أصوات شعرية فذة تحمل مكنونات الأنثى ببوحها الشعري وصوتها المتواتر والأغراض الجمالية، أضفت ذلك اللون الوردي إلى منصة ثقافي "إدلب" بعد غياب طال أمده لحضور المرأة في الساحة الشعرية في "إدلب".

رمزية الألوان وأسرار النفس البشرية والتجربة الشعرية الطويلة حضرت مع الشاعرة "سهام سليمان" لتتحدث عن المجد الذي يرمز إليه اللون الأسود فقالت: «لم أتكلم عن اللون الأسود بوصفه ذلك اللون المجرد، بل وضعته في سياق القصيدة وسياقه الأساسي منذ الأزل فهو لون ظلمات رحم الأم، واللون المعبر، فذلك الشريط الصغير الأسود في زاوية صورة يحمل الكثير من الحزن والأسى، وأيضاً لون الحب فتلك العيون السوداء الحوراء مضرب المثل في الجمال، وأيضاً لون العطر الذي نتنشقه، فرمزية اللون الأسود في القصيدة لا تعني الحزن بل مشاركته لنا في جميع محطاتنا الحياتية، ويستطيع المتلقي أن يضعه رمزاً ليكون مجداً كما كان عنوان قصيدتي "في مجدي الأسود"».

رأينا سوية شعرية متوازنة رغم التفاوت في المستوى والأداء، وكان لكل صوت أنثوي نكهته الخاصة وجمهوره أيضاً بحضور القصيدة الموزونة العمودية والتفعيلة والشعر الحر، واختلاف الأغراض بين الوجداني والعاطفي والملحمي

ولعل التاريخ لم ينصف المرأة بعد، فالرغبة الجانحة باتجاه الرجل والتي عرفتها "زليخة" مع "يوسف النبي" كانت أبرز المحطات الشعرية لدى الشاعرة "حلا غريبي" وعنها قالت: «قد تكون "زليخة" هي تلك الملحمة التي مثلت حاجة المرأة إلى الرجل وإلى الجمال، لكنني أعمد في أشعاري إلى اقتباس تجارب حياتية واقعية من المجتمع، ذات طبيعة جمالية، تتمتع بقدر من الرصانة والعذوبة، لأضعها في "فتافت سكر" الديوان الذي أصدرته والذي يزخر بقصص شعرية تتناول الجانب الحياتي ومحطات مختلفة من الحياة».

سهام سليمان

ولأن القدر اختارها أن تكون أنثى فقد آثرت أن تتخذ نهج الأنثى كما اتخذته الشاعرة "قمر صبري الجاسم" في محاكاة حية لقصيدة "نهج البردة" لأمير الشعراء "أحمد شوقي" فقالت: «لم تخاطب قصيدتي لنهج البردة إلا في العنوان والبحر والقافية، لكن ما تبوح به القصيدة مختلف كلياً، أتحدث عن نظرة الرجل إلى الأنثى الشاعرة، الأنثى التي دونها لم يخلق الرجل وسبقته في قول الشعر، أردت من خلال القصيدة إيصال عدة رسائل مختلفة، فلو كان الشعر بالقسوة لكان الصنم أشعر الشعراء، ولو كان بالسيادة لكانت هيئة الأمم، لكن الشعر لا يعرف ذكراً وأنثى بل نتاج إبداع، ولذلك قلت: "ونحن صنوان لا ضدان هاجسنا حرب ونسأل من في قمة الهرم... لو كنت مثل جرير في خصائمه/ لكنت قلت لم الخنساء لم تلم"».

وتتوقف "انتصار سليمان" لتؤكد أن المرأة هي أحد طرفي بناء الكون وليست سبب دماره، "جراح الملح" القصيدة التي خرجت عن الصراع الأزلي الذي اختارته المرأة بينها وبين الرجل، واختارته الشاعرات نبضاً لقصائدهن، لكن "انتصار" آثرت الجمهور ليشاركها قصيدتها فقالت: «"جراح الملح" عنوان لا يعبر عن الضعف البنيوي الذي تحمله المرأة بل يمثل مصدر قوة في نفي كل ما يقال عن المرأة، أحضرت رموزاً كثيرةً في القصيدة مثل الجراح ومثل البحر، يستطيع المتابع والمتلقي تفسيرها كما يشاء، فالبحر ذلك الرمز الذي لا أستطيع تأطيره، بل اخترت أن يكون القارئ شريكي في إكمال القصيدة ويرجع ذلك إلى ثقافته والبيئة التي ينتمي إليها والحالة النفسية».

قمر صبري الجاسم

أبناء الشأن الأدبي كانت وجهات نظرهم متفاوتة بين الانبهار وتقديم ملاحظات قيّمة، فالكاتب والقاص "خطيب بدلة" يقول: «رأينا سوية شعرية متوازنة رغم التفاوت في المستوى والأداء، وكان لكل صوت أنثوي نكهته الخاصة وجمهوره أيضاً بحضور القصيدة الموزونة العمودية والتفعيلة والشعر الحر، واختلاف الأغراض بين الوجداني والعاطفي والملحمي».

ويرى الأديب "نجيب كيالي" أن "ثيمة" الجيل الماضي من الشاعرات ما زالت تلقي بظلالها على شاعرات اليوم: «وجود الصوت الأنثوي مهم جداً، فأصدق ما تكون المرأة في شعرها، لكن هيمنة القضايا الأنثوية ما تزال السمة الغالبة على طبيعة القصيدة، يجب أن تخرج المرأة من تلك الثيمة التي ميزت شاعرات الجيل الماضي، ونأمل خروجها إلى قضايا تهتم بالشأن الاجتماعي والوجع المشترك، عوضاً عن الرؤية المعتادة بوجود الرجل في ضفة والأنثى في الضفة المقابلة».

الأديب خطيب بدلة