئاسة قسم الكيمياء لمدة /6/سنوات، وكالة كلية العلوم لمدة /3/سنوات، بالإضافة لرئاسة القسم، القيام بأعمال عمادة كلية العلوم، والاشتراك في لجنة انتقاء أعضاء هيئة التدريس المرشحين للعمل بين عامي/ 1981/ و/ 1985/، واستلمت رئاسة اللجنة المشرفة على البرامج الخاصة في الجامعة لمدة سنتين.

كنت عضو لعدّة لجان مثل اللجنة الدائمة لمعادلة الشهادات والرتب العلمية لمدة أربع سنوات، ولجنة الترقيات في الجامعة لمدّة سنتين، ولجنة التأليف والتعريب، واللجنة الدائمة للتجهيزات لمدة أربع سنوات، وخلال وجودي في الإمارات استقلت من عملي في سورية لأسباب منها ضرورة استمرار دراسة أولادي المرافقين لي بطريقة نظامية، وبقيت في الإمارات لغاية انتهاء عقدي في/1991/. وعند عودتي إلى سورية تعاقدت مع الجامعة الأم "حلب" بمرسوم جمهوري ودام عملي بعد عودتي أحد عشر عاماً، أي لغاية العام الدراسي /2003/ حيث بلغت من العمر /73/ سنة. وبذلك أكون قد درّست حوالي/45/ عاماً والحمد لله على فضله وتوفيقه».

وخلال زيارتنا للدكتور في بيته في "حلب" أطلعنا على بعض من مؤلفاته التي منها، (كتاب الكيمياء "اللاعضوية" منشورات جامعة "حلب"، كتاب تاريخ العلوم والحضارة الإسلامية منشورات جامعة الإمارات، تجارب الكيمياء "اللاعضوية" منشورات جامعة "حلب"، الكيمياء العامة منشورات جامعة "حلب")، كما أضاف عن بعض أبحاث "الدكتور" ومشاركاته العلمية «إجراء بحث في مجال الكيمياء "النووية" في جامعة "سالفورد" في "بريطانيا" بإشراف هيئة الطاقة الذرية، إجراء بحث في جامعة "برمنغهام" في "بريطانيا" حول تحضير أحد مركبات "السيلينوم" ودراسة بنيته، دورة تدريبية لإعداد قادة في صنع واستخدام الوسائل التعليمية في كل من "دمشق" و"القاهرة"»،

وعن حياة "الدكتور" الاجتماعية التقى الموقع بالمهندس "أحمد خشان" زوج ابنة الدكتور ليحدثنا قائلاً: «عاش الدكتور "محمد" ضمن عائلة فقيرة لا تستطيع تحمل تكاليف سفره إلى "حلب"، وذلك لعدم وجود ثانوية في "كفرتخاريم" في تلك الأثناء، إلا أن إصراره وصبره أوصله لأعلى الدرجات العلمية، ويمكن القول أنه مستقيم في سلوكه وتعامله، وله خبرة مميزة في الحياة، وتجد عنده من الأحاديث والأخبار المفيدة ما قد لا تجده في الكتب».

هذا ويشار إلى أن الدكتور من مواليد "كفرتخاريم" /1930/. وحالياً يعيش متنقلاً بين مدينة "حلب" وبلده الأم "كفرتخاريم" متقاعداً من عمله العلمي بعد أن تجاوز من العمر/73/ سنة من العلم والبحث، له أربعة أولاد "عبد الحكيم" دكتور في الطب تخصص جلدية، "إيمان" دكتورة في الطب تخصص عام ونسائية، "سوسن" إجازة في العلوم من جامعة الإمارات، "عمار" دكتور في الطب تخصص أمراض باطنية وهو الآن معيد في كلية الطب في جامعة "حلب" ويدرس حالياً في "فرنسا".