قتال أو صراع الديكة من المشاهد اللافتة التي لا تزال باقية في ذاكرتنا، والتي كنا نراها بشكل كبير وشبه يومي في أحيائنا الشعبية وفي حارتنا وقرانا، أما اليوم فنادراً ما نراها نظراً لابتعاد الناس عن تربية الدجاج واقتصار هذا الأمر على القرى الصغيرة والمزارع والريف البعيد عن المدينة أو في البادية حيث أنه من المصادفة أن نشاهد تلك المعارك الضارية التي تنشب بين الديكة، إذ يكفي أن يقوم ديك غريب عن المنطقة والحارة حتى يندفع ديك الحي للدفاع عن منطقته وحارته التي يحرم على غيره من الديكة تجاوز حدودها والتعدي على أملاكه وكأن الغريزة وحب السيطرة تجعله ينصب نفسه أميراً على الحي.

هذا المشهد لصراع الديكة استهوى البعض من الأهالي الأمر الذي جعلهم يفكرون بتحويله إلى ما يشبه المباراة وعن ذلك يقول "هاشم قطيع" أحد سكان الأحياء القديمة في مدينة "إدلب" والذي ظل لسنوات كثيرة أحد المتمسكين بهذه الهواية حيث تحدث لموقع eidleb قائلاً: «إن الأمر في بدايته كان عبارة عن منازلات تقع بين ديكة الجيران أو ديكة الحارات مع بعضها البعض بالصدفة، ثم تحولت إلى نزال مدبر له لمعرفة الأقوى بين تلك الديكة وذلك للتسلية وقضاء بعض الأوقات والتباهي بالقوة، حيث تقع بين الطرفين معركة لا تنتهي إلا باستسلام أحدهما أو هروبه أو جرحه وأحياناً موته بعد أن يتناثر الريش والدماء في موقع المعركة، وفي بعض الأحيان يقوم أحد الأشخاص بالتدخل لإنهاء هذا القتال العنيف بين الديكة، ومن ثم تحولت التسلية إلى نوع من الكسب المادي بإلزام صاحب الديك الخاسر دفع مبلغ من المال أو إقامة وليمة لصاحب الديك الرابح ثم تطور فأصبح لعبة تقام لها الحلبات ويحشد الناس ما لديهم من أفضل أنواع الديوك المقاتلة والمشهود لها بالقوة، حيث تجري المباريات وتعقد صفقات البيع في نهايتها إذ يعمد الكثير من الأشخاص إلى اقتناء أفضل الديوك الموجودة والتي أثبتت مقدرة كبيرة على القتال حيث تدفع مبالغ كبيرة لتلك الديوك مقارنة مع الأسعار المتعارف عليها لهذا الطائر الذي يفترض أن يكون أليفاً والسبب في ذلك أخذه للمشاركة في مسابقات أخرى».

بالتأكيد معرفتي أن تحريض الديوك على بعضها للقتال والتي غالباً ما تتأذى أو تموت هو شيء غير مقبول فقررت تركه، واكتفيت اليوم بشراء وبيع وتربية الديوك المرغوبة من خلال الاهتمام بتفريخها، وهذا الأمر مربح ومصدر عيش بالنسبة لي حيث أصبح هذا الأمر كأي تجارة بالنسبة لنا من خلال الاستفادة من الديوك ذات العروق والأصناف المعروفة بقوتها وصمودها في القتال في عملية التفريخ ثم بيع الفراخ بأسعار عالية

ورغم أن هذه الهواية باتت اليوم من الماضي إلا أن البعض لا زال متمسكاً بها كهواية أو كمصدر عيش وعن هذه الهواية يقول "قطيع": «في البداية كان الأمر بالنسبة لي مجرد تسلية وهواية ومن ثم بدأت بالمشاركة في المسابقات والحلبات التي تقام لقتال الديكة سواء في محافظات ومناطق أخرى في سورية أو في تركيا حيث كانت أقوى الديوك تشارك في تلك المسابقات التي تقام عادة خلال الفترة من "آذار" وحتى "حزيران" وتقام في حلبة قطرها مترين تقريباً ويحضرها المئات من الأشخاص الذين يلتفون حول الحلبة لمتابعة المنازلة بين الديوك، مدة المنازلة غير محددة وتبقى مستمرة طالما كان الديكان قادران على القتال، وكنا نشتري الديوك التي تعجبنا حتى أنني اشتريت في أحد المرات ديكاً أعمى من تركيا بألف دولار لأنه استطاع أن يربح ست جولات متتالية».

هاشم قطيع

وعن أسعار الديكة وأفضل الأنواع قال: «الأسعار تتفاوت حسب نوع الطير وشكله وقوته والجولات التي ربحها، فتتراوح الأسعار بين ألف ليرة ومئة ألف ليرة، وإن أفضل الأنواع القوية هي البلجيكي والهندي والفيتنامي والصيني والهولندي والإسباني، وهو معروف بصغر حجمه لكنه قوي، كما أن هناك أسماء مختلفة للديوك تطلق عليهم من خلال شكلهم أو بلدهم أو صفاتهم أو مزاجية فهناك مثلاً أسماء مثل "السريع" أو "القزم" أو "أمير الدهاء" أو "الجرودي" أو "التركي" أو "الماكر" أو "البلدي"».

وللفوز بالمعركة ينبغي التحضير الجيد لها والتقيد بالقوانين المحددة لها وعن ذلك يقول: «بالطبع كنا نحضر الديوك للقتال حيث نجعلها ترتاح ونقوم بتغذيتها بأفضل أنواع الغذاء مثل الذرة الصفراء والفستق والجوز والعسل وذلك لمدة 15 يوماً قبل موعد القتال وعندما تبدأ المنازلة لا يجوز لأي شخص التدخل إلا لصاحب أحد الديوك عندما يرى أن هناك سبباً للتدخل وإنهاء المنازلة عند إصابة أحدهما، وهذا يكون انسحاباً وإعلان للخسارة من جانبه وإلا يجب أن يكمل الديكان القتال حتى استسلام أحدهما أو خروجه من الحلبة أو سقوطه على الأرض».

قتال الديكة على الحلبة

وعن سبب تركه لهذه الهواية قال: «بالتأكيد معرفتي أن تحريض الديوك على بعضها للقتال والتي غالباً ما تتأذى أو تموت هو شيء غير مقبول فقررت تركه، واكتفيت اليوم بشراء وبيع وتربية الديوك المرغوبة من خلال الاهتمام بتفريخها، وهذا الأمر مربح ومصدر عيش بالنسبة لي حيث أصبح هذا الأمر كأي تجارة بالنسبة لنا من خلال الاستفادة من الديوك ذات العروق والأصناف المعروفة بقوتها وصمودها في القتال في عملية التفريخ ثم بيع الفراخ بأسعار عالية».

قطيع مع أولاده ومهنة فريدة