هي مدرسة أثبتت للعالم بأسره مع مرور الزمن صوابية اتجاهاتها وخياراتها المرتكزة على ثوابت تقوم عليها مطالب شعب بأكمله، إنها المدرسة الدبلوماسية السورية، التي أشار إليها نائب وزير الخارجية السوري الدكتور "فيصل المقداد" ولم يخف انتماءه لها ولفكر حزب البعث العربي الاشتراكي، لا بل جاهر بأنه يعتز بهذا الانتماء. وذلك خلال ندوة أقامها المكتب الفرعي لنقابة المعلمين في "اللاذقية" بالتعاون مع فرعي الحزب في المحافظة ورئاسة جامعة تشرين.

وفي رؤيته لما قيل ويقال أن حرباً عالمية ثالثة قد جرت، وعن دور سورية فيها أوضح "المقداد": «هذه الحرب لم تكن عسكرية الطابع، وقد أثرت في نشوء الكثير من التحولات في المنطقة، وبالتالي التسبب في خلق عالم جديد، وقد اختلف الكثيرون على دور سورية وإن كانت عاملاً أساسياً لهذا التحرك من خلال دورها الكبير والمؤثر في المنطقة العربية، في ظل غياب المعسكر الاشتراكي وبروز الهيمنة الأمريكية في المنطقة الدولية، وأنا شخصياً كنت شاهداً على هذه التحولات التي حدثت في المنطقة وكنا جزء لا يتجزأ منها رغم ضراوتها».

هنا لا أنسى موقف السيد الرئيس "بشار الأسد" حينما كان في روما وسئل على موقف سورية الذي أملاه اليوم مندوبها أمام مجلس الأمم المتحدة والذي يعبر ويمثل عن موقف القيادة السورية والشعب السوري ككل، حينها أجاب سيادته بأن ما قيل وسمعتموه ما هو إلا موقف الشعب السوري من قضية مصيرية ناضل ويناضل من زمن لأجلها

وبالعودة إلى بداية مرحلة الضغوط على سورية بعد أحداث 11 أيلول قال "المقداد": «بعد 11 أيلول سعى المحافظون الجدد وبعض قوى الهيمنة السياسية والاقتصادية لتأمين ذريعة لهم للصق التهم بالعرب والمسلمين وجعلهم المنطقة المنبع التي تصدر الإرهاب والإرهابيين إلى العالم ككل، على الرغم من أن القيادة السورية آنذاك تصرفت على عكس ما صرح به هؤلاء، فقد أرسلت القيادة ببرقية تعاطف إلى الشعب الأمريكي وقيادته جراء ما حدث هناك خلال هذه الأحداث المؤسفة لأناس لا ذنب لهم في شيء، وبعد الحادث بعام تحدثت ضمن مجلس الأمم المتحدة وضمن البيان الأول لسورية عن كبير تعاطفنا وحزننا على ما أصاب الشعب الأمريكي وعلى الأرواح البريئة التي زهقت يوم تلك الأحداث، ولكننا وفي نفس البيان لم ننس ما يحيط بشعبنا العربي الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية وضمن مخيمات قطاع غزة على وجه الخصوص، حيث يقتل الأطفال والنساء والشيوخ كل يوم دون أي موقف يذكر من الدول التي وقفت وعارض مندوبوها بيان سورية حين قرأته، ومقارنته مع ما حصل للضحايا الأمريكيين وما يحدث كل يوم للأبرياء الفلسطينيين على أرضهم المحاصرة منذ عقود وسنين».

من الندوة

وحول هذه النقطة بالتحديد أكد "المقداد" مدى مدافعة الرئيس "الأسد" عن جنوده في كافة المعارك والمحافل فقال: «هنا لا أنسى موقف السيد الرئيس "بشار الأسد" حينما كان في روما وسئل على موقف سورية الذي أملاه اليوم مندوبها أمام مجلس الأمم المتحدة والذي يعبر ويمثل عن موقف القيادة السورية والشعب السوري ككل، حينها أجاب سيادته بأن ما قيل وسمعتموه ما هو إلا موقف الشعب السوري من قضية مصيرية ناضل ويناضل من زمن لأجلها».

وأضاف "المقداد" حول منعكسات الموقف السوري وما رسم لسورية جراء ذلك: «بعد أحداث 11 أيلول ونتيجة لمواقف سورية الشرعية برزت المؤامرات التي بدؤوها باغتيال رئيس الحكومة اللبناني "رفيق الحريري" فحاولوا خلق شرخ ما بين الشعبين السوري واللبناني، ومن أجل تحميل سورية مسؤولية الجريمة، علماً إن سورية لم تكن أبداً في يوم من الأيام لتفعل مثل تلك الجريمة، ومن ناحية أخرى لم تكنّ في يوم من الأيام إلا الخير للبنان الشقيق، والأهم من ذلك هو أن الرئيس الراحل "رفيق الحريري" كانت تربطه علاقات ممتازة بالقيادة السورية، ولكن ربما قد نختلف في بعض المجالات وهذا يحدث حتى بيننا نحن داخل حزبنا ومجتمعنا، والاختلاف هنا هو أمر صحي وليس مرضياً، ونحن في سورية قد مهدنا كل الظروف التي تمكن هذا البلد من استعادة استقراره وهدوء كل أطيافه لأن اضطراب الأوضاع في لبنان من شأنه أن يزيد المنطقة اضطراباً وأن يؤثر بشكل مباشر على سورية، وبكل صراحة أقول بأن قائدنا الرئيس "بشار الأسد" لو أتيح له أن يسحب الجيش السوري من لبنان قبل 2006 لكان قد فعل، لا بل إنه كان يطمح لسحب الجيش السوري منذ 1998، وخلال تلك المرحلة واجه شعب سورية الحصار الأمريكي بكل صمود وتحدٍ مؤتمنين بسياسة وحكمة ورجاحة تفكير سيادة الرئيس "الأسد" الذي خاض مع شعبه التضحيات الكثيرة وهو مؤمن كل الإيمان بصمود شعبه وبسالته، وأنا بدوري أرى أن هناك عاملان وراء صمود شعبنا أمام تلك التحديات وذلك الحصار، أولهما هو النهج السياسي الصحيح للقيادة السورية والقرار السياسي الصحيح والخطوات السياسية الواضحة المعالم والهدف، والتي أثرت كثيراً في المنطقة، أما العامل الثاني هو التفاف الشعب السوري حول القيادة السورية في تلك الظروف وغيرها».

حضور الندوة

أما بالنسبة للقضية الفلسطينية فقد أكد الدكتور "المقداد" على دور العرب في إصلاح ذات البين الفلسطيني ورفع الحصار عن شعب غزة ليقول: «كفانا تهاوناً بالقضية الفلسطينية وبكرامة الشعب الفلسطيني، وعلينا أن نتعاون باتخاذ الخطوات الفعلية التي من شأنها أن تساهم في رفع الحصار وتوحيد البيت الفلسطيني لا إقامة الحدود والحواجز أمام مرضاهم وجرحاهم ومؤن الغذاء الآتية إليهم، أما نحن في سورية فقد أوقفنا المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل لأن الحكومة غير المستقرة في إسرائيل لم تعمل على تنفيذ قرارات المرجعية السورية والتي تجلى أبرزها في انسحاب إسرائيل حتى خط الرابع من حزيران، وهذا ما لم تقم الحكومة الإسرائيلية بتنفيذه أو القبول به رغم الوساطة التركية والجلسات العديدة للإسرائيليين مع الأتراك».

وفي حديثه عن مصير العلاقات السورية التي تطورت كثيراً خلال الفترة الماضية مع العديد من دول الجوار والمنطقة ككل، وخصوصاً مع إيران وتركيا وما شاب العلاقة مع العراق قال "المقداد": «بالنسبة للعلاقات السورية التركية فكلنا يعلم كيف كانت حال العلاقات بين الدولتين عام 1998 فقد وصلت للذروة في تأججها وقد حشدت الجيوش وقاربت أن تقع حرب آنذاك، ولكن العلاقات وخلال الأعوام القليلة الماضية تطورت جداً نحو الأحسن فقد تكثفت الزيارات الرسمية وعلى كافة الأصعدة، ووقعت العديد من الاتفاقيات التي من أثرها أن تعود على كلا الدولتين بالفائدة والمنفعة للشعبين، أما العلاقات الوطيدة بين سورية وإيران فهي علاقة متوازنة تخدم مصلحة البلدين وكل من يطعن بها فهو يساعد الكيان الصهيوني ويقدم له خدمة كبيرة، في حين أن العلاقة مع العراق الشقيق تعرضت لتصعيد سيئ أدى إلى خدش طبيعة العلاقة بين البلدين نتيجة تدخل أطراف لها غايات متطرفة هدفها زعزعة أمن المنطقة واستقرارها، ولكننا نحن في سورية فتحنا أيدينا لاستقبال اللاجئين العراقيين وعملنا على استقبالهم على أراضينا وقدمنا الكثير لهم، ولكن ما ننتظره اليوم هو تلك الانتخابات ونتائجها على أن تخدم القضية العراقية وتلم شمل وشتات العراقيين لكي تستقر أوضاعهم دون أن يتدخل بهم أي طرف من مصلحته أن يبقى العراق مشتتاً وممزقاً بوجود الطائفية ونزاعاتها الدامية».