الصيدلاني الذي أعلن حبه وولعه لجهاز الحاسب، وانطلق يخوض في فك أجزائه وحل طلاسمه، ليدخل عمق الاختصاص ويُجاري الكبار في هذا المجال، وهو من مواليد "أم الخلاخيل" سنة 1967، ويعيش حالياً في قرية "تلمنس" التي تبعد حوالي خمسة كيلومترات عن مدينة "المعرة"، إنه الدكتور "صلاح الرزوق" أول من صمم برنامج محاسبة في المنطقة، والذي يشتهر بأنه أقدم من عمل في مجال البرمجيات على مستوى القطر.

كان مجموع درجاته في الشهادة الثانوية الفرع العلمي 221 درجة، وحينها كان يميل للعمل في مجال الكهرباء، لكنه قرر الدخول إلى ميدان الصيدلة.

صحيحٌ أن الصيدلة هي العمل الأساس في حياتي، ومنها تحصلت على المال والحوافز لإكمال مسيرتي العلمية، لكن العمل الحاسوبي أخذ جل ما أملك، وغالباً ما أجد نفسي في هذا الميدان لأنه متعلق بميولي

موقع eSyria التقى الدكتور "صلاح" في صيدليته الواقعة وسط "المعرة"، ليبدأ الحديث عن حياته العائلية ودراسته قائلاً: «أفتحر أن جدي كان "دقاقاً" والدقاق سابقاً هو المشرف على الفلاحين في الأراضي الزراعية، بينما لم يحافظ والدي وأعمامي على هذه المرتبة، حيث عمل والدي سائق آليات زراعية، دراسة الطفولة كانت في مدرسة "أم الخلاخيل" الإبتدائية، وبعد أن استقرت عائلتي في قرية "تلمنس" انتقلت إلى مدارس "المعرة"، وحصلت على الشهادة الثانوية في مدرسة الشهيد "وليد بلاني" في عام 1984، لم تكن رغبتي في البداية دخول الصيدلة بل الدراسة في معهد بحوث في "دمشق"، لكن الظروف لم تسمح لي بذلك، على أي حال كنت راضياً عن دراسة الصيدلة في العاصمة».

الدكتور صلاح أمام جهازه

كيف تحول الدكتور "صلاح" إلى مجال تقنيات الحاسب، وكيف استطاع شق طريقه في هذا المجال، عن ذلك أضاف: «أول جهاز حاسب اقتنيته هو "الكاتردج" النظام القديم للحواسيب وهو عبارة عن قطع كبيرة وأداء ضئيل، وعندما طرح نظام "IBM" وفيه نظام تشغيل "دوس"، صرت أخسر الكثير جراء غلاء الجهاز ونتيجة التجارب التي طبقتها مع بعض زملاء الدراسة، خاصةً أن النظام الرقمي للحواسيب القديمة هو 8 بت، والعمل عليه مضنٍ رغم أن وثوقية داراته الإلكترونية عالية جداً واستجابتها أكيدة، وأذكر أنني عملت على جهاز المعالج المُصغر، وهو جهاز متصل بشاشة مُضاءة بلون واحد، استطعت من خلاله التعامل مع لغة "assembly" البرمجية، وبالاشتراك مع مجموعة من الزملاء بدأت التقصي والعمل، وكنا أحياناً نجمع المال لنشتري المراجع التي كان اقتناؤها أمراً صعباً، ولذلك قمنا بمراسلة جامعات مثل "أكسفورد" لترسل لنا النشرات والأبحاث الحاسوبية، وتعاملنا مع باحثين في هذا المجال مثل الدكتور "محمد نذير المتني" صاحب الموسوعة الإلكترونية، الذي قدم لنا الدارات الإلكترونية، وكانت ذات أهمية في العمل البرمجي، لأننا نفتقد وجود دارات موائمة لتلك البرامج، لذلك كنا نصنع القطع الحاسوبية ونبني البرامج على أساسها، وبعد فترة الجامعة جاءني أول دخل مادي من البرامج بعد أن صممنا برنامج محاسبة سنة 1989 أسميناه "نورس سوفت"، كما قمنا ببناء خط (فونت) للطباعة العربية، وصرنا نطبع كل النصوص ذات الكتابة العربية رغم كون ذلك عملية شبه مستحيلة في تلك الفترة، وأذكر أهم زملائي ومنهم "عامر السومي" و"فاضل بكر"».

أما الاختصاص الذي سلكه في مجال البرمجة، فيقول عنه: «تخصصت في مجال أفلام الرسوم المتحركة، وعملت على برامج تصميم الرسوم ثنائية الأبعاد في شركة "النداء العالمي"، وحينها كان العمل من الصعوبة بمكان، لأنه يعتمد على الرسم العادي والسحب على الماسحات الضوئية، وبعد أن دخلت تقنية "motion capture"، أصبحت تكاليف الرسوم المتحركة أقل، وصرنا نعمل على معادلات مضاعفة الحركة، وتعتمد على وضع نقاط بيانية مرتبطة بحساسات حركة على شخص كومبارس، وبالنسبة للإنتاج العربي كان هناك محاولات جادة لإطلاق برامج رسوم متحركة، لكن الموضوع صعب قليلاً ويحتاج فترة طويلة من الوقت، ومثالي أن سلسلة سندباد العربية بقيت سنوات حتى استطاعت شركة لبنانية إنتاجها على يد "نقولا أبو سمح"، وبالنسبة إلينا لا يوجد موضوع معين نعمل عليه وتنقصنا الفكرة، وأذكر أول فيلم قمنا بإنتاجه وهو "صرخة حجر"، وبعده برنامج "فوائد الأشياء" ثم "الكتب التسعة" في الحديث الشريف، وخلال فترة وجودي في "دمشق" قدمت برنامج حساب سرعة الآليات أثناء التصادم لإدارة المرور، ويعتمد هذا البرنامج على قياس مساحة الفرامل ومعدلات الصعود والإنحدار».

الدكتور صلاح في صيدليته

وماذا عن العامل التجاري في ما قام به؟، ومدى إدراك الناس في البداية لأهمية التقنيات الحاسوبية تبعاً للعلاقة بين الموضوعين؟، يقول:

«أول وارد مادي حصلت عليه جاء بعد إطلاق برنامجي المحاسب، لكن قبلها لم أحصل على ليرة واحدة بل خسرت الكثير وتحملت أعباء السفر وحضور المعارض، وأيضاً شراء الكتب والقطع باهظة الثمن، وفي المقابل لم يدرك الناس في محيط بلدي ضرورة الحاسب وفكرته، وظنه الكثيرون أنه ينطق ويتصرف كالبشر، وحين تطورت الأجهزة وتقنياتها لم يدركوا أهمية ذلك بالنسبة إليهم، وتعرضت كثيراً لإجابات مثل "غير مهم" وما الفائدة من ذلك، أما أنا فكان همي تحصيل المعرفة باستقدام كل ما هو جديد في هذا المجال، وكان الأمر سيان بالنسبة إلي، فإن لم أخسر خرجت بالتساوي دون أي ربح، وفي أيامنا هذه ازدادت الأموال التي تصرف على الحواسيب والتقنيات، ودوماً أرى أن التقني يتميز عن التاجر، فالأخير همه البيع دون التمحيص في إمكانية الصيانة، لكن التقني يجب عليه الاهتمام والمثابرة لحل أية مشاكل فنية في الحاسب، وعلى الذين يريدون ابتياع حاسوب معرفة ماهية عمله والفكرة الأساسية من وراء اقتنائه، وإلا فإنه لا يصلح استئجار جرار زراعي لنقل حقيبة صغيرة مثلاً».

يخوض الدكتور "صلاح" مجالين مختلفين فأين يجد نفسه أكثر في ميدان الصيدلة أم في ميدان الحاسب؟، يجيبنا بالقول: «صحيحٌ أن الصيدلة هي العمل الأساس في حياتي، ومنها تحصلت على المال والحوافز لإكمال مسيرتي العلمية، لكن العمل الحاسوبي أخذ جل ما أملك، وغالباً ما أجد نفسي في هذا الميدان لأنه متعلق بميولي».

لم يبح الدكتور "صلاح رزوق" عن جميع مكنونات نفسه، ليتزن خلال النقاش بحوار هادئ رزين مقترن بضحكة خفيفة، كيف لا وهو الذي أعلن تأسيسه لمدرسة متكاملة في مجال الحاسب وبرمجياته، واليوم يُدرس منهاج "ثري دي ماكس" في معهد "ابدأ" التعليمي، متابعاً مشوار تحصيله العلمي في خضم هذا العمل.

وأخيراً كان لابد من رأي عن الدكتور "صلاح"، وقد أبداه السيد "مراد علوان" مدير مركز "إبدأ" التعليمي، حيث قال: «استأثر الدكتور "صلاح" بإعجاب شركات التسويق الإلكتروني للحواسيب، وهو الذي قام بمساعدتهم في الكثير من المشكلات التقنية التي اعترضتهم، ونحن نعتز به في المعهد على ما يقوم به في مجال تعليم المعلوماتية بمستواها الأكاديمي، لأننا بحاجة له بعد أن تحصل على المعلومات التي تفيدنا وتفيد الشباب بشكل عام في بلدنا».