تشكل تجربة الحاج "عبد الرحمن بلان" من أهالي قرية "الهلبة" القريبة من مدينة "معرة النعمان"، حالة مشرقة في ريف محافظة "إدلب"، ومثالاً يحتذى به في تحويل حالة الفشل إلى نجاح كبير، إذ إن فشله في الدراسة كان الشرارة التي أشعلت في نفسه التحدي لبناء أسرة مثقفة بأكملها وهذا ما كان.

فجميع أبناء الحاج "أبو فهد" السبعة هم من حملة الشهادات الجامعية وباختصاصات مختلفة تنوعت بين الصيدلة الهندسة والتربية والأدب العربي، وهذه ظاهرة نادرة في ريف منطقة "المعرة"، لذلك صارت قصة "أبو فهد" ملهمة ومحرضاً للكثير من الأسر في قريته والقرى المجاورة لتعليم أبنائها، فتبدلت الكثير من قناعاتهم التي طالما اعتبرت التعليم آخر اهتمامات الأسرة في تلك القرى.

ندمت كثيراً على أمر واحد فقط أني لم أكمل دراستي ولكن رضيت عن نفسي عندما عوضت فشلي بأولادي، وعندما أجلس مع نفسي أقول بأني أسعد الناس، فالأولاد بفضل الله كلهم أصحاب شهادات عليا وناجحون في عملهم، وعلاقتهم مع الناس جيدة ومستقيمون وبارون بوالدهم وعلاقتهم مع بعضهم بعضاً ممتازة لذلك بفضل الله أشعر بسعادة كبيرة

موقع eIdleb التقى الحاج "أبو فهد" في منزله بتاريخ 13/12/2010 وسأله عن الأسباب التي جعلته يصر على تعليم جميع أولاده حتى نيل الشهادة الجامعية فأجاب: «من أكثر الأمور التي ندمت عليها في حياتي أنني لم أكمل دراستي، فعند خروجي من المدرسة ومرور السنوات قارنت بين حياتي وحياة زملائي الذين أكملوا تعليمهم، فحزنت حزنا شديدا على ما فرطت بحق نفسي وقررت أن أعوض فشلي في المدرسة بتعليم جميع أولادي وحتى حصولهم على الشهادة الجامعية، وبفضل الله تعالى وفقت بذلك حيث أشعر بسعادة كبيرة جداً عندما أراهم جميعاً حملة شهادات جامعية فتنتابني راحة نفسية كبيرة لأني عوضت فشلي بنجاح أولادي».

الحاج عبد الرحمن بلان أبو فهد

سنوات صعبة مرت على الحاج "أبو فهد" أثناء مسيرة بناء جيل مثقف في عائلته يلخص تلك السنوات بالقول: «في عام 1958 تركت المدرسة وكان عمري 13 عاما فألزمني والدي برعاية الأغنام التي كنا نربيها وكان عددها كبير حيث بقيت مع الأغنام عامين ذقت خلالها أياما صعبة، بقيت كذلك حتى عام 1970 حيث أنهيت الخدمة العسكرية واستقليت عن والدي، تزوجت في عام 1962 وكان عمري آنذاك 17 عاما حيث وجدت نفسي أمام مسؤوليات كبيرة وأنا في عمر صغيرة، لكن والدي رحمه الله أعطاني عددا من رؤوس الغنم وجرارا زراعيا لكي أتدبر بها نفسي ومعيشتي، فقررت أن أسخر هذه الأملاك لتعليم الأولاد، حيث كنت مهووسا جداً بهذا الأمر فبعت الأغنام نظراً لكثرة المصاريف وبعت الجرار واتجهت للعمل الزراعي فكنت أتضمّن الأراضي وأزرعها على حسابي».

ويضيف الحاج "عبد الرحمن": «منذ سنة زواجي أخذت عهدا على نفسي بأن أجنب أولادي الفشل الذي مررت به، فوجهت كل اهتمامي إليهم أثناء الدراسة، والحمد لله لم يخذلوني فقد كانوا على قدر المسؤولية، وأنا كنت دائماً أتردد إلى المدرسة وأسأل المدرسين عن وضع الأولاد في المدرسة، وعندما كان الأولاد يلاحظون مني كل هذا الاهتمام بالدراسة تولدت لديهم رغبة أكبر في تحقيق النجاح في دراستهم، وبفضل الله أكرمني بمحاصيل جيدة فتابع الأولاد تعليمهم وأموري الاقتصادية بفضل الله تحسنت وأنا حالياً أملك 70 دونم أرض منها 50 دونما مزروعة بأشجار الزيتون و20 دونما أزرعها محاصيل شتوية».

نواف بلان

وهل الحاج "أبو فهد" راض عن السنوات التي أمضاها؟ وهل ندم على شيء ما فعله أو لم يفعله؟ يجيب: «ندمت كثيراً على أمر واحد فقط أني لم أكمل دراستي ولكن رضيت عن نفسي عندما عوضت فشلي بأولادي، وعندما أجلس مع نفسي أقول بأني أسعد الناس، فالأولاد بفضل الله كلهم أصحاب شهادات عليا وناجحون في عملهم، وعلاقتهم مع الناس جيدة ومستقيمون وبارون بوالدهم وعلاقتهم مع بعضهم بعضاً ممتازة لذلك بفضل الله أشعر بسعادة كبيرة».

السيد "نواف بلان" يرى في أسرة الحاج "أبو فهد" «فخراً لجميع أهالي قرية "الهلبة" فقد حرضت هذه الأسرة الكثير من الأسر في قريتنا والقرى المجاورة لتعليم أبنائها والحصول على الشهادات العليا، "أبو فهد" عانى كثيراً في سبيل الوصول بأولاده إلى ما وصلوا إليه اليوم، وهو بكل صدق يستحق ذلك نظراً للتضحيات الكبيرة والجهد المضني الذي بذله في هذا المجال، وهو وجه اجتماعي مرموق في القرية نظراً لعقله الراجح وجهوده الكبيرة في تحسين الأجواء الاجتماعية في القرية، والقضاء على الخلافات التي تنشب بين الأهل قبل أن تتفاقم، كما أنه إنسان طيب وودي وكريم ومضياف ومن يزوره مرة يعجب بشخصيته المثقفة والاجتماعية».

في مضافة أبو فهد في قريته الهلبة

يشار إلى أن الحاج "عبد الرحمن بلان" من مواليد قرية "الهلبة" عام 1945 لديه من الأولاد سبعة شبان هم: "فهد وموفق" مهندسان و"علي" صيدلاني و"عامر ويوسف" معلمان و"سلطان" خريج إرشاد نفسي و"علاء" سنة أولى أدب عربي.