من الطبيعي أن تلتقي بشخص يهوى صيد السمك أو الطيور أو الأرانب أو غيرها من الحيوانات الأليفة، ولكن من النادر جداً أن تصادف أسرة امتهنت صيد الوحوش، نعم إنها أسرة السيد "عبد الرحيم البرهوم" من قرية "عين لاروز" الواقعة على بعد 15 كم شمال غرب مدينة "كفرنبل"، والتي تعمل في صيد الضباع منذ أكثر من أربعين عاماً.

موقع eIdleb وأثناء زيارته لقرية "عين لاروز" زار منزل السيد "عبد الرحيم البرهوم" وتحدث معه ومع ولده "غريب" عن قصتهم مع مهنة صيد "الضباع"، حيث يقول "عبد الرحيم البرهوم": «لم يكن أبي صياد ضباع وقد بدأت قصتي مع هذه المهنة بالمصادفة، ففي أحد الأيام وكان عمري حوالي 30 عاماً خرجت لصيد الثعالب والأرانب في البرية، وفي طريق العودة صادفت "وكر ضبع" فدخلت إليه ومعي "كلابة" (قطعة معدنية معقوفة بشكل حرف ل تستخدم لتعليق شيء أو سحبه) وبندقية صيد، ثقبت رجله بالكلابة وشددته فلم يتحرك فقررت أن أطلق عليه النار فصاح بصوت عال جداً وهاج داخل الوكر فوقع "البيل" من يدي لكون وكر الضبع معتم جداً حيث إنه يصنع وكره بعمق يزيد على 10 أمتار داخل الجبل، وبعد أن هدأ "الضبع" بحثت عن "البيل" وعندما وجدته وأضأت "الوكر" وإذ بالضبع في مكانه لم يتحرك ولكن الدم يخرج من فخذه، فأطلقت عليه النار مرة أخرى حتى مات وأخرجته من "الوكر"».

الضبع ينشر من مؤخرته رائحة كريهة جداً كما أنه يعمد في حالات خوف الشخص منه إلى "التبول" عليه مما يجعل الشخص كأنه مخدر حيث يغدو لا حول له ولا قوة

ويضيف: «منذ بداية اهتمامي بهذا الموضوع صدت حوالي عشرة ضباع كنت أبيعها لحدائق الحيوان والمهتمين بتربية الحيوانات المفترسة، وأذكر بأني بعت أول ضبع صدته بمبلع 35 ألف ليرة أما آخر ضبع صدته فكان منذ حوالي ثلاث سنوات، ويستدل على "وكر" الضبع من شكله ووجود شعرات من صوفه على الجدار وأعرف إذا كان موجودا أم لا من أثر أقدامه على الأرض».

عبد الرحيم البرهوم عند باب أحد أوكار الضباع

ومن حوادث صيده للضباع يسرد: «ذات مرة ذهبت إلى قرية "مشمشان" لإخراج ضبع، فدخلت وإذا بالضبع في صدر "الوكر"، فأحضرت "البلام" (قطعة معدنية توضع في فم الحيوان لكي تمنعه من العض) و"شوال" وعود طويل، حيث قمت بوضع "الشوال" على ظهر الضبع باستخدام العود لكوني كنت أقف على بعد عنه حوالي مترين، لكن "الضبع" تحرك فسقط "الشوال" من على ظهره وصار عند قدميه، أخذت أقترب منه وهو ينظر إلي ويتثاءب حتى وصلت إليه شددت "الشوال" من تحته وغطيت رأسه به وركبت على ظهره، ثم وضعت "البلام" في فمه ثم أخرجته من "الوكر"».

مسيرته الطويلة مع صيد الضباع لم تخل من الحوادث المؤسفة يروي إحداها بالقول: «ذات مرة ذهبت إلى قرية "عري" شمال "محمبل" لأخرج ضبعا، وعندما دخلت "الوكر" ووجهت ضوء "البيل" على وجهه صاح وهاجمني وكان في يدي قطعة معدنية فقطعها بأنيابه وأمسكني من رقبتي بفمه وسحبني إلى الداخل، وعندما صار فراغ بيني وبين سقف "الوكر" قفز من فوقي وخرج وتركني، وأنا في هذه اللحظة شعرت بخوف شديد من أن يقوم الأشخاص الذين ينتظرون عند فتحة "الوكر" بضربه بالرصاص لأنه في هذه الحالة سوف يعود إلي ويأكلني لا محالة، فهممت بالخروج من "الوكر" وإذ بالضبع في أحد الطرق قرب المدخل فلما رأى الضوء تقدم نحوي ففتحت له الطريق ليعود إلى طاقته في صدر "الوكر" وخرجت وتركته».

أحد أوكار الضباع قرب قرية عين لاروز في جبل الزاوية

وحول أسطورة أن الضبع "يضبع" الإنسان يوضح "أبو غريب": «الضبع ينشر من مؤخرته رائحة كريهة جداً كما أنه يعمد في حالات خوف الشخص منه إلى "التبول" عليه مما يجعل الشخص كأنه مخدر حيث يغدو لا حول له ولا قوة».

"غريب" هو الابن البكر للسيد "عيد الرحيم" رافق أباه منذ صغره في هذه المهام الخطرة، وكسب منه خبرة السيطرة على "الضبع" وصيده واطلاع واسع بطباع "الضبع" وعن بعضها يقول: «"الضبع" وحش هادئ جداً عندما يكون غير جائع، وهو في النهار لا يخرج أبداً خارج وكره ولكنه يخرج في الليل للصيد، وتكون السيطرة مطلقة عليه إذا غطيت رأسه بغطاء لأن ذلك يشعره كأنه في وكره، وله حاسة شم قوية جداً تميز الشخص الذي يبدو عليه الفزع من الشخص غير الفزعان، ويعتبر فزع الشخص اللحظة التي يستغلها الضبع لافتراس الشخص، وعندما تدخل وكر الضبع بقوة قلب فإنه لا يتحرك من مكانه مهما اقتربت منه، وهو يحفر وكره بشكل عميق في الجبل حتى إنه يصل لحوالي 15 مترا داخل الجبل، وله عادات قريبة من الإنسان فلوكره عدة فتحات، فتحة مخصصة للنوم وأخرى لتناول الفريسة وأخرى مسرح للعبه، ومن أكبر أخطاء التعامل مع الضبع هي أن تؤلمه في ذيله لأن ذلك يزعجه بشكل كبير جداً يجعله يثور وأول الوكر يكون ضيقا لكنه يتوسع بالتدريج كلما اتجهت للداخل وهو يحفر الصخر بأنيابه ومخالبه لكونه يتمتع بقوة خارقة في فكيه ويديه».

ويروي عن إحدى مرات مرافقته لوالده: «في أحد الأيام ذهبنا إلى محافظة "حلب" لإخراج ضبع لأشخاص من تلك المنطقة، وعندما وصلنا الوكر دخلت مع والدي لإزالة صخرة كبيرة من داخل "الوكر" وكان الضبع مستلقيا خلف الصخرة، أزلنا الصخرة وقمت بربط الضبع من رجليه ثم سحبناه إلى خارج "الوكر"، وعندما خرج ورأى ضوء النهار هاج وبدأ يقفز كالكرة وهو مربوط، فتناولت "الفلت" ورميته على رأسه فهدأ ثم وضعناه في قفص حديد قضبانه 6 مم ونقلناه إلى أحد المنازل، فطلبوا منا أن نربطه لهم بجنزير فدخلت القفص وعندما فككت يديه وأرجله ثار وبدأ يقطع قضبان القفص بأنيابه كالمنشار فأسرعت إلى إحدى الغرف المجاورة وتناولت "بطانية" ووضعتها على القفص حتى هدأ».

السيد "محمد جميل قنطار" مختار قرية "عين لاروز" يقول عن أسرة "أبو غريب البرهوم": «هذا الرجل معروف في قريتنا ومنطقتنا ومنذ سنوات طويلة بأنه يصيد الضباع، وأتذكر ذات مرة أنه صاد ضبعا ووضع "البلام" في فمه ودار به في أنحاء القرية، حيث اجتمعت القرية بأكملها لكي تتفرج عليه، ونشاطه في هذا المجال لا يقتصر على منطقتنا، بل في مرات كثيرة يقصدونه من مناطق ومحافظات أخرى لكي يصيد لهم ضباعا في مناطقهم، و"عبد الرحيم البرهوم" صاحب مراق في هذه المجال حتى إنه ورث هذه الخبرة لأولاده حيث إنه منذ سنوات يرافقه ابنه "غريب" في صيد ضباع».

يشار إلى أن السيد "عبد الرحيم البرهوم" من مواليد عام 1935 وابنه "غريب" من مواليد عام 1966، ورغم تقدم "أبو غريب" في العمر فإنه مستعد لصيد الضباع وهو يرصد المكافآت لمن يذكر له عن وجود ضبع في مكان ما.